من باول إلى بومبيو… «15 عاماً» ولم يتعلّموا الدرس بعد

عماد خالد الحطبة* |

في أيار من العام 2003 جاء كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق إلى دمشق، والتقى السيد الرئيس بشار الأسد، مقدماً مجموعة من الشروط الأمريكية على سورية، وفي أيار 2018 خرج وزير خارجية الولايات المتحدة الجديد مايك بومبيو بشروط أمريكية جديدة طالب إيران بتنفيذها.
في الجوهر تشابهت الشروط، وإن اختلفت في التفاصيل. فكما طلب باول من سورية «الانسحاب من لبنان» يطالب بومبيو اليوم إيران بـ «الانسحاب من سورية»، الأمر نفسه ينطبق على العلاقة مع المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية، المطلوب أمريكياً، كان وظل وسيبقى تحييد محور المقاومة ونزع قوته وقدرته على تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة وفي مقدمتها أمن «إسرائيل».
لكنّ مياهاً كثيرة جرت في النهر خلال الأعوام الخمسة عشر، ما بين باول وبومبيو، في العام 2003 جاء كولن باول منتشياً بما حققته الولايات المتحدة في العراق، فقدم طلباته على شكل إملاءات المنتصر، وفي العام 2018 يأتي بومبيو على وقع الهزيمة التي لحقت بالمشروع الأمريكي في سورية، وإلى حد كبير في العراق، في الحالتين كانت الإجابة واحدة؛ سورية وإيران دولتان مستقلتان ذات سيادة لا تقبلان إملاءات أي قوة خارجية.
كانت نتيجة الرفض السوري للشروط الأمريكية، قيام الإدارات الأمريكية بسلسلة من الإجراءات بدأت باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري 2005، وما زالت مستمرة حتى اليوم. ورغم ما أصاب سورية من دمار وكوارث، إلا أن الإدارة الأمريكية أدركت بجلاء أن ما قاله السيد الرئيس بشار الأسد عام 2003، هو ما حدث بالضبط فسورية لم ترضخ، وخاضت الحرب وتحملت ويلاتها من دون التراجع عن موقفها قيد أنملة.
لكن، هل تفكر الولايات المتحدة باتخاذ إجراءات حقيقية ضد إيران، تشبه إلى حد ما ما فعلته مع سورية؟ وإذا كانت الإرادة السورية قد هزمت أمريكا في أوج قوتها، فهل تقدر أمريكا على شن حملة عسكرية ضد إيران في عالم اليوم؟
إن القارئ المتمعن في الشروط الأمريكية على إيران، يدرك تماماً أن أمريكا رفعت سقف مطالبها، لتحسن موقعها على أي طاولة مفاوضات مقبلة، هذا الرفع ليس موجهاً نحو إيران وحدها ولكن نحو جميع الشركاء في الاتفاق النووي 5+1، فالشروط الأول والثاني والرابع المتعلقة بقيام إيران بتطوير أسلحة نووية ومراقبة منشآتها النووية، شروط فارغة من مضمونها، باعتراف الدول الأوروبية، ومنظمة الطاقة العالمية، بل حتى التقارير الاستخبارية الأمريكية نفسها، كما أن طواقم الوكالة الدولية تزور المنشآت النووية الإيرانية بشكل منتظم، لذلك فهذه الشروط يمكن تجاوزها بسرعة، الجزء المتعلق بحماية «إسرائيل» الذي يحتل الجزء الأكبر من الشروط الأمريكية، وهو الشرط الثالث المتعلق بالصواريخ الباليستية، والخامس والسادس والسابع والعاشر والمتعلقة بوقف دعم قوى وحركات المقاومة، والانسحاب من سورية، هذه الشروط تعكس القلق الأمريكي والإسرائيلي من انتصارات الجيش العربي السوري، وتغييره لشروط الاشتباك من خلال التصدي للاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، والمبادرة إلى عمليات رد بلغت ذروتها في إسقاط طائرة ف16 إسرائيلية، وكذلك سقوط 55 صاروخاً على الجولان السوري المحتل.
الشرط الحادي عشر المتعلق بالإفراج عن المعتقلين الأمريكيين في إيران، والثاني عشر المتعلق بوقف القرصنة الإلكترونية، وضعت لتسويق الموقف الأمريكي داخلياً، حيث يبدو الموقف الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران كخطوة تحقق مصالح أمريكية داخلية.
أما بقية الشروط المتعلقة بالتعاون بين إيران و«القاعدة» فهي مجرد كليشيهات تكررها الولايات المتحدة في كل شروطها، وسبق لكولن باول نفسه أن اتهم العراق بالتعاون مع «القاعدة» بعد أحداث أيلول 2001.
إن هذه الرؤية للشروط الأمريكية على إيران، تضع هذه الشروط في مكانها المناسب بأنها ليست سوى نوع من تكتيك المساومة، بهدف تحقيق إنجازات على صعيد مشاركة الشركات الأمريكية في الكعكة الاقتصادية الإيرانية، ومشروع إعادة إعمار سورية، كما أن التشدد الأمريكي يطمح إلى إبعاد قوى المقاومة كمحور عن الحدود الجنوبية لسورية، لما يشكله ذلك من تهديد مباشر لـ «إسرائيل»، ولحلفائها الآخرين في المنطقة. فكل من أمريكا و«إسرائيل» ينظران بذعر إلى فكرة تواصل الجبهتين السورية واللبنانية، ما يسحب من يد الكيان الصهيوني ورقة استراتيجية مهمة تمثلت في ضيق الجبهة السورية وانعدام إمكانات المناورة فيها، لذلك تحاول كل من الولايات المتحدة و«إسرائيل» إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2012، حيث تشكل قوات الأمم المتحدة (الإندوف) صمام أمان في المنطقة.
لقد أظهرت إيران بدورها تشدداً موازياً في الشروط التي طرحها الإمام الخامنئي على الأوروبيين، وجاءت رداً مختصراً وقوياً على شروط بومبيو، فقد طلب من الأوروبيين التعهد بعدم مناقشة موضوع الصواريخ الباليستية والدور الإقليمي لإيران مستقبلاً، وضمان التجارة وبيع النفط الإيراني.  في لعبة شد الحبل بين إيران والولايات المتحدة، تدرك طهران أنها تمتلك الأوراق الأقوى، ليس فقط بسبب وجودها على الأرض في العراق وسورية، وتماسك تحالفاتها على مع كل قوى المقاومة، ولكن لأن المصالح الاقتصادية لأوروبا وروسيا والصين معرضة للخطر في حال اندلاع حرب إقليمية.
الأوضاع إذاً ما زالت في المكان نفسه الذي كانت عليه قبل شروط بومبيو، ومحور المقاومة مستمر في تحقيق الانتصارات، والحرب المفتوحة ما زالت احتمالاً بعيداً، وما زال مستقبلنا في أيدينا لنصنع منه معجزتنا بنضالنا وصمودنا وإيماننا بعدالة قضيتنا.

* كاتب من الأردن

صحيفة تشرين
شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023