ثنائية المقا ومة والدولة: تراكم القوة وإشكالية بناء الدولة…بقلم د. سهام محمد

ثنائية المقا ومة والدولة: تراكم القوة وإشكالية بناء الدولة…بقلم د. سهام محمد

لقد نشأت المقاومة في ظروف أملتها حالة الضعف في البنية السياسية للدولة، فكلما عجزت مؤسسات الدولة عن القيام بوظائفها الطبيعية تحركت مؤسسات المجتمع لملء هذا الفراغ.

بالتأكيد، أنّ قضية المقاومة، بشكل عام، لها علاقة بالدولة، وهناك عدد من التجارب العالمية التي لعبت فيها المقاومة دوراً أساسياً في تحرير الدولة من الاستعمار والهيمنة الخارجية. وقد كان لهذه المقاومة دعامة أساسية في بيئتها الحاضنة التي تشكّل الدرع الواقية والمحفّز الأساسي لتحرير الأرض وتحقيق السيادة وكسب الحقوق. ثم، بعد ذلك، المساهمة في بناء الدولة الجديدة، المستقلة، صاحبة السيادة الكاملة على أراضيها.

نظرياً، الدولة لها السيطرة المطلقة والوحيدة على وسائل العنف، حسب نظرية ماكس فيبر، التي تعطيها ككيان مستقل وسيد حق استخدام القوة المشروعة قانوناً من خلال أدواتها في بسط السيطرة والنفوذ. فشرط احتكار الدولة للعنف ووسائله ليس شرطاً هامشياً لتجلّي الدولة الحديثة، بل هو شرط وجودي لا يمكن تصور الدولة والأمة من دون تحققه.

لقد نشأت المقاومة في ظروف أملتها حالة الضعف في البنية السياسية للدولة، فكلما عجزت مؤسسات الدولة عن القيام بوظائفها الطبيعية تحركت مؤسسات المجتمع لملء هذا الفراغ، ولكن وفق أجندات خاصة قد لا تتطابق بالضرورة مع الأجندة العامة التي يفترض أن تعبّر عنها الدولة.

من هذا المنطلق، ما كان يمكن للمقاومة أن تصل إلى ما وصلت إليه من قوة ونفوذ لو لم تكن هناك حاجة ماسة إلى وظائف وأدوار تكفلت المقاومة بأدائها في ظروف معينة نيابة عن “الدولة”، وبدعم قوي وواضح من بنية مجتمعية حاضنة. فمن الواضح أن هذه الوظائف والأدوار تمحورت حول التصدي لمخططات المشروع الصهيوني مثلاً في لبنان وفلسطين. في الوقت الذي تبدو فيه بنية ” الدولة” هشة إلى درجة تجعلها قابلة للانفراط عند أول منعطف، تبدو بنية المقاومة قوية ومتماسكة إلى درجة تجعلها قادرة على مواجهة أعتى المحن والتحديات.

لا شك في أن ضعف الدولة وعجزها عن القيام بمسؤولياتها الأمنية دفعا بأجيال جديدة من الشباب الأكثر ثورية وإيماناً بالمقاومة، للعمل على ملء هذا الفراغ. فمن المعروف أنّ الجيش التقليدي في كل دول المنطقة، أضعف من أن يواجه “الجيش” الإسرائيلي في حرب تقليدية.

وبالتالي، تبقى هذه الدول جميعها، عرضة للتهديدات الإسرائيلية باستمرار. وحروب السنوات الأخيرة في المنطقة، أثبتت وجود قوة ردع بأساليب حرب قديمة جديدة. فقضية سلاح المقاومة داخل إطار الدولة هي “مشكلة” غير قابلة لحل جذري إلا إذا تغيرت طبيعة الدولة في المنطقة ككلّ، لا في الدول التي تعيش هذا الوجود الثنائي للدولة والمقاومة (كلبنان) فحسب.

لم تكن المقاومة المتسبب في أزمة الدولة، إذ إنّ أزمة الدولة أعمق وأقدم من وجود المقاومة. فالمقاومة نتاج فشل الدولة وليست سبباً في هذا الفشل، وفي سياق كهذا، وإلى أن تتحوّل الكيانات القائمة إلى دول بالمعنى الحقيقي، ستظل المجتمعات العربية تفرز تنظيمات وجماعات تتحداها.

