من أنتم؟

بقلم : محمد بن عمر |

ظهر (بامبيو) وزير الخارجية الامريكي الجديد – وهو الذي كان من قبل مديرا لمكتب (CIA) – كما لم يظهر وزير خارجية قبله، معاقرا خمرة العداء لإيران، ثملا بما طرحه، لا يكاد يتماسك، من فرط فعل خمرة الاستكبار في عقله، معتقدا أن الكلمة التي ينطق بها باسم النظام الشيطاني الامريكي – الموغل في الارض تعاليا وتجبّرا- بنظره سيفا مسلّطا، يجب أن تكون لها آثارها وتداعياتها على إيران، وتؤخذ بمأخذ الجد على  المستوى العالمي، فيسرع الى الاصطفاف وراءها أنظمة عبيد أمريكا، من شتى أنحاء العالم، وفي مقدمتهم أعراب الخليج.

وما كان في الحسبان حصل فعلا، فقد سارعت البحرين وزارة الخارجية البحرينية الى التأكيد على دعم المملكة الكامل للإستراتيجية الأمريكية تجاه إيران، التي أعلنها وزير خارجية الأمريكي (مايك بومبيو) الإثنين 21/5/2018.

وحذت حذوها الإمارات العربية على لسان وزير خارجيتها قرقاش، معبّرة بلسان الولاء الملطق لأمريكا عن صواب الموقف الذي أعلن عنه وزير خارجيتها،  وينسجم الموقف السعودي مع هاذين الموقفين باعتبار السعودية رأس حربة في الفتنة القائمة في منطقة الشرق الأوسط، وبؤرة تصنيع وتمويل الارهاب، المنتشر في المنطقة بفكرها الوهابي التكفيري.

شروط تعجيزية أعلنها (مايك بومبيو) تحت مسمى (الاستراتيجية الجديدة ضد إيران)، وهي ليست كذلك واقعا، لأنها قديمة ومتواصلة في اطار المراهنة على الحرب الاقتصادية، التي شنت ضد ايران لدفعها مضطرة، الى الإذعان الى تلك الشروط، والنزول عند رغبة امريكا واسرائيل وحلفائهما في المنطقة، بالتخلّي عن حقوقها المشروعة في تطوير وسائلها العسكرية الدفاعية، ومساندة الشعوب المضطهدة والمحتلة اراضيها، كالشعب الفلسطيني واللبناني والسوري.

إن الذي دعا ترامب الى تغيير وزير الخارجية السابق (ريكس تيلرسون) بالحالي بامبيو هو تطابق وجهات النظر بينهما في الفكر الصهيوني، وخطاب بامبيو الاخير جاء بلسان صهيوني، وشروطه الـ12 التی يرید الكيان فرضها علي إیران، بالطريق الخداع الدبلوماسي، فإن لم يتسنى ذلك، فبتشديد العقوبات الاقتصادية، ومحاولة خلق حالة من التمرّد الشعبي داخل إيران، فإن لم يتسنى ذلك، فاحتمال شن حرب على ايران وارد جدا، بل لعله الخيار الأخير، الذي يسعى النظام السعودي مع الكيان الصهيوني لاستعجاله.

والعجيب في خطاب وزير الخارجية الامريكي، أن يرمى ايران برعاية الارهاب، ناسبا بذلك حركات مقاومة العدوّ الصهيوني الى الارهاب، ومبرئا بالتالي نظام التكفير والارهاب الوهابي، من كونه مصدرا للإرهاب الخطير والمدمّر للدين والحضارة والانسان.

ومطالبة ايران بوقف دعمها لحزب الله وحماس والجهاد وبقية فصائل المقاومة المعادية للكيان الصهيوني، هو حلم تتمنى تحقيقه الادارة الامريكية وحلفاؤها وعملاؤها، وهذا من المستحيلات التي لن تجد طريقا للتحقيق، طالما أن النظام الاسلامي لا يزال قائما بهياكله وشعبه وانصاره، وإن ال 39 عاما من العقوبات الماضية (منذ 1979)، لم تغير شيئا من مواقفه التحررية المبدئية، لن تقدّم جديدا تهديدات بامبيو وترامب.

