من خطاب ما بعد (حيفا) إلى خطاب ما بعد (كاريش)…بقلم محمد الرصافي المقداد

من خطاب ما بعد (حيفا) إلى خطاب ما بعد (كاريش)…بقلم محمد الرصافي المقداد

عندما يطلّ سيد المقاومة بطلعته البهيّة، فيقينا تكون الملايين من أنصار نهجه ممن أسر قلوبهم شخصه وحكمته في انتظاره بلهفة وفارغ صبر، ونهج المقاومة أثبت بما لا يدع مجالا للشك، أنه الطريق الوحيد لتحرير الأرض، وطرد العدوّ الصهيوني الغاصب من كل شبر عليها، ففي كل ظهور له بيانات ومواقف ودلالات يستشفّ منها أنصاره جديد المنسوب، وقراءة المتوقع والمحتمل من الأحداث والأزمات بعقل بصير، وليس بمقدور أيّ أحد خارج إطار المقاومة أن يتلفّظ به، فما هو معروف أن ساسة وقادة هذا العالم ليس من عادتهم مصارحة شعوبهم، وآخر شيء يفكرون فيه هو قول الحقيقة لهم، خصوصا اذا ما كانت في غير صالحهم وغالبا ما تكون كذلك، والسّيّد الذي قاد حزبا لبنانيا مقاوما، تفانى في خدمته وأعطى كل ما عنده لبلده أوّلا، ولقضية أمّته المركزية قضية فلسطين ثانيا، حتى أنّه لم يبخل بفلذة كبده، في سبيل الإستمرار على درب التصدّي للكيان الصهيوني، ومن ورائه قوى الإستكبار الغربي وزعيمته أمريكا.

عندما تفشل مؤامرات أمريكا وحلفها المستغلّ لموارد الشعوب، تلجأ إلى المكر والخداع في مراوغة دول العالم، بعنوان الدفاع عن حقوق الإنسان، فتسلّط العقوبات الإقتصادية لتجويع الشعوب، التي سارت وراء خياراتها السياسية المعارضة للسياسة الأمريكية، حيث لم يبقى سبيل يمكن للأمريكيين سلوكه، سوى إصدار العقوبات الإقتصادية أملا في اخضاع الشعوب واسقاط الحكومات الوطنية، لتحلّ محلّها حكومات على المقاس الأمريكي عميلة للإستكبار والصهيونية، ومن بين الدول التي أجرت عليها الادارة الأمريكية عقوبات قاسية كوبا التي تخلّص شعبها من نظام باتيستا العميل لأمريكا بثورة أطاحت به، فما كان من أمريكا الا أن ضربت عل الجزيرة حصارا وسلطت عليها عقوبات قاسية منذ سنة 1959 (1) وما تزال قائمة الى اليوم.

لم تكن إيران عن تلك الاجراءات التعسفية ببعيدة، فبعد عشرين عاما من الثورة الكوبية، انتصرت ثورة الشعب الايراني الإسلامية، بقيادة مرجعها الدّيني الإمام الخميني، وتأسس على أثرها نظام حكم إسلامي، ممهّد للإمامة الإلهية المنتظرة، لخلاص شعوب العالم من زيف السياسات الوضعية الفاسدة، فلم تتوانى الادارة الأمريكية من تسليط عقوباتها على ايران، فانطبق بحق تلقيب قائد الثورة لأمريكا بأنّها الشيطان الأكبر، واستمرار العقوبات الى عامها الثالث والأربعون، والذي بلغت فيه العقوبات ذروتها دون أن تحقق شيئا مرجوّا منها، هو دليل على فشل تلك العقوبات فشلا ذريعا، ولم تجني منها أمريكا سوى الخسارة تلو الخسارة.

وبما أن لبنان بمقاومته التي حققت ما عجزت عنه دول عربية مجتمعة في مواجهة العدوّ الصهيوني، فقد أصبح بدوره عصيا على أن يسقط في مستنقع العمالة لأمريكا، والخضوع بالتطبيع للكيان الصهيوني، رغم المحاولات المتكررة وجهود عملاء الداخل، ما دفع بأمريكا إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات والعقوبات ضدّه، الأمر الذي أثّر سلبا على الحياة الاقتصادية والعامة للبلاد، زادتها مؤامرة تفجير مرفئ بيروت عمقا وضررا بليغا، وقد بلغ لبنان اليوم مستوى غير مسبوق من انهيار عملته وركود اقتصاده، ما يعطينا انطباعا بأنّ أزمات لبنان مفتعلة جميعها، والهدف منها اثارة الرأي العام على مقاومته الشريفة، والتحريض عليها كمقدّمة لتدخّل خارجي أمريكي صهيوني.

