هل هي الديمقراطية أم بيادق في يد البلوتوقراطية؟… بقلم: سيرين الخضراوي

هل هي الديمقراطية أم بيادق في يد البلوتوقراطية؟… بقلم: سيرين الخضراوي

كيف تحولت الديمقراطية مخدرا لتسكين آلام الشعوب؟ في ظل العولمة صار بإمكان بضعة أفراد في العالم بإمكاناتها الضخمة أنً تهيمن على مصائر الدول والشعوب كما لو كانت بيادق على رقع الشطرنج. رؤوس الأموال بزّر واحد تحدّد مصير شعب ما فيغرقونه في الديون ويرفعون نسبة البطالة من وراء حواسيبهم وأصبحت الشعوب مجرد أرقام في حواسيب بضعة أفراد وأصبحت الشعوب مسلوبة السيادة والإرادة ومنهوبة الثروات لا تملك سوى حق الكلام والضجيج لحكومات هي نفسها مسلوبة الإرادة. لم يبق أمام الجميع سوى صندوق الاقتراع فهو وحده يضرب لهم وعدا بالأمل قبل الموت. الجماهير تقف في حالة بؤس في طوابير طويلة لتضع ورقة في صندوق انتخابي على أمل ان تتغير أوضاعها ولكن… تنتهي الانتخابات وكأن شيئا لم يحدث. زدّ على ذلك ان السلاح لم يعد كافيا للدفاع عن سيادة الوطن. قلة من الأفراد تملك المال وتسيطر على التكنولوجيا والسلاح والاعلام. ليست فقط قادرة على تفقير الشعوب بل بإمكانها تحويل أوطانهم الي ساحات حرب. متى ارادت أن تجرب سلاحا جديد أو أن تتخلص من أسلحة قديمة حتى تدق طبول حرب. هكذا يُصنعُ الإرهاب وتَحوّل التفجير الإرهابي رهين إشارة هاتف جوال. لم يعد الإرهاب يمثل بلدا بعينيه بل أصبحت العناصر الإرهابية القادمة من دول متعددة بدون جنسيات. هكذا تحوّلت الأوطان الي ملجأ ومخيمات وهكذا تهجّر شعوب بأكملها في قوارب الموت.

