لماذا مسيرة يوم القدس العالمي؟…بقلم صلاح المصري

لماذا مسيرة يوم القدس العالمي؟…بقلم صلاح المصري

في شهر أوت 1979، شهر رمضان 1399هجري، أعلن الإمام الفقيه الخميني رحمه الله نداءه العالمي، طالب فيه المسلمين جميعا و المستضعفين و المظلومين أن يجعلوا الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك، يوما عالميا للقدس، و جاء في بيانه أن “يوم القدس يوم عالمي، ليس فقط يوما خاصا بالقدس، و إنما يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين و يوم مواجهة الشعوب التي عانت من ظلم أمريكا و غيرها…. انه اليوم الذي سيكون مميزا بين المنافقين والملتزمين الذين يعتبرون هذا اليوم، يوما للقدس ويعملون ما ينبغي عليهم. أما المنافقون، هؤلاء الذين يقيمون العلاقات مع القوى الكبرى خلف الكواليس، و الذين هم أصدقاء لـ «إسرائيل»، فإنهم في هذا اليوم غير آبهين؛ بل ويمنعون الشعوب من إقامة التظاهرات”.
و اعتبر الإمام الخميني أن المسيرات الشعبية في يوم القدس العالمي هي أحد الحلول والوسائل التي ستساهم في مواجهة العدوان الص_هيوني المستمر ضد الشعب الفلسطيني و شعوب المنطقة.
و أراد الإمام أن يوسّع دائرة الاعتبار فنظر إلى هذه المسيرات على أنها مظهرا للمواجهة الكبرى بين المستضعفين والمستكبرين،مسيرات لمناهضة الظلم الأمريكي، و أن هذه المسيرات ستكون مفترقا يفصل بين المنافقين و الملتزمين.
و أكد في فقرة أخرى من البيان أن الجمعة الأخير من شهر رمضان سيكون محددا لمصير القدس.
لماذا كل هذا الحرص من الإمام الخميني على المشاركة في مسيرات يوم القدس العالمي؟
#رؤية_الإمام_الثورية_الشعبية
أراد الإمام الخميني أن يضع حلا موضوعيا علميا لجزء كبير من مشاكل الأمة الإسلامية و مشاكل المستضعفين، وهذا الحل يتمثّل في الحضور الميداني للشعوب، بقدر ما يزداد حضور الشعب و فاعليته وتحركه لأجل قضاياه فإنه يزداد قدرة على حل مشاكله.
ويؤكد الإمام الخميني قدرة الشعوب المستضعفة على إيجاد الحلول المتنوعة لجميع مشكلاتها،حيث يقول : “إنّ الشعوب هي القادرة على حل مشاكلها، وقد رأيتم مشكلتنا التي كانت أصعب بكثير من مشاكل الآخرين، وكانت قدرة الشاه المخلوع الشيطانية أكثر من سائر القدرات، كما أن القوى العظمى وجميع الحكومات في العالم الإسلامي وغير الإسلامي، كانت تقف إلى جانبه و تسانده “، فجميع موازين القوى تتغير وتنقلب عندما يخرج الشعب إلى الشوارع و يملؤها بصرخات الحق ويجد الظالمون أنفسهم مهزومين، يدرك العدو الصهي_وني والأمريكي خطورة الحضور الشعبي في الشارع و صرخات الموت لجميع الظالمين، الم_وت لإسرا_ئيل،فهو يحاربها بمختلف الوسائل.
والحضور الشعبي في الشوارع يقترن بخطابات و بيانات و حوارات مما يجعله فعلا نقطة تحوّل في الانتصار، والتخطيط للانتصار، والحضور الشعبي من أهم المؤشرات الموضوعية على إيمان الشعوب بقضاياها و حقوقها.
فحديث الإمام الخميني عن مسيرة يوم القدس العالمي بصفتها أحد الأسباب الحقيقية لتحقيق النصر الكبير ضد المجرمين والقتلة الصها_ينة إنما يعبر عن رؤية فكرية سياسية و تصور منطقي يربط بين السبب و المسبب.
ويرى السبب في أفقه المستقبلي الكبير الذي سيجعله كافيا مكتملا لتحقيق أعظم الانتصارات.
ونفس هذه الرؤية جعلته يدعو إلى مسيرة سياسية أثناء أداء عبادة الحج، مسيرة البراءة من المشركين لكنه لم يبق عنوان المشركين غامضا فاقدا للمضامين التاريخية و السياسية وإنما حدّد المشركين من خلال الماهية السياسية فانطبق الوصف على الشيطان الأكبر الأمريكي و الغدة السرطانية الص_هيونية.
