وكالة الطاقة النووية والدور المشبوه…بقلم محمد الرصافي المقداد

وكالة الطاقة النووية والدور المشبوه…بقلم محمد الرصافي المقداد

 

لم تكن ايران لتتخلف عن أي اتفاق أو معاهدة أو عهد، أبرمته خلال عهدها الجديد، مع دولة من الدول، أيّا كان شأنها، كبرت تلك الدولة أو صغرت، في عالمنا الذي لا يقيم وزنا للدول قليلة الشأن صناعيا واقتصاديا وعسكريا، فهي كنظام إسلامي ملتزمة بالوفاء بعهودها وعقودها، وهذا من المتعارف عليه بشأن سياستها الخارجية، ملتزمة بإقامة العدل، وتحقيق أعلى نسبة من الإنصاف في العلاقات مع جيرانها وبقية دول العالم، بحيث لا تميل كفتها إلى جهة ما فتحيف عن الحق، فلم يُعرف عنها تخلّفٌ في التزاماتها القانونية والأخلاقية.

وفي المقابل استهدِفَت إيران بشكل مباشر، وكان الهدف منه إسقاط نظامها، وكان الإعتداء الذي تعرضت له طيلة ثماني سنوات، حربا ضروسا، تحالفت فيها الدول الغربية مع عملائها في دول الخليج، وانتهت بخسران مبين لمن خطط ودعّم وتحالف، بينما خرجت إيران رغم فقدانها الكثير من خيرة شباب ثورتها، عالية الهمة مرفوعة الرأس، ولم يقع الاعتراف بمظلوميتها الا بعد أن هاجم صدّام البعثي الكويت، طمعا في ضمها الى العراق.

يمكن القول بأن الحصار الذي تعرضت له ايران كان نعمة، فالحاجة تولّد الوسيلة، وتوق الشباب الإيراني لخدمة وطنهم لا يضاهيه شيء، فانبروا ينهلون من العلوم التطبيقية العديدة، ما فتح لهم أبواب الإبتكارات في شتى المجالات، وفي مقدمتها المجال النووي، الذي بلغت به أشواطا متقدّمة، في صناعة الطاقة والأدوية، ولم يكن لها فيه مجال عسكري أبدا، وقائدها المفدّى قد حرّم على أبنائه دخول هذا المجال القاتل للبشرية، دون تمييز بين عسكري ومدنيّ.

وبعودتنا مجددا إلى ملفها النووي، والإتفاق الحاصل بشأنه مع الدول 5+1، نستطيع أن نستجلي حقيقة، أن إيران لم تخل يوما بالتزامها تجاهه، والذي حصل واقعا، أن أول من أخل به أمريكا، فقد خرجت منه في عهد رئيسها (ترامب)، بدعوى واهية مفادها، أنه اتفاق ناقص يجب إعادة صياغته من جديد، بإدخال عناصر جديدة عليه، وهذا ما رفضته إيران بشكل قاطع، وأنّه لا سبيل لإعادة المفاوضات، مهما كان المعروض عليها من الحوافز، داعية الأطراف الممضية عليه إلى الوفاء بالتزاماتها، وأعطت الدول الغربية مهلة كافية لمراجعة مواقفها، لكن هذه الدول ماطلت مجددا، وبقيت في تعاملها السلبي مع الإتفاق، وهذا ما دفع إيران إلى تتراجع في تنفيذ بنود الإتفاق، تمهيدا للخروج منه، واتفاق بهذا المجال الحيوي لم تستفد منه إيران، حقيق بها أن تنقضه بندا بندا، كإجراءات تحذيرية لبقية الأطراف، بأن الإتفاق أصبح حبرا على ورق، وما عليها سوى الإلتزام به، وليست ايران وحدها من ستبقى ملتزمة به.

مدراء المنظمة الدولية للطاقة الذرية السابقون واللاحقون، شأنهم شأن منظماتهم مسخّرون في خدمة مصالح أمريكا والدول الغربية، التي لم تتخلى يوما عن نزعتها الإستعمارية، في الهيمنة على الدول الضعيفة اقتصاديا وعسكريا، فقد اصطفّ (رفائيل غيروسي) كما هي حال من سبقه في إدارة المنظمة الدولية، في تبنّي مواقف الدول الغربية، تشكيكا في مصداقية إيران وشفافية برنامجها، بالإدّعاء عليها بنفس دعوى الكيان الصهيوني الواهمة، بأنّ برنامجها النووي يخفي جانبا عسكريا.

