مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني أدوات مآلات…بقلم محمد الرصافي المقداد

مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني أدوات مآلات…بقلم محمد الرصافي المقداد

 

 

على الرغم من أنَ تونس تُعْتَبَرُ بعيدة نسبيا عن مجال التطبيع مع الكيان الصهيوني، وليست في مقام استفادة من ذلك التوجّه المشين والخطير، بما التزم به رئيسها قيس سعيد، كما هي حال المملكة المغربية، التي بذلت ولا تزال قصارى جهودها الدبلوماسية، من أجل الظفر بتأييد أمريكي، يزيد من حظوظ بسط يدها على الصحراء الغربية، الغنية بالفوسفات واليورانيوم، فإنّ مجال التطبيع في تونس انفتح على بعض الفنانين والجامعيين، وآخرين غرّتهم عناوين سياحية للذهاب إلى القدس، فانساقوا وراءها فدخلوا فلسطين المحتلة عبر البوابة الصهيونية، وهو تطبيع مبطّن بعناوين ثقافية ودينية وتجارية وسياحية، غير مقبولة لا شعبيا ولا حكوميا.

 

هذا التدرّج في الانزلاق نحو التطبيع الرسمي، يدفعنا لأن نطلق صيحة فزع وتحذير، من مغبّة ترك حبل بعض الشركات السياحية، والمؤسسات الجامعية والثقافية والقطاعات الفنيّة والرياضية، تتصرّف كما يحلو لها، في هذا المسار الخياني للقضية الفلسطينية، هذه القضية التي تبنّاها الشعب التونسي، واعتبرها قضيته المركزية، هذا التسريب البطيء والتحرك الصغير وإن كان شاذا ومنعزلا عن اجماع الشعب التونسي، وجب التحذير منه كتصرّف خطير لا يمكن القبول به كأمر واقع، فلا بدّ من التشهير بأصحابه حتى يعرفهم المواطنون ويتجنّبوهم في معاملاتهم عقوبة لهم، ومعاقبتهم قانونيا إذا عادوا لنفس العمل، على أساس الخرق الذي أحدثوه في مبدأ تبنّاه الشعب عقائديا وسياسيا، واكّده الرئيس قيس سعيد في تعابيره الواضحة، بحيث لا مجال للعبث به من طرف أيّ كان من المجتمع التونسي.

 

ولكي لا ننسى مقابل هذه التحركات المشبوهة، أذكّر التونسيين والعرب وعامة المسلمين، أنّ الكيان الغاصب لفلسطين، والمعتدي على إخواننا الفلسطينيين على مدى 75 عاما، بمختلف أساليب العدوان، فلم يسلم منه بشر ولا حجر ولا شجر، الكل عاش ولا يزال تحت قمعه وبطشه، هذا ولم يقف عدوانه عند الحدود الفلسطينية، بل تجاوزها إلى لبنان وسوريا والعراق، له مشاريعه التدميرية وعملاؤه هناك، في عمليات استباقية لضرب مواقع المقاومة هناك، وكان لتونس نصيب ليس بالقليل، فقد قامت طائراته المعتدية، بقصف مقر الفلسطينيين اللاجئين في حمام الشط، بضاحية تونس العاصمة في 1 أكتوبر 1985 (1)، وبعدها اغتيل خليل الوزير أبو جهاد بتاريخ 16/4/1988، في ضاحية المرسى (2)، وبعدها وقع اغتيال جبان المهندس محمد الزواري بجهة صفاقس(3) تورّط فيه عدد من التونسيين الأغبياء اذا سلمنا أنّهم بذلك المستوى من العقل، وإلّا فمجرّد عملاء دخلوا تحت مظلة الموساد، لنيل مقابل ما قدموه من خيانة وطنهم.

 

مخطئ من يعتبر أن المملكة السعودية ستكون خاتمة التطبيع مع الكيان الصهيوني، فهو دون شك غير مطّلع على تاريخ تأسيس المملكة في القرن الماضي ومن أسسها، بعد أن سقط مشروع اقامتها مرتين على أيدي العثمانيين(4)، ولبريطانيا على الملك عبد العزيز آل سعود يد طولى في تأسيس مملكته، ومن بين شروط البروتوكول الذي عقد بينه وبينها، أن لا يعارض سياستها في المنطقة(5)، ومن بين تلك السياسات توطين اليهود على أرض فلسطين، من هنا نفهم أن التطبيع مع الكيان الغاصب مشروع أمريكي دون شك، وأنّ من يقوم بخدمته ونشر ضلاله بين الحكام العرب هم آل سعود، فلا يغترّن مغترّ بما ينشره الإعلام من مغالطات واضحة بهذا الشأن.