ويبدو أن امريكا بعد أن سقطت مشاريعها التخريبية في سوريا والعراق، التي كانت تستهدف تفتيت محور المقاومة بإسقاط النظام السوري، وبعد أن فشلت سياساتها القديمة، في اثارة الشغب والفوضى في داخل ايران سنوات 2009 و2017، قد عادت الى اسلوبها القديم في تشديد العقوبات عليها، لعلها بواسطتها تؤثر على الوضع الداخلي، أملا في انقلابه لصالح المخطط الصهيو أمريكي.

قد تتعظ دولة بعقم سياساتها، فتسعى الى تغييرها، فالرجوع من الواقف الخاطئة، الى مواقف اخرى صائبة، ليس عيبا بل هو من تمام رجاحة العقل السياسي، لكن يبدو العيب هنا أمريكيا صرفا، لا ينازعه عليه نظام غريب آخر، ذلك أن أمريكا التي فرضت عقوبات وحصارا جائرا على كوبا وعقوبات بدأ بعد انتصار الثورة الكوبية والاطاحة بعميل امريكا (باتيستا) في 1962، والعقوبات الاقتصادية المسلطة على (فينزويلا) بعد انتخاب(هوغو تشافيز Hugo Chávez) رئيسا لها، وهو الذي استوحى أفكاره من زعيم الحركة (البوليفارية) التحررية اليسارية (سيمون بوليفارSimón Bolívar)، المعادية للاستعمار.

لم تجن أمريكا من تلك العقوبات المفروضة على تلك الدول شيئا، سوى مزيد نقمة الشعوب الحرة عليها، وبقائها على معاداتها الى اليوم، ولعلّ الحرب والحصار الذي فرضتهما على كوريا الشمالية منذ 1950 الى اليوم، الذي أتى بنتيجة عكسية تماما، تمثلت في دخول هذا البلد نادي الدول النووية العسكرية، وبعد هذا العقم والفشل الذريع، تحاول امريكا اليوم استدراج الرئيس الكوري (كيم جونغ أون Kim Jong-un) الى خدعة التفريط في سلاحه مقابل رفع الحصار على بلده وحوافز أخرى.

وبعد فوز (نيكولاس مادورو) بفترة رئاسية جديدة  لبلده (فينزويلا)، اعلن الرئيس الامريكي بدوره، عن حزمة جديدة من العقوبات ضده، إمعانا في زعزعة الاستقرار بذلك البلد، المعادي لسياسات أمريكا، في جنوب القارة الامريكية وفي العالم.

ويبدو أن (بامبيو) شانه في هذا، كشأن صاحبه (ترامب)، يجهلون حقيقة ايران قيادة ونظاما وثورة وشعبا، بل لعلهم لا يعرفون عن ايران تاريخا قديما وحديثا شيئا، يجعلهم يزِنون كلامهم ومواقفهم بشأنها، وبدافع الغرور الذي أصابهم، من جراء هيمنتهم على أغلب دول العالم.

لم يتخلّف الرد الإيراني على مقترحات امريكا، فقد جاء على لسان الرئیس حسن روحانی قوله: من أنتم حتي تُقرِّروا عن إیران والعالم؟ في تحدّ لا تزال إيران تعتمده تجاه أمريكا، بناء على فكر الامام الخميني مؤسس نظامها، الذي اعلن منذ أيامه الاولى، عداءه لأمريكا مستعبدة الشعوب، واعتبرها شيطانا اكبر، وعلّق نائبه السيد (جهانغيري) على خطاب (بامبيو) بقوله: أنّ بامبیو جاء مُتأخِّرًا 40 عامًا، فالشَّعب الإیرانی قامَ بالثًّورة، حتي لا یُملِی علیه أحد ما یَجِب أن یفعله.

اذا نحن أمام مؤامرة جديدة، ودفع آخر، لثني إيران، عن مواصلة نهجها المعادي للصهيونية والاستكبار الامريكي، حرب اقتصادية وسياسية، قد تتطور في أي لحظة الى حرب عسكرية، ستنتهي بهزيمة أمريكا، كما صرح بذلك الامام القائد السيد علي الخامنئي في آخر كلماته بهذا الشأن.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023