شكّل العديد من المقاومات في عالمنا العربي والإسلامي تجارب رائدة في مواجهة المستعمر والمحتلّ، ولا شكّ في أنّ التجربة الحالية في فلسطين ولبنان تشكّل أصدق مثال على ذلك. فالمقاومة في لبنان مثلاً، كانت ولا تزال رائدة في دحر الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية عن طريق الكفاح المسلح ضد قواته وعملائه من جهة، والتعايش السلمي مع مؤسسات الدولة اللبنانية، والمساهمة في مشروع بناء الدولة من جهة أخرى.

وتتجلى هذه العملية بوضوح أكثر، عندما يتم التدقيق في العلاقات التشابكية ما بين الدولة اللبنانية والمقاومة، التي أجبرت الاحتلال على الانسحاب من جنوب لبنان في سنة 2000 من دون اتفاق تعاقدي، ومن جانب واحد. فلبنان البلد الأصغر مساحة في دول المواجهة مع الكيان، والحلقة الأضعف عسكرياً، وبناءً اجتماعياً وسياسياً بسبب حالة التوتر والتنازع الطائفي الدائمة بين مختلف أطيافه ومكوّناته، يسمح لنا بفحص طبيعة العلاقة ما بين المقاومة والدولة، وكيف يمكن لجيش نظامي أن يتعايش مع حركة مقاومة من دون حصول أخطاء قاتلة من الطرفين. والبحث في أنماط العلاقة المتبادلة بين الدولة والمقاومة وتأثرها بالمتغيرات الداخلية والخارجية. إنّ مراكمة القوة لدى المقاومة ترتكز على دعامة أساسية وهي المجتمع الحاضن.

من هذا المنطلق، لا بد من تسخير القوة لحماية نواة الدولة الموجودة من انهيارات تأخذ القوة إلى استعمالات قاتلة كالصراعات والحروب الداخلية، وفي الوقت نفسه تعمل على بناء الدولة المبادرة.

التحديات التي تواجهها المقاومة: بين الاعتراف والمشروعية

من اللافت أنّ اندماج المقاومة في الدولة بعد مرحلة طويلة من التركيز على الكفاح المسلّح كأولويّة يمثل تحدياً كبيراً، خاصة في ظلّ المتغيرات السياسية والتحوّلات المتعددة. فمن التحديات الكبرى التي تواجهها المقاومة المشروعة، خاصة بعد تحرير الأرض من الاحتلال الأجنبي، وإعلانها دولة مستقلة ذات سيادة، هو استمرارية الاعتراف بدورها كفاعل مشروع وأساسي، ساهم ليس فقط في تحرير البلاد من الاستعمار، إنما لديه من تراكم القوة والخبرات ما يؤهله للمشاركة في إعادة إعمارها.

من هذا المنطلق، تعمل الدول الكبرى (القوى العالمية المهيمنة) على استخدام مشروعية الدولة لإحباط مشروعية المقاومة، على قاعدة أنّ دور هذه الأخيرة قد انتهى بعد التحرير، وأنه بات من الضروري بل من الحتمي أن تنصهر هذه القوة الفاعلة في مؤسسات الدولة، وأن تندثر كل آثار لها خارج إطار الدولة المشروعة.

من التحديات الكبرى أيضاً، التي تواجهها المقاومة هو التطابق بين بنيتها الأيديولوجية، وبين البعد الوطني لخطابها المتمثل في المشاركة السياسية والاندماج في السلطة السياسية والمشاركة في مؤسساتها الدستورية كالبرلمان والحكومة.

من هذا المنطلق، يطرح تراكم القوة الذي جمعته المقاومة بفضل سنوات من التضحيات واكتساب الخبرة العسكرية سؤالاً مهماً: كيف يمكن لهذه القوة المتراكمة أن تكون رافداً حقيقياً يساهم في بناء الدولة وإعادة ترميم بنيتها التي دمرتها الحرب؟ هل المقاومة في هذا المجال فاعل أساسي قادر على المشاركة في مشروع البناء، أم أن دورها يقتصر فقط على تحرير الأرض ودحر الاحتلال؟ من الطبيعي أن نبحث في هذا المحتوى عن الحد الفاصل بين العمل المقاوم بمفهومه العسكري وما يحققه من إنجازات وانتصارات على الأرض، وبين كيفية استثمار هذه الإنجازات لإعادة إعمار الدولة وبنائها.

