بغداد ودمشق أميرتان فلا ياسمين دمشق انحنى ولا نخل بغداد…بقلم د. رحيم هادي الشمخي

بغداد ودمشق أميرتان فلا ياسمين دمشق انحنى ولا نخل بغداد…بقلم د. رحيم هادي الشمخي

دمشق عاصمة العواصم العربية ومحط رحال العرب في ماضيهم وحاضرهم تزف البشرى لكل شرفاء الأمة بأنها خرجت كما هي مزينة بغار النصر بعد أن لقنت الغزاة في معركة الشرف والكرامة درساً بليغاً في التضحية والفداء، كما هي أختها بغداد بوابة العرب الشرقية لم يحظ الغزاة الأمريكان بعد احتلالها غير الخيبة والخسران وهم يجرون قتلاهم في شوارعها المتخمة بالغضب والبارود والكراهية للغزاة.
دمشق وبغداد منذ الأزل تحملان هموم الأمة.. فهما العاصمتان العربيتان اللتان تعيشان في قلب الحدث العربي والعالمي حضارة وموقعاً وتحدياً لكل الطغاة والغزاة مهما ادلهمت الخطوب، ما نامت بغداد إلا ودمشق قد نامت على خاصرتها محملة بالدفء والحنان، وما ضيمٌ حُل بالعراق إلا وكانت دمشق المبادرة لمسح هذا الضيم العراقي، كل شيء في دمشق يشعّ بحنان العواطف الجياشة، ولا ريب فعلى أرض سورية ولدت عروبة العرب، فهي دمشق خيمة العرب الكبرى وملاذهم الآمن أيام الشدائد والمحن، لم يذكر التاريخ يوماً أن بغداد قد عاشت في عمرها الطويل من دون دمشق، ولا دمشق عاشت من دون بغداد فهما أميرتان، ورغم الحروب التي شنها علينا الطغاة، فلا انحنى ياسمين دمشق ولا نخل بغداد، بعض يعانق بعضه، شعب واحد، منذ فجر التاريخ والحضارة صنع هذا الشعب أعظم حضارة في وادي الرافدين.
بين بغداد ودمشق شعب واحد يمتلك قدرة فائقة على صد العدوان مهما يكن نوع وجبروت هذا العدوان، ومنذ العصر السومري والبابلي والآكدي كانت مدينة (نفر) مركز التجارة بين سورية والعراق، كل الصفات والميزات الحميدة بين بغداد ودمشق واحدة في عشق الوطن والأرض والعرض ودحر الغزاة.
دمشق كلها جميلة ولعل أجمل ما فيها طهر أهلها، وثقافتهم، وألوان أطيافها الجميلة، وسرعة البدهية لدى عوامها، وشجاعة رجالها، وخضرة أشجارها، وسمو إشراقها، وحركة البلاغة والأدب في مؤسساتها، فأنت تعيش بين الماء والخضراء، أما معرفة نسائها بالمدنية فهن وارثات مملكة ماري وأغاريت والخنساء، هذا الترابط الروحي لدمشق يوصلنا بالطريقة نفسها الأقرب لوصف أختها بغداد.
هنا في بغداد كان صوت أبو جعفر المنصور مجلّلاً بالمجد التليد، وكانت موسوعة المعارف في عصر الخليفة هارون الرشيد قبلة الدنيا والعالم وما بعده ابنه المأمون الذي أصبحت بغداد في عهده منارةً للعلم والمعرفة والحضارة، ومجمعاً لطلاب العلم وكانت أجواء بغداد ساحرة بنهر دجلة الذي يقسمها إلى قسمين الكرخ والرصافة، حتى أنشد الشاعر علي بن الجهم:
عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
ومما يسرّ عشاق بغداد ودمشق أن الارتباط الحضاري في العصرين الأموي والعباسي في الثقافة والعلم كان واحداً، كل شيء في المدينتين مشابه للآخر في الجوامع والمدارس الأدبية والصحافة والتراث والساحات والشوارع والعمارة الأثرية، وحتى الإنسان الدمشقي والبغدادي واحد في تصرفاته وعاداته وتقاليده، ومن دمشق وبغداد تعلمنا مبادئ النضال والحرية في مقارعة الخطوب.
نعم.. بغداد ودمشق أميرتان، فلا ياسمين دمشق انحنى للعاصفة ولا نخل بغداد، وأريد أن أذكّر بعض عرب الجنسية الذين تخلوا عن دمشق وبغداد في أصعب الظروف وأحلكها أن هاتين الأميرتين سوف تحضران بحلتيهما العربية لكرنفال النصر القادم من دمشق وكما قال الشاعر:
ليس بين العراق والشآم حدود
هدم الله ما بنوا من حدود

 

*كاتب من العراق

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023