لقد صرّح غاروسي خلال مؤتمر صحفي انعقد على هامش اجتماع مجلس محافظي الوكالة في فيينا: (إن الوكالة لا يمكنها القول بأن البرنامج النووي الإيراني سلمي بالكامل، داعيا طهران لتقديم توضيحات بشأن آثار يورانيوم اكتُشفت سابقا) مضيفا (مادمنا لم نحصل على توضيحات بشأن آثار اليورانيوم، نريد أن نعرف الأسباب.. هناك آثار لليورانيوم. هذا يعني وجود أجهزة نووية، أين هذه الأجهزة؟ إلى حين أن يقدموا رواية ويقدموا سببا، ويكون لدينا حوار تفاعلي معهم ونطرح أسئلتنا، لا يمكن أن نقول أي شيء).

غير أن (غروسي) تجاهل – بفعل توجيهه سياسيا – أن توقف ايران عن الإلتزام بتعهداتها، كان نتيجة عدم وفاء الأطراف الغربية بشيء من التزاماتها، لذلك، فإيران من حقها أن تتوقف بدورها عن مواصلة تطبيع بنود الاتفاق بلا مقابل، من الأطراف الغربية الأخرى، ومطالبة إيران بالوفاء بالتزاماتها من جانب واحد، خبث غربي رفضته إيران رفضا قاطعا على لسان قائدها، فلا مجال لمواصلة تنفيذ تلك البنود، مقابل عجز غربي متعمّد، بات مستجيبا لنزوات أمريكا في دحرجة الإتفاق إلى نقطة الصفر مجددا، بعد سنين طويلة من المفاوضات الغير مباشرة مع أمريكا خصوصا.

وأكد غروسي أنه لا “سياسة في هذا الأمر”، وإنما خلاصات مباشرة، مشيرا إلى أن عملية التحقق والمراقبة المتعلقة بالإتفاق النووي – المبرم مع إيران في 2015- تأثرت بوقف طهران تنفيذ التزاماتها المتعلقة بالبرنامج النووي، معربا عن أسفه لما وصفه بالاستخفاف بما تفعله إيران من تصعيد نووي، على وقع خفض محدود للتوتر بين طهران وواشنطن حسب قوله (1).

تجربة إيران مع وكالة الطاقة الذرية ومع دول الغرب، أعطتها يقينا بأنّها في مواجهة أعداء متربصين بها، ويريدون الإيقاع بها تحت مسمى القانون الدولي، الموقعون على الإتفاق النووي متأكدون من مصداقية ايران، ولكنهم يناورونها سياسيا من أجل ابتزازها.

الدفع بالملف النووي نحو المجهول، وابقائه حسب رغبة أمريكا مراوحا مكانه بلا حلّ، على أمل أن تنزل ايران عند شروط المعرقلين، محاولة أخيرة يائسة ببصمتها الصهيونية، لعلّها تأتي بفرج يزيح هواجس قائمة منذ قيام النظام الإسلامي، ببيان أهدافه المستقبلية وفي مقدمتها تحرير فلسطين، ورهن الملف النووي السلمي الإيراني، ومحاولة ربطه ببرامج أخرى، طريقة فاشلة لم تنجح مع إيران سابقا، وهي في أوج حصار تجارتها، ولن تنجح اليوم ولا مستقبلا، بعدما خرجت من تأثير العقوبات الأمريكية المسلطة عليها.

ولا اعتقد ان بقاء الملف مروحا مكانه دون تفعيل، سيكون في صالح الدول الغربية بما فيها أمريكا، خصوصا بعد أن قامت ايران بوقف تنفيذ بنود الاتفاق، وبدء مراحل جديدة من تطوير برنامجها بترفيع نسبة تخصيب اليورانيوم، كحق لها كانت تخلت عنه لصالح الاتفاق، كبادرة طمأنة منها، وهذا ما جعل غيروسي مدير وكالة الطاقة الذرية يصرّح من خلال مؤتمره الصحفي متسائلا عن آثار يورانيوم مخصب عالي الجودة، قيل أن مفتشي الوكالة عثروا عليه في موقع داخل إيران، خلاصة القول، أن وكالة الطاقة الذرية لم تتأسّس إلا لخدمة أمريكا والدول الغربية في أهدافها، من أجل إبقاء باب النادي النووي مغلقا على بقية دول العالم، وخصوصا ايران التي بلغت مستوى يؤهلها، لأن تكون في داخله فاعلة سلميا بما يفيد الإسانية، وليس سلبا بما يهدّد وجودها كما هي حال الدول الغربية مالكة ترسانات كبرى من القنابل النووية الفتاكة.

المراجع

1 – مدير وكالة الطاقة الذرية يشكك بسلمية النووي الإيراني

https://www.aljazeera.net/news/2023/9/12

 

 

 

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023