واعتبر الإمام الخميني أن عبادة الصوم و عبادة الحج لا يكتملان دون الخاتمة السياسية، حيث نظريته العقائدية تقوم على وحدة العبادة و السياسة، وأن حضور الإيمان في وجدان الإنسان كلما ازداد صدقا فإنه يزداد امتدادا و شمولا، و كلما ازداد ضعفا و ضمورا فإنه يتراجع عن ساحات الحياة و تضيق دائرته حتى يخرج نهائيا و ينفصل عن الحياة بعدما انفصل عن شؤون الناس والسياسة.
إن الحضور الشعبي في ساحات المواجهة ضد الاستكبار العالمي و الص_هيونية وضد المنافقين، يمثّل تفعيلا للإيمان وحسما للمعرفة و ضمانا لرقيّ الأمة الإسلامية في مراتب إيمانها الجماعي.
#البيان_والميدان
لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
و يتفق العرب و المسلمون و المستضعفون، أن الص_هيونية و الإمبريالية الأمريكية هما أشد السلاطين جورا و ظلما و عدوانا فيستحقون في الحد الأدنى المساهمة الغعّآلة في مسيرات المناهضة و الادانة الجماهيرية للكيان الغاصب، وخلال الحركة يمكن للإنسان أن يتدرب على فهم حقوقه و اكتساب الوعي و التضحية.
وقد أشار الإمام الخميني إلى أن المخططات الإجرامية للعدو الص_هيوني و الأمريكي لن تتوقف عند حدود فلسطين و القدس:
(( أيها السلمون في العالم، وأيها المستضعفون الثائرون، وأيها البحر اللامتناهي من البشر: انهضوا ودافعوا عن كيانكم الإسلامي والوطني، إن إسرائيل اغتصبت القدس من المسلمين، وقد تساهلت تجاهها الحكومات، وكما يبدو من بعض العلامات الظاهرة في الوقت الحاضر، فان أمريكا تريد الاستيلاء على المسجد الحرام ومسجد النبي، وبواسطة صنيعتها الفاسدة إسرائيل، ورغم كل ذلك فلا زال المسلمون يلفهم الصمت، بل ويتفرجون على كل ما يجري دون أدنى اهتمام، إننا ــ والتزاماً منا بإسلامنا العظيم ــ نساند جميع المستضعفين في العالم، ونساندكم أنتم، وندعم أية منظمة تنهض من أجل إنقاذ وطنها، كذلك نعلن دعمنا الكامل لكفاح إخواننا الفلسطينيين والشعب المسلم في جنوب لبنان، في مواجهة إسرائيل الغاصبة)).
وقد كانت بيانات الإمام الخميني قبل انتصار الثورة الإسلامية كما هي بعد انتصار الثورة، لم يتغيّر في مواقفه و ثوابته، وكان يحذّر المسلمين و المستضعفين جميعا من الجرائم التي يتم التخطيط لها من طرف الإمبريالية الاستكباريّة، و كان بيانه واضحا في الالتزام بدعم جميع المقا_ومين في العالم، و لم يتردد الإمام يوما في موقف الدفاع عن القدس و فلسطين.
#المشاركة_مقدسة
إن أهمية الحضور في مسيرة القدس العالمي، ترتفع عند الإمام الخميني إلى الواجب المقدّس الذي يجسّد شخصية الأمة الإسلامية في تثبيت هوية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهوية القيام المستمر ضد الظالمين، وتجديد وحدة الامة واستعداد أبنائها جميعا لحفظ الأمانة الإلهية، أمانة القسط و العدل.
مسيرة يوم القدس العالمي في الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك، على مقربة من ليالي القدر العظيمة وعلى مقربة عيد الفطر المبارك، في أجواء روحانية عالية وبعد مسيرة جهادية روحية خاضها كل مسلم في ثلاثة أشهر مباركة، شهر رجب وشعبان ورمضان، هذه المسيرة إنما اقترحها الإمام لتعلن اكتمال الدورة الروحية بضم الجهاد الأصغر إلى شقيقه الجهاد الأكبر، لن ينفصل الشقيقان عن بعضهما، و الإنسان السائر على خط الأنبياء والمرسلين إنما يزكّي نفسه ويطهّرها قربة إلى الله و طلبا لمرضاته، وهو يقاوم الظلم بنفس تلك الروح ونفس الهدف قربة إلى الله وطلبا لمرضاته.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023