الحرب على كورونا والتحولات الإستراتيجية المقبلة…بقلم تحسين الحلبي  

الحرب على كورونا والتحولات الإستراتيجية المقبلة…بقلم تحسين الحلبي  

تحت عنوان «ماذا نتوقع بعد جائحة كورونا: خصائص واتجاهات جيو استراتيجية في ظل ظروف يحكمها الغموض» يرى مركز هيرتسيليا للدراسات الإستراتيجية متعددة الاتجاهات الإسرائيلي أن «التقدير السائد هو أن جائحة كورونا تُعد زلزالاً ويمكن أن ينتج عنه مرحلة تحمل العالم باتجاه جديد ونحو أشكال لا يمكن التنبؤ بها الآن».
ومع ذلك تتوقع مجلة «فورين أفيرز» الفكرية السياسية الأميركية أن مرحلة ما بعد هذه الجائحة تشبه ما وصفه المؤرخون بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بالفترة التي فقدت فيها القوتان الإمبرياليتان البريطانية والفرنسية دورهما واحتلته بدلاً منهما الولايات المتحدة في العالم.
وفي الاتجاه نفسه يتوقع مركز هيرتسيليا أن يشهد العالم في هذه الأوقات نقطة تحول في التنافس العالمي تجعل الدور الصيني يحل محل الدور الأميركي في القرن الواحد والعشرين.
وهذا ما يبدو من قدرة الصين على توظيف نجاحها في احتواء كورونا والبدء بتقديمها المساعدات والخبرة والمعدات لدول كثيرة منها الولايات المتحدة نفسها التي انتشر فيها كورونا بشكل فاق الجميع إذ ما زالت الولايات المتحدة تتخبط في جائحتها بينما أصبحت الصين أبرز القادرين على إنتاج أكبر كمية مما تستلزمه مواجهة كورونا من هذه الوسائل وبالسرعة المطلوبة نسبياً.
ويؤكد المركز على أن مرحلة العولمة الأميركية واتساع تسلطها انتهت وبدأ العالم يشق طريقه نحو ما بعد نظام العولمة الأميركية مع بداية هذا العقد الثالث لهذه الألفية.
ويتوقع المركز “أن تميل دول كثيرة في العالم إلى تقصير المسافات في مجال التبادل التجاري والاقتصادي بموجب مبدأ تنشيط الأسواق الإقليمية القريبة في هذا المجال، والحيلولة دون الاعتماد الكلي على الدور المركزي العالمي للصين أو الولايات المتحدة في الأسواق برغم الدور الكبير والواسع للصين واقتصادها العالمي والحاجة إليها”.
لكن العالم بنظر عدد من مراكز الأبحاث سيصبح «أقل انفتاحاً وحرية وسيزداد فيه التنافس والشكوك في السنوات الأولى لمرحلة التحولات الكبرى المقبلة».
وسيبدأ التحول في الاستثمار العالمي ليتجه نحو التركيز على تكنولوجيا الروبوتات والأتمتة المتطورة وتطوير الطباعة ووسائل وأجهزة التحكم بالرأي العام والجمهور، وهذا يعني أن المنافسة ستشتد حول وسائل توظيف “القوى الناعمة” بشكل خاص.
وإذا صحّت الفكرة المفترضة بتشابه ما يمكن أن يحدث في العالم في السنوات المقبلة من تحولات تشبه التحولات العالمية ما بعد العدوان الثلاثي على مصر على المستوى العالمي والإقليمي فإن التطورات المقبلة مُرشحة لتزايد التركيز على الدولة القومية عند معظم الدول لأن انهيار قوة النظام الاستعماري البريطاني والفرنسي بعد هزيمتهما في العدوان الثلاثي حملت معها اتساعاً في دور حركة التحرر القومي وبروز الدول القومية التي تحررت من الاستعمارين البريطاني والفرنسي في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات في مختلف القارات.
ويشير المركز الإسرائيلي إلى احتمال تزايد دور قوة الدول الإقليمية بعد انتهاء جائحة كورونا لأنها هي التي قادت الحرب على كورونا في بلدانها، وجرى بقيادتها التخلص من مرحلة هذه الجائحة وهذا ما سيؤدي إلى زيادة التمسك بدورها القومي على المستوى الداخلي وبدورها الإقليمي على مستوى منطقتها وتحالفاتها.
ومن البديهي تأكيد أن كل تدهور وانهيار في النظام العالمي الإمبريالي التاريخي الذي صنع الكيان الصهيوني في قلب منطقتنا والوطن العربي الكبير سيحمل معه تدهوراً في قدرة الكيان الصهيوني على استمرار احتلاله لفلسطين والجولان العربي السوري، كما أن أي نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب تتبوأ فيه الصين وروسيا الكفة الراجحة أمام القوى الكبرى الإمبريالية التي ستشهد تراجعاً واضحاً لن يكون أيضاً في مصلحة هذا الكيان، وفرصة محور المقاومة والدول العربية بشكل عام ستصبح سانحة لفرض جدول عملها ضد هذا الكيان بعد انهيار وهزيمة رعاته من قوى النظام العالمي الإمبريالي الاستعماري الذي تحكّم بالعالم في القرن الماضي ورسم حدوده ومصالحه فيه، وسيصبح عاجزاً عن حماية مصالحه بعد انهيار النظام الذي أسسه بعد حربين عالميتين لاقتسام العالم واستعباد شعوبه، فالحرب على كورونا أصبحت الحرب العالمية الثالثة التي فرضت الخسارة والهزيمة على هذه القوى الامبريالية وجردتها من التحكم بشعوب هذه الأرض ومقدراتها.

كاتب من فلسطين

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023