كورونا وما بعدهــا…بقلم د.اسامه إسماعيل

كورونا وما بعدهــا…بقلم د.اسامه إسماعيل

منذ تفشي فيروس كورونا في الصين في المرحلة الأولى حتى بدأت الاتهامات بين عدد من المسؤولين الأمريكيين والصينيين حول موضوع الحرب البيولوجية، وهي من التهم الخطيرة حول صناعة مثل تلك الفيروسات في المختبرات، وفي إطار الحرب التجارية القائمة أساسًا بين بكين وواشنطن.
ويبدو أن المنطق لا يتسق وتلك الاتهامات؛ لأن الضرر سيكون عامًا للدول بما فيها الصين والولايات المتحدة وكما نعلم ان المناكفات السياسية تعد طبيعيةً في مثل تلك الظروف ومع ذلك فإن الإحساس بالخطر الإنساني دفع الدول إلى التعاون بعد أن أيقن الجميع بأن الجميع خاسر على الصعيد الاقتصادي وقبله الإنساني وهذا ما جعل الدول والمنظمات تدعو إلى التكاتف والتعاون للوقوف أمام هذه الجائحة الفيروسية الخطيرة والتي شلت العالم بشكل كبيرة.
العالم الآن يبحث عن طوق نجاة للفيروس من خلال إيجاد علاج أو لقاح ينقذ الأرواح التي تتساقط يوميًا في كافة دول العالم، حيث كنت اتمني ان يجتمع العالم ايضا لانقاذ ذات الارواح التي تسقط يوميا في فلسطين وسوريا والعراق واليمن … الخ, ولعل القرارات الصارمة من الدول والتي وصلت حد الطوارئ الوطنية يعطي مؤشر على خطورة الفيروس المتحول والذي يحتاج إلى وقفة دولية بعيدًا عن المناكفات السياسية التي انست العالم كله القضية الفلسطينية وباقي القضايا ذات الصلة والاهتمام , ولعل من الظواهر الإيجابية ومع انشغال العالم بجائحة كورونا أن تراجعت تلك المناكفات في ظل التغطية الإعلامية الكبيرة لتطورات الفيروس ونتائجه المأساوية في دول العالم حتى الصراعات العسكرية والتوترات تراجع الاهتمام بها وأصبحت في سلم متدن .

وربما يكون هذا مدخل لإيجاد حلول لها في ظل المتغير الصحي الخطير الذي يجتاح العالم ومن هنا فإن المتغير السياسي يتراجع بشكل كبير، وهناك تعاون حتى بين الدول التي تسود بينها خلافات وهذا مؤشر إيجابي حتى وسط ذلك الهلع الذي يجتاح العالم وبدلا من توجيه الاتهامات المتبادلة فان المسؤولية الأخلاقية تفرض على الدول والمنظمات الوقوف بشكل جماعي للتصدي للخطر المحدق بالإنسانية هذا هو السلوك المطلوب في ظل هذا الظرف العصيب, عسي ان يكون هذا درسا تعليميا لكيفية التعامل مع باقي القضايا الشائكة التي ارهقت العالم بحثا عن السـلام وارجاح الحق وارجاعه لاصحابه .

وبعد ان رأينا مدن أشباح في تلك المدن وتوقفت الحياة كما توقفت في سوريا وفي كثير من بقاع الارض حيث يسكن الظلم والقهر..
وهذه أحد الدروس الأخلاقية الكبيرة حتى يكون هناك مراجعة سياسية لأوضاع العالم على صعيد وقف الحروب والصراعات والظلم للشعوب.
هناك تفسير فلسفي وحتى ديني للبعض حول ما يجري على هذا الكوكب من سلوكيات عدوانية ضد البشر علاوة على استئثار الإقلية بالثروات ووجود الملايين من الجوعى والمشردين في طول كوكب الأرض وانعدام قيم العدالة والإنصاف ولا شك أن هذا التفسير الأخلاقي به الكثير من الصحة.
وربما من المؤشرات الإيجابية للهلع الذي يسود العالم أن تكون هناك مراجعه حقيقية للواقع السياسي والاقتصادي ومنظومة القيم في هذا العالم الرأسمالي والذي أصبح أكثر توحشًا.
ومن هنا فإن النتائج الإنسانية التي تم رصدها الإعلام الدولي تعد على قدر كبير من القسوة وانه من غير المنطقي أن ينسى ساسة العالم ما حدث بعد أن يتم اكتشاف لقاء ضد الفيروس خلال هذا العام أو بداية العام القادم.
أن المنظومة الصحية ترفع لها القبعة كما يقال فهؤلاء الأطباء والممرضين والمتطوعين وهم بالملايين في كل المؤسسات الصحية العالمية هم أبطال هذا المشهد المخيف الذي اجتاح العالم، وقد دفع بعضهم ثمنًا لحياته، ولعل في مقدمتهم الطبيب الصيني والذي حذر من هذا الفيروس وخطورته ولكن لم ينصت إليه أحد بل وتعرض إلى التحقيق حتى وفاته علاوة على الآلاف من الممرضات والممرضين الذين يعملون بكل شجاعة وهم يخوضون هذه المعركة الإنسانية الأكبر في التاريخ الحديث.
إن جائحة كورونا أظهرت الكثير من المشاهد الإيجابية وحتى السلبية ومع ذلك فإن الجميع أيقن أخيرا بأن الإنسانية على مركب واحد إذا غرق سوف يغرق معه الجميع وأن من مصلحة العالم أن يتحد ويتعاون حتى الخروج من هذا المشهد المخيف في نهاية المطاف، وأن يكون المشهد بكل تجلياته وتفاصيله درسا كبيرا لإعادة النظر في سياسات العالم وأن يكون التفسير الأخلاق لحياة وسلوك متوازن ومنصف هو الإطار الكبير لسلوك أخلاقي تجاه البشرية بعد أن يختفي هذا الفيروس وتداعياته الكبيرة التي أوجدت ذلك الهلع الكبير , آملا ان ينتهي ان يتعلم من بعده وان يتعلم من بعده ضرورة تحقيق العدالة وارجاع الحق لاصحابه ..

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023