 

وفي نظري، فإنّ أول التطبيع القبول بحلّ الدولتين الذي تقدّمت به جامعة الدول العربية، ومجرّد الإعتراف بقيام الكيان المسمى بإسرائيل على جزء من أرض فلسطين مهما كانت مساحته، كان بداية التطبيع والإعتراف بالعدو شريكا فيها، ومنتهى التفريط في الحق الفلسطيني في كامل أرضه وسيادته عليها، وكيف يمكن القبول بحلّ مُخزٍ كهذا الذي اقترحه الحكام العرب، تخلّصا من قضيّة أزعجتهم وأحدثت لهم كابوسا رأوا في هذا الأسلوب من التعامل معه، طريقا للخلاص منه، هؤلاء الحكام لم يتحرجوا من خيانة شعوبهم، فكيف بالشعب الفلسطيني؟

 

إذا كان هؤلاء المطبّعين عرب فيما يبدو من أصولهم، فالعرب لا يقبلون بالضّيم، ويرفضون العيش تحت الذّل، فكيف يمكنهم في هذه الحال، قبول الإنتهاكات اليومية لقوات الكيان الصهيوني بحق أشقائهم الفلسطينيين؟ وإن كانوا مسلمين انتماءً وتعدادا، فلماذا يرضون بالدّون، ويتعايشون مع الهوان في مقابل إجرام الكيان الغاصب، وقتله اليومي بالدّم البارد لعشرات الفلسطينيين كل شهر، وحصاره لمئات الآف الفلسطينيين بجدار الفصل العنصري ومعابره المذلّة، التي أحاط بها الصهاينة مستوطناتهم، خوفا من أصحاب الأرض، وتأمينا لقطعان مستوطنيه منهم، جبنا واضحا ( لا يقاتلوكم جميعا إلا في قرى محصّنة أو من وراء جدر) (6)

 

سباق لمن تفطّن له، جار منذ إعلان الامام الخميني رضوان الله عليه مشروعه لتحرير فلسطين من الكيان الغاصب، وهو مدرك تماما أن المسألة بحاجة إلى إرادة وعزيمة قويتين، وإعداد في مستوى المواجهة الحاسمة التي ستكون مع الإستكبار العالمي، صانع الكيان وداعمه والمدافع عنه، وهو بتلك الحال من العنصرية والإجرام الظاهرة للعالم، كأنّها حقّ مشروع له في مواجهة أصحاب الأرض، هذا المحور المبارك سيكون في مهمّة مقدّسة تترقبها الشعوب الإسلامية لتحقيق أمل ترجوه في تحرير فلسطين بالقوّة، بعدما ثبت فشل وخسران الحلّ السلمي ومنه حلّ الدولتين، لذلك نرى أمامنا محاولة أمريكية غربية، لسحب البساط من تحت أرجل محور المقاومة الذي ترعاه إيران، بتسريع التطبيع بين الدول العربية والكيان الصهيوني، بحيث لا يبقى لمقاومته مشروعية قانونية أمام اجماع الدول في اطار التطبيع مع الصهاينة.

 

يبدو أننا نسير بخطى ثابتة وحاسمة نحو مواجهة لا مفرّ منها، ونشوب صراع نهائي من أجل تخليص فلسطين من براثن الغرب والصهيونية، سينجلي غبار معركته على نهاية مشروع إسرائيل الكبرى وهزيمة من اصطفّ وراءها من المؤسسين والمطبعين، فبأيّ وجه سيظهر حلف التطبيع والمعادي لحلف المقاومة؟ أعتقد أنه وجه خيبة كل خائن، نعوذ بالله من سوء التقدير والمصير.

 

المراجع

 

1 – عملية الساق الخشبية https://ar.wikipedia.org/wiki/

 

2 – اغتيال خليل الوزير https://ar.wikipedia.org/wiki/

 

3 – القصة الكاملة لعملية اغتيال رجل حماس محمد الزواري في تونس

 

https://arabi21.com/story/1049593/

 

4 – كيف لعبت السعودية وملكها المؤسس دورا حاسما في إقامة ‘إسرائيل’؟

https://www.alalam.ir/news/5333446/

 

5 – نهاية الدولة السعودية الثانية وسنوات الاغتراب

 

http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Atrikia51/Saudia3/sec01.doc_cvt.htm

 

6 – سورة الحشر الآية 14

 

 

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023