مدى اضطهاد العبّاسيين لذرّية النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبناء علي وفاطمة(ع)…بقلم محمد الرصافي المقداد

مدى اضطهاد العبّاسيين لذرّية النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبناء علي وفاطمة(ع)…بقلم محمد الرصافي المقداد

لو أني أفسحت المجال لذكر ما نفذ بجلد رواياته، من أحداث جسام عن جرائم الماضين، بحقّ من يمتّ بصلة إلى أئمة الهدى عليهم السلام، من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الحكام بأصنافهم، أمويين وعباسيين ومماليك وعثمانيين وعملاء القوى الإستكبارية الغربية والصهيونية من حكام عرب معاصرين عُرِفوا باضطهاد معارضيهم، لما أمكنني الإنتهاء منه، ففي كل بلد حكايات وروايات، وثّقت شيئا من عدوان المعتدين سواء كان بمباشرة أولئك الحكام، أم بتحريض أوليائهم وأتباعهم من طلاب الدنيا، وبيّاعة دينهم برضا السلطان ولو كان مخالفا لأمر الله متعدّيا حقوقه.

وقد رأيت في هذه الرواية، عيّنة أسوقها للقارئ الكريم، محوصلة ما يدخل تحت طائلة فظاعة ما حصل بحق هؤلاء المؤمنين، بلا ذنب جنَوْهُ حتى يستحقوا العقوبات الشديدة، من سجن في أسوا الظروف وأقساها، ومن تعذيب وقتل وسحل، بلغ مدى حقد، لا يمكن أن يكون ساكنا في قلب انسان عاقل، فضلا عن كونه مسلما يُفترض أن يكون قلبه مليئا بالرحمة أسوة بالله خالقه ونبيّه عنواني الرحمة، هؤلاء الضحايا استهدِفوا، بسبب أنهم ربطوا حياتهم بمن دعا الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم مسلميه إلى اتّباعهم، وأخذ معالم دينهم عقيدة وشريعة عنهم، وهُمْ أئمة الهدى من بيت فاطمة وعلي عليهما السلام، الرّواية أنقلها كما هي وهي:

عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَزَّازِ النَّيْسَابُورِيِّ ــ وَ كَانَ مُسِنّاً ــ قَالَ‏: كَانَ بَيْنِي وَ بَيْنَ حُمَيْدِ بْنِ قحطبة الطَّائِيِّ الطُّوسِيِّ(1) مُعَامَلَةٌ فَرَحَلْتُ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ، فَبَلَغَهُ خَبَرُ قُدُومِي فَاسْتَحْضَرَنِي لِلْوَقْتِ وَ عَلَيَّ ثِيَابُ السَّفَرِ لَمْ أُغَيِّرْهَا وَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَلَمَّا دَخَلْتُ إِلَيْهِ رَأَيْتُهُ فِي بَيْتٍ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ جَلَسْتُ، فَأُتِيَ بِطَسْتٍ وَإِبْرِيقٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَنِي فَغَسَلْتُ يَدَيَّ وَأُحْضِرَتِ الْمَائِدَةُ، وَذَهَبَ عَنِّي أَنِّي صَائِمٌ، وَأَنِّي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ فَأَمْسَكْتُ يَدِي.
فَقَالَ لِي حُمَيْدٌ: مَا لَكَ لَا تَأْكُلُ ؟ فَقُلْتُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ وَلَسْتُ بِمَرِيضٍ وَلَا بِي عِلَّةٌ تُوجِبُ‏ الْإِفْطَارَ، وَلَعَلَّ الْأَمِيرَ لَهُ عُذْرٌ فِي ذَلِكَ أَوْ عِلَّةٌ تُوجِبُ الْإِفْطَارَ.

فَقَالَ: مَا بِي عِلَّةٌ تُوجِبُ الْإِفْطَارَ وَإِنِّي لَصَحِيحُ الْبَدَنِ، ثُمَّ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَبَكَى .فَقُلْتُ لَهُ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ: مَا يُبْكِيكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ؟ فَقَالَ: أَنْفَذَ إِلَيَّ هَارُونُ الرَّشِيدُ وَقْتَ كَوْنِهِ بِطُوسَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ أَنْ أَجِبْ، فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ رَأَيْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ شَمْعَةً تَتَّقِدُ وَسَيْفاً أُحْضِرَ مَسْلُولًا، وَبَيْنَ يَدَيْهِ خَادِمٌ وَاقِفٌ، فَلَمَّا قُمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ فَقَالَ: كَيْفَ طَاعَتُكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقُلْتُ: بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ. فَأَطْرَقَ، ثُمَّ أَذِنَ لِي فِي الِانْصِرَافِ.

