لبنان “العظمى” بمقاوميها ومصر “الصغرى” بمطبعيها

هشام البوعبيدي |

تصدير: على قدر أهل العزم تأتي العزائم….

لا يندرج الموضوع في باب المقارنة والمفاضلة بين الدولتين الشقيقتين، لكن الأمر يستدعي وقفة نظر وتأمل وتدقيق لما أضحت عليه كل منهما من حاضر مغاير لماضيها يكاد يمحوه ويلغيه لما هو عليه من تنافر وتناقض، فمثلما عاود طائر “المينارفا” الحياة والتحليق بعد احتراقه، انتفضت الجمهورية اللبنانية من كل المحن والشدائد التي عرفتها والقيود السياسية الخارجية التي كبّلتها كي تخلدها دولة وهن ضعيفة تابعة تتلقى الهبات والصدقات المشروطة والاملاءات التي تصادر قرارها السيادي وتجعلها بلا حول ولا قوة ينهش الصهاينة خيراتها ويستبيحون أرضها وبحرها وسماءها ولا راد لعدوانهم، مصداقا لقول أحدهم أن “قوّة لبنان…في ضعفه”، المتساوقة مع ركاب المحتلين والمطبعين والفاسدين.

الا أنه ورغم محدوديتها الجغرافية والديمغرافية وضعف امكانياتها وطبيعتها “الطائفية”، فإن لبنان جاهد ولا يزال للخروج من البوتقة المحدّدة له، فكان أهم انجاز ولا شك احتضانه للمقاومة التي مرّغت أنف الصهاينة بالوحل، وحرّرت الأرض وعصمت لبنان من عربدة الاحتلال وغيرت قواعد الاشتباك لصالحها: قصف بيروت يساوي قصف تل أبيب واستهداف مطار الحريري يعادل تدمير مطار بن غريون…والعين بالعين والبادئ أظلم، بل ورمى سماحة السيد حسن نصر الله الكرة في مرمى السلطة حين أعلمهم أن المقاومة جاهزة للذود عن مياه لبنان الاقليمية من التعديات الاسرائيلية أو ما يعرف بـ”البلوك9” ولو أدى الأمر لإعطاب منصات استخراج النفط والغاز التي يستغلها العدو شرق المتوسط، وهي إشارات تلقفتها القيادة اللبنانية وتقبلتها بقبول حسن، فانعكست على مراسم استقبال وزير الخارجية الامريكي ريكس تيلرسون الذي جاء للتوسط واقتراح مبادلة أراض مع الدولة العبرية، فكان أن تُرك وحيدا ينتظر الاذن بملاقاة الرئيس ميشيل عون، وهو الذي كانت تفتح في وجهه الأبواب الموصدة ويهبّ لخدمته علية القوم وكبارهم.

وعلى طرف نقيض، نكبنا بالأنباء عن اتفاق مبرم بين شركة “دولفينوس” المصرية مع شركات اسرائيلية لاستراد الغاز لمصر،  بعقد يمتد لعشر سنوات وبقيمة تقدر بـ15 مليار دولار، وهو ما جعل بنيامين نتانياهو يرقص طربا وفق يدعوت أحرنوت التي نقلت قوله: “أرحب بالاتفاق التاريخي اليوم على تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر، الذي سيدرّ المليارات على خزينة الدولة لإنفاقها على التعليم والصحة، ويحقق الربح لمواطني إسرائيل”. وهو ما يطرح أكثر من تساؤل، ألم تكن مصر زمن مبارك تزوّد كيان الاحتلال بالغاز؟ فكيف تحوّل الحال في بضع سنين؟؟ ثم ألم يكن من باب أولى استيراده من محال أخرى؟؟؟

شئنا أم أبينا، أن انخرام حال مصر يحز في النفوس، فهذه الدولة التي كتب عليها أن تكون عظمى، ويأبى من يحكمها الا إعاقتها وتبديدها وبخسها، وهي التي جعلها الخالد جمال عبد الناصر بيت العرب والذائدة عن مصالحهم واستقلالهم، وحولها في بضع سنين رقما صعبا في المعادلات الدولية، وحقّق معها نهضة لو كتب لها الاستمرار لأصبحت مضرب الأمثال كما نتغنى اليوم بنهضة “نمور آسيا” وغيرها، لكن مسلسل انحدار مصر واندحارها عن مكانتها التي تبوّأتها عربيا واقليميا ودوليا بدأ منذ اتفاق “كامب ديفيد” وانسلاخها عن دائرة الصراع العربي-الاسرائيلي بل وتحوّلت إلى خنجر في خاصرة المقاومة، وهذا الارتماء في الحضن الصهيو-امبريالي-رجعي تسارع بعد “الربيع العربي” وأصبحت دول كانت تتسوّل منها رغيف الخبز تتهدّدها بحجب مياه النيل الذي هو شريان حياتها حتى اعتبرها هيرودوت هبته، دون أن ننسى انخراطها في محاور البترودولار الرجعي بشقيه القطري-التركي أو السعودي-الاماراتي، والذي لم يزدها الا خسارا وانكسارا وتوّجت بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية تمهيدا لمنح السودان حلايب وشلاتين، أما عن غزّة فلا فك لحصارها ولا امداد لها بما يقيم أودها….

ان مكانة الدول وقيمتها لا يحدّدها تعداد سكاني ولا امتداد جغرافي بل ولا حتى عدة وعتاد، وانما موقف سياسي نزيه وشريف، حتى ولو تكالبت عليها الأمم ما هم بآخذي حق ليس لهم ولو طال بهم الأمد ولا أدل على ذلك من نظام الميز العنصري بجنوب أفريقيا الذي بات تاريخا يروى بعد عقود من التمكّن والتسلّط، كذلك نحن على يقين من اندحار الصهيونية وعودة فلسطين لأهلها ولو كان الطغاة والغزاة والبغاة بعضهم لبعض ظهيرا.

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023