ومن أجل أن يبقى لبنان عالقا في ازمته الاقتصادية، سلطت عليه الإدارة الأمريكية عقوبات متنوعة، ولما اكتشف الكيان الصهيوني  مخزونات كبيرة من النفط والغاز بمياه لبنان الإقليمية سنة2014، (أيما يتعلق بحقل كاريش، الذي يتبع لحقل تامار، بدأت الأطماع الإسرائيلية أكثر فأكثر، لأن حقل كاريش فيه مكامن مشتركة بين الحقل الإسرائيلي والبلوكات الثلاث، التي تخص لبنان الثامن والتاسع والعاشر) (2) وجاء موقف المقاومة حازما في هذا الإطار، وتلميحات سيدها صريحة، بأنه لا مجال للتفريط بحقل (كاريش)، مهما بلغت التهديدات الصهيونية، وقوى المقاومة على استعداد تامّ لخوض حرب شرسة، من أجل سيادة لبنان على مياهه الإقليمية ومدّخراتها، ومنع الكيان الصهيوني الغاصب للأرض الفلسطينية ومدخراتها الغزية والنفطية، من أن تمتدّ أياديه الآثمة إلى حقل (كاريش) اللبناني، ويد المقاومة وحزبها المفلح طائلة وبقوّة إلى ما بعد بعد كاريش، هكذا عبّر سيّد المقاومة، وتعبيره يغني عن كل بيان، خصوصا وقد وصلت قبل ذلك رسالة المسيّرات التي أطلقها الحزب إلى المنطقة البحرية التي يحاول العدوّ الصهيوني الإستيلاء عليها، ونتذكّر جيّدا أنه خلال حرب تموز 2006 (3)قد قال وقوله صدق، أن صواريخ المقاومة ستطال حيفا وما بعد بعد (حيفا)(4)، في اشارة بليغة معبّرة، فهم منها العدوّ، أن قصد هذا القائد الشجاع الفذّ مفاعل (ديمونا) في صحراء النقب.

وفي ظل أزمة النفط والغاز المتفاقمة بعد الحرب الأوكرانية، وقرارات أمريكا وأوروبا الإستغناء عن نفط وغاز روسيا، يبدو أن العالم مقبل على حرب سيطرة على منابع النفط والغاز بدأ من لبنان، الذي عملت أمريكا على إضعافه، ببث المؤامرات والفوضى بين مكوناته، بواسطة عملائه في الدّاخل، وسوف تبوء بالفشل كما انتهت مؤامراتها من قبل على تلك النتيجة، فلبنان اليوم بمقاومته أقوى من الأمس الذي انتصر فيه، ولا استبعد إن تجاسر الكيان الصهيوني على دخول حقل كاريش ان تكون محاولته بداية النهاية التي ستختم وجوده الغير شرعي على الاراضي الفلسطينية والعربية، فهل سيحفر قبره بيده وعاقبة الطامع دائما سيئة، وما بعد بعد (كاريش) فهمها أيضا خبراء العدوّ، بأنّ المقصود منها تحرير فلسطين، تساؤلنا المشروع الآن: بأيّ خاتمة سيختم الكيان الصهيوني وجوده على الأراضي الفلسطينية، وقد اجتمع حوله رجال قلوبهم كزبر الحديد؟ ومهما طالت أعمار الغاصبين والظلمة، فإنها عادة ما تكون محكومة بنهايات درامية مفجعة لهم، ولمن تحزب لهم مساندة وتطبيعا.

المراجع

1 – الثورة الكوبية https://www.marefa.org/simplified

2 – الغاز اللبناني يسيل لعلب اسرائيل

https://www.skynewsarabia.com/middle-east/935089-

3 – معركة الحجير .. أكبر هزائم العدو الإسرائيلي في حرب تموز 2006

 https://almanar.com.lb/8577296

4 – زمن النصر

https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=21858&cid=161

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023