هكذا أوهموا الشعوب بأنها هي التي تمارس الديمقراطية وتحقق سيادة. أنتهي عصر تحكم الشعوب في مصيرها وسيادة الدولة الوطنية على نفسها فقد أصبح الثالوث الاقتصادي: المنظمة الدولية للتجارة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإعمار والتنمية تضع رؤساء دول وتعولهم حسب مصالحها وتضغط على الدول الأقل نموا للإسراع في إلغاء النفقات الاجتماعية انتهى عصر الشعوب والدول وظهر عصر تحكمه الشركات العابرة للقارات. ولم تعتد مهمة الإنتاج مهمة الدولة بل أصبحت من مهام الشركات العابرة للقارات ومهمتها توفير الاستهلاك للشعوب. العولمة بقيادة الولايات المتحدة الامريكية والشركات العابرة للقارات أصبحت تمارس الهيمنة الكاملة على الدول الأقل نموا.
يقول تودوروف: “لم يعدّ الأمر يتعلق بنظام ديمقراطي بل بالأصحّ بنظام بلوتو قراطيploutocratie إذا ليس الشعب هو الذي يملك السّلطة عندئذ بل هو المال بكل بساطة”
وأصبحت سلطة الاعلام هي التي تصنع القرار من خلال ما تنشره من معلومات تشرف عليها بروباغندا. المال أصبح يشتري أكبر القنوات الإعلامية. الفرد فقد حريته أمام سلطة الرأي العام الذي تتحكم فيها سلطة المال عبر الإعلام. أصبح العالم تحت هيمنة تزاوج رهيب بين سلطة المال والتكنولوجي والاعلام والايديولوجيا.
ان ننقد وهم الديمقراطية لا يعني أننا نقف ضدّ إرادة الشعوب. فالدول المعاصرة أصبحت في ظاهرها تحت حكم النظام الديمقراطي وواقعها اللامرئي تحت حكم نظام رأس المال العابر للقارات. هكذا سحروا عيوننا وجعلونا نتصارع بين الأطراف السياسية مسلوبة الإرادة. وحتى ما يطلق عليه الرأي الشخصي هو صناعة الاعلام الذي تحركه قوى رأس المال العالمية.
أمّا الديمقراطية فنجد تيار الليبراليين الجدد يدافعون عن الديمقراطية ويعتبرونها أحسن نظام وصل اليه الانسان بما أنها حققت دولة الرفاه في حين تعاني البلدان أخرى صعوبات اقتصادية.
هذه العولمة التي لا تعترف بالحدود الجغرافية وتنحو لجعل العالم قرية صغيرة وهذا يعود إلى أن مجموعة من الدول الرأسمالية المتحكمة في الاقتصاد العالمي تشهد نموا كبيرا ومتواصلا جعلها في احتياج مستمر للبحث عن أسواق جديدة لذلك فهي تنادي برفع جميع الحواجز من اجل تسهيل العمليات التجارية. وانجر عن الثورة المعلوماتية والاتصالية تبعات سياسية واجتماعية وثقافية فهي محاولة لجعل سكان العالم مجتمعا عالميا واحدا حتى أن الموطن أصبح نتيجة التطور التكنولوجي وتوسع وسائل التواصل الاجتماعية مواطنا كونيا يتضامن مع مواطنين آخرين في قارات أخرى وأصبح المواطن يشارك في قضايا دولية من منطلق كوني. موقف الليبراليين الجدد من العولمة هو موقف مدعم ويجدون التبريرات التالية هي أن البلدان الرأسمالية نجحت في تحقيق الرفاه لمواطنيها في حين تعاني شعوب الدول الراعية من مشاكل اقتصادية كبرى. وتختصر نظرة الليبراليين للعولمة في القراءة الحتمية للتاريخ التي تتبني النهايات على رأسها أطروحة نهاية التاريخ. ولكن العولمة تنحو في اتجاه مزيد من تعميق الهوة بين الثراء الفاحش والفقر المدقع في العالم وهي المسؤولة عن استغلال الدول الكبرى للدول النامية وجعل الانسان كائنا استهلاكيا غارقا في سكرة الإعلانات. والاقتصاد يصبح في يد أقلية ويعيش الأغلبية تحت الاستغلال.
إن النقابات هي آخر الحصون المقاومة للعولمة التي تدفع بالتفريط في القطاع العام وخوصصته. إن ما يحصل اليوم من تشويه في الإعلام للاتحاد العام التونسي للشغل حصل في فرنسا وتحدث عنه بورديو في كتابه “التلفزيون والتلاعب بالعقول” عن الخطط الإعلامية لتشويه النقابات. ونفس الشيء وقع في الولايات المتحدة الامريكية وتحدث عنه تشومسكي في كتابه “هيمنة الاعلام” حيث نجحت لجنة كريل في خطة إعلامية لتحويل الشعب الأمريكي من شعب يدافع عن الترفيع في دعم النفقات الاجتماعية الي شعب يدعو الي إلغائها تماما. وفي تونس بدأت تظهر هذه البوادر، فقد نجح الاعلام في جعل الفقراء ينادون دون وعي إلى إلغاء الدعم المخصص للمواد الأساسية. في عديد المناسبات اقتنيت سيارة تاكسي ووجدت سائق التاكسي يعبر في غضب قائلا: ان سبب أزمتنا الاقتصادية هو الدعم المخصص للمواد الغذائية. فأدركت ان الحرب في تونس على أشدها وبدأ الشعب يخدر ليقود حربا تنتهي بتجويعه.
انها حرب الوعي الأخيرة اما ان ننجح في عزل الكمبردور الحاكم وتعوضيه بحزام ثلاثي من النخب الأكاديمية المناضلة وسياج من الحركات الاجتماعية المعارضة والنقابات وهذا الثالوث هو من اقتراح بيير بورديو من أجل الدفع بالمقاومة إلى الأمام.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023