فَلَمْ أَلْبَثْ فِي مَنْزِلِي حَتَّى عَادَ الرَّسُولُ إِلَيَّ وَقَالَ أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقُلْتُ فِي نَفْسِي:‏ إِنَّا لِلَّهِ‏ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَزَمَ عَلَى قَتْلِي وَإِنَّهُ لَمَّا رَآنِي اسْتَحْيَا مِنِّي، فَعُدْتُ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ، فَقَالَ: كَيْفَ طَاعَتُكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقُلْتُ: بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ، فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً ثُمَّ أَذِنَ لِي فِي الِانْصِرَافِ. فَلَمَّا دَخَلْتُ مَنْزِلِي لَمْ أَلْبَثْ أَنْ عَادَ الرَّسُولُ إِلَيَّ فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَحَضَرْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيَّ فَقَالَ: كَيْفَ طَاعَتُكَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟
فَقُلْتُ: بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ وَالدِّينِ. فضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ لِي: خُذْ هَذَا السَّيْفَ وَامْتَثِلْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ هَذَا الْخَادِمُ. قَالَ: فَتَنَاوَلَ الْخَادِمُ السَّيْفَ وَنَاوَلَنِيهِ وَجَاءَ بِي إِلَى بَيْتٍ بَابُهُ مُغْلَقٌ فَفَتَحَهُ، فَإِذَا فِيهِ بِئْرٌ فِي وَسَطِهِ، وَثَلَاثَةُ بُيُوتٍ أَبْوَابُهَا مُغْلَقَةٌ، فَفَتَحَ بَابَ بَيْتٍ مِنْهَا فَإِذَا فِيهِ عِشْرُونَ نَفْساً عَلَيْهِمُ الشُّعُورُ وَالذَّوَائِبُ، شُيُوخٌ وَكُهُولٌ وَشُبَّانٌ مُقَيَّدُونَ. فَقَالَ لِي: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكَ بِقَتْلِ هَؤُلَاءِ وَكَانُوا كُلُّهُمْ عَلَوِيَّةً مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ عليهما السلام.

فَجَعَلَ يُخْرِجُ إِلَيَّ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهِمْ، ثُمَّ رَمَى بِأَجْسَادِهِمْ وَ رُءُوسِهِمْ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ .ثُمَّ فَتَحَ بَابَ بَيْتٍ آخَرَ فَإِذَا فِيهِ أَيْضاً عِشْرُونَ نَفْساً مِنَ الْعَلَوِيَّةِ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ عليهما السلام مُقَيَّدُونَ. فَقَالَ لِي: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكَ بِقَتْلِ هَؤُلَاءِ، فَجَعَلَ يُخْرِجُ إِلَيَّ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَيَرْمِي بِهِ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ، حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى آخِرِهِمْ‏.
ثُمَّ فَتَحَ بَابَ الْبَيْتِ الثَّالِثِ، فَإِذَا فِيهِ مِثْلُهُمْ عِشْرُونَ نَفْساً مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ مُقَيَّدُونَ عَلَيْهِمُ الشُّعُورُ وَ الذَّوَائِبُ. فَقَالَ لِي: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْتُلَ هَؤُلَاءِ أَيْضاً، فَجَعَلَ يُخْرِجُ إِلَيَّ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ فَأَضْرِبُ عُنُقَهُ، فَيَرْمِي بِهِ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ، حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى تِسْعَ عَشْرَةَ نَفْساً مِنْهُمْ، وَبَقِيَ شَيْخٌ مِنْهُمْ عَلَيْهِ شَعْرٌ، فَقَالَ لِي تَبّاً لَكَ يَا مَشُومُ، أَيُّ عُذْرٍ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذَا قَدِمْتَ عَلَى جَدِّنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله، وَقَدْ قَتَلْتَ مِنْ أَوْلَادِهِ سِتِّينَ نَفْساً، قَدْ وَلَدَهُمْ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ عليهما السلام؟

فَارْتَعَشَتْ يَدِي وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصِي، فَنَظَرَ إِلَيَّ الْخَادِمُ مُغْضَباً وَزَبَرَنِي، فَأَتَيْتُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخِ أَيْضاً فَقَتَلْتُهُ، وَرَمَى بِهِ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ، فَإِذَا كَانَ فِعْلِي هَذَا، وَقَدْ قَتَلْتُ سِتِّينَ نَفْساً مِنْ وُلْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَمَا يَنْفَعُنِي صَوْمِي وَصَلَاتِي، وَأَنَا لَا أَشُكُّ أَنِّي مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ.) 2)

وفي هذه الرواية التي سقتها كعيّنة كفاية لمن لزم عقله واستنار بهدْيِ من نصحه، بدلالاتها التي تضمّنتها في تعرية حقيقة هارون العبّاسي، وما اقترفه من جنايات بحق ذوي قرباه، أبناء أبي طالب عليه السلام، سببه الوحيد أنهم اصحاب حق في قيادة الأمة عُدّ هو من سبقه مغتصبا له، فلجأ الى تصفيتهم ومحو ذكرهم، والإعفاء عن آثارهم بكل سبيل يمكنه أن يحقق هدفه، مستعينا بجلاوزته من عبيد الدنيا، الذين أثبتوا من القسوة ما لا يمكن أن يحمله من في قلبه ذرّة من إيمان، والعصر العباسي مليء بجرائم من أمثال هذه وما شابهها، تقرّبا وتزلّفا له، فاعتبروا يا أولي الألباب، وتبرّؤوا من مقترفيها، قبل أن تُكْتَبوا راضين بها أو مبرِّئين ساحة من جناها، قبل أن يصدق عليكم مثل أتباع الضُّلّال، فتخسروا صفقة دينكم بمجرّد وهم ركّبه في عقولكم شياطين الإنس.

المراجع

1 – حُمَيد بن قَحطَبة بن شبيب الطائي، أحد الناشطين في الدعوة إلى العباسيين في خراسان وأحد القادة العسكريين الذي لعب دوراً بارزاً في وصول بني العباس إلى السلطة، ولقد قاد برفقة أبو مسلم الخراساني معارك كثيرة، كانت نتيجتها الإطاحة بالحكم الأموي، عيّنه أبو جعفر المنصور واليا على مصر سنة 143 هجرية، ثم عين والياً على خراسان سنة 151 هجرية، و بقي واليا على خراسان حتى وفاته سنة 159 هجرية.

2 – عيون أخبار الرضا (ع) الشيخ الصّدوق ج 2ص 100/102/ بحار الأنوار العلامة المجلسي ج48 ص 176 ح20

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023