فأمريكا ترامب طعنت حلفاء أكثر أهمية من تركيا، مثل ألمانيا وفرنسا وكندا والمكسيك، وفرضت ضرائب بمئات المليارات على صادرات روسيا والصين، وألغت اتفاقها النووي الذي وقّعته مع إيران، وكل هذا زاد التصدع بين واشنطن من جهة والـ«ناتو» من جهة أخرى، وهذا يبشر بمرحلة مضطربة مع خروج العالم من مرحلة «ما بعد الحرب الباردة» إلى مرحلة أكثر تعقيداً، وتأتي هذه الاضطرابات في وقت تظهر فيه تحالفات إقليمية ودولية جديدة.
فالدول الأوروبية التي لطالما شكلت قلب «ناتو» وتمثل ثقله الجغرافي بدأت تعمل على إمكانية إنشاء قوة دفاعية مشتركة لأعضاء الاتحاد الأوروبي فقط، بعد التوبيخ والإذلال والتهميش وإلزامها بتنفيذ العقوبات على كل الدول التي تختلف مع واشنطن، وفي حال قام مثل هذا التنظيم العسكري سيلغي دور «ناتو» وواشنطن في القارة الأوروبية.
اليوم تحتدم الأزمة بين واشنطن وأنقرة، وفي واجهة الأزمة شيخ تركي وقس أمريكي، فلا الشيخ غولن ولا القس برانسون المشكلة، وإن كان هذا العذر المطروح في الإعلام، فالخلاف بينهما أعمق وأبعد من ذلك.
الحروب الاقتصادية التي يشعل فتيلها ترامب في عدة جبهات دفعة واحدة لن تبقي له أي صديق سوى «إسرائيل»، فهو فرض عقوبات اقتصادية على تركيا، وبدأ حصاراً خانقاً ضد إيران، وحظر التعامل على الروبل «العملة الروسية» وشدد العقوبات على كوريا الديمقراطية، وشرع بفرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية إلى بلاده قد تصل إلى /400/ مليار دولار، وأخرى على الدول الأوروبية، وبهذا السلوك العدائي يقدّم ترامب من حيث لا يدري خدمات كبيرة لأعدائه الكُثُر، ويخلق أزمات كبيرة لحلفاء بلاده، من خلال مبالغته في فرض الحصارات وخوض المعارك الاقتصادية والسياسية والعسكرية والإعلامية على أكثر من جبهة في الوقت نفسه، فإذا استمرت هذه السياسات المتعجرفة فإنه لن يجد أصدقاء له في العالم غير «إسرائيل».
في الماضي كانت الكراهية لأمريكا ترتكز على دعمها للكيان الإسرائيلي وحروبها في العراق وأفغانستان، الآن أضيفت إلى الأسباب آنفة الذكر حصاراتها وحروبها الاقتصادية التي تلحق الضرر بأقرب حلفائها قبل أعدائها.
ثورة الغضب ضد سياسات واشنطن عالمياً باتت قريبة، ونرى عواصفها العاتية تتلبد، وتحالفات جديدة بدأت تظهر، وهذا يبشر ببداية صحوة عالمية ضد الصلف والغطرسة الأمريكية وولادة أنظمة اقتصادية جديدة متكافئة ومستقلة ومتعددة الأقطاب.