لا بد من التذكير أنه في أغلب الأحيان، من يقاوم هو من يبني، أو بالحد الأدنى من يساهم في البناء، وقد شهدنا تجارب ونماذج كثيرة في العالم تؤكد ذلك، منها تجربة المقاومة الجزائرية حيث لعبت دوراً أساسياً في دحر الاستعمار الفرنسي، والمشاركة بعد ذلك في بناء الدولة المستقلة الجديدة، كما التجارب الأخرى التي لا تزال تسطّر بوجودها واستمرارها بطولات ميدانية، كما تواجه تحديات كبرى في ربط مسألة المشروعية العسكرية بمشروعية الاندماج، ولعب دور أساسي في بناء الدولة، وأبرز مثال على ذلك هو المقاومة الإسلامية في لبنان.

عندما تتكلم القوى العظمى عن الدولة، فالمقصود هنا -وفقاً لتقييمهم-الدولة الحديثة، أي دولة القانون والمؤسسات وفقاً لمرجعيتهم، تلك الدولة التي اكتملت أركان قيام كيانها السياسي قانوناً (أرض، شعب، سلطة سياسية مشروعة)، والتي يتمتع مواطنها بحقوقه وحرياته العامة.

من هنا، نستبعد تماماً من هذا الوصف الدول الخاضعة للاحتلال الأجنبي، أو تلك التي لا يزال جزء من أراضيها وحدودها وسمائها منتهكاً من قبل الاحتلال (لبنان)، فهي وإن توافرت بعض أركان وجودها القانوني لكنها تبقى منقوصة؛ لافتقار شعبها إلى الحرية، وتعرضه المستمر لانتهاك حقوقه الإنسانية، وحقوقه في أرضه وثرواته وسمائه.

أمّا المقاومة وفقاً لرؤيتهم، فقد انقسم تعريفها في اتجاهين: الاتجاه الأول أسس أنصاره مشروعية المقاومة المسلحة على مبدأ الحق في الدفاع الشرعي، وفقاً لما تقضي به المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، واتجاه ثان يربط مشروعية المقاومة بمبدأ أساسي في القانون الدولي، وهو حق الشعوب في تقرير المصير، ووفقاً للاتجاهين، تنتهي مهمة المقاومة بانتفاء شروطها، وانتهاء مبرّر وجودها.

في حالة المقاومة في لبنان، وفي مقولة عدم شرعيتها في ظلّ انسحاب العدو من الأراضي اللبنانية، يستند البعض إلى ما ورد في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. لكن، وقبل ذلك، علينا أن نتأكد من حصول انسحاب فعلي وكامل للعدو من الأراضي اللبنانية. الواقع يثبت أنه ما زالت هناك أراض لبنانية، واقعة تحت سلطة الاحتلال الصهيوني المباشر، منها قسم من مزارع شبعا، وتلال كفر شوبا، والغجر. كما لا تزال الأراضي اللبنانية رهينة احتلال الألغام التي زرعها ونشرها العدو، والتي تتسبّب بالعديد من حالات الوفاة أو الإعاقة، إضافة إلى حرمان اللبنانيين من الاستفادة منها، مع رفض العدو التعاون مع الهيئات الدولية المختصة، في إبراز خرائط الألغام بقصد الإيذاء. إضافة إلى قيام العدو بشكل دائم، باستباحة سيادة الدولة اللبنانية، عبر خرق أجوائها الجوية، وحدودها البرية، والبحرية، ومن دون أي محاسبة دولية.

إضافة إلى ذلك كله، يقوم العدو بتهديد الدولة اللبنانية بشكل دائم، بهدف إرهابها، وإخضاعها لهيمنته، وهي مخالفة صريحة لما نصت عليه المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تدعو إلى امتناع الدول في علاقاتها الدولية عن التهديد باستعمال القوة. كما يقوم العدو بالتعرّض لسيادة الدولة اللبنانية، من خلال تجنيده لشبكات من العملاء في الداخل اللبناني، تعمل على خرق مؤسساته المختلفة وتخريبها، وهذه جرائم تمسّ بأمن الدولة، ويعاقب عليها القانون بأشدّ العقوبات.

ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل يعمل العدو باستمرار لاستغلال علاقاته الدولية للتأثير في اتجاه عدم تسليح الجيش اللبناني بسلاح نوعي وازن، يردع اعتداءاته المتكرّرة وإرهابه الدائم بحق البلد.

إزاء هذا كله، ما زال قسم من لبنان يخضع للاحتلال الصهيوني المادي والمعنوي، وهو في حالة حرب مفتوحة مع هذا الكيان، تتخللها حالات وقف إطلاق نار، وبالتالي فوجود المقاومة متزامن مع وقت العدوان، وليس خارجه، ولا يتعارض مع ما نص عليه القانون الدولي، في تفسيره للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

وردّاً على الجهات الداخلية في لبنان أو الخارجية التي تعمل جاهدة على إحباط مشروعية المقاومة، يتأكد أنّ هذه الحرب المفتوحة مع العدو، ليست مرتبطة بواقع وجود المقاومة، التي يحاول البعض تحميلها مسؤولية أعمال العدو العدوانية، بل هي مرتبطة بطبيعة هذا العدو التوسعية الإجرامية منذ لحظة وجوده. لتصحيح مسار هذا الانحراف في التصوّر الواقعي المرتبط بوجود المقاومة، يتأكّد أنّ المقاومة ليست حاجة قانونية لحظة عدوان، إنما هي حاجة وجودية دائمة، لأنّ العدوان الصهيوني هو حالة عدوان دائم، لطبيعته ولأصل وجوده. كما أنّ المقاومة ليست عملاً عسكرياً فقط، إنما هي أيضاً ثقافة حياة مع طبيعة النفس البشرية.

وعليه، من الضروري الحديث عن اندماجها مع الدولة، ومحاولة الاستفادة من مخزون القوة لديها للبناء والإعمار والتأسيس للدولة القوية القادرة والعادلة.

تراكم القوة يساعد على الاندماج في الدولة

في مقاربة لتجربة المقاومة الإسلامية لحزب الله في لبنان، ونظرته إلى مفهوم الوطن والدولة والسيادة، لا بد من الانتباه الى عدّة نقاط وهي: لم يشهد التاريخ سيرة تشبه سيرة حزب الله، كحركة مقاومة تنتمي إلى بلد صغير يتخطّى حجمها تأثير البلد الذي تنتمي إليه وتنطلق منه. إننا نقف أمام تجربة فريدة تتخطى حدود الإقليم لتصبح تجربة عالمية ينبهر بها العدو قبل الصديق، وهذا مكمن القوة. أمّا النقطة الثانية، فتفيد أنّ مراكمة القوة لدى مقاومة حزب الله ترتكز على قوة حية مجاهدة، وبيئة حاضنة كانت دوماً الدعامة الأساسية، إنها قوة الشعب الذي صمد فوق أرضه وقدم التضحيات ولا يزال، من أجل بناء الدولة المستقلة العادلة.

أمّا النقطة الثالثة فتشير إلى فهم مقاربة حزب الله للوطن والدولة والتي توجب البحث في الجذور الفكرية المؤسسة لهذا الحزب، والمستندة إلى مدرسة عقائدية لها قواعدها ومبانيها وأصولها. إنها مدرسة مرتبطة بسياق تاريخي، ولها ولادتها الطبيعية من رحم بيئتها التاريخية.

من هذا المنطلق، يتفهّم حزب الله كمقاومة وكطرف فاعل على المستويين السياسي والاجتماعي، تركيبة لبنان الطائفية المبنية على أسس توافقية، وهو يعمل جاهداً على الاندماج ضمنها، وفقاً لعدة اعتبارات لها علاقة بمفهوم الوطن الجامع، أي البقعة الجغرافية المشتركة، والعلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع المقيمين على هذه البقعة، والتاريخ والتراث المشترك، والقيم والعادات والتقاليد المتقاربة، والتعايش المشترك، والدولة العادلة.

نجحت المقاومة في تحقيق المرحلة الأولى من تحرير الأرض واسترجاع الحقوق، وفي تثبيت قوتها العسكرية لحماية الحدود ومواجهة أطماع العدو في الثروات الطبيعية للبنان. وقدمت قبل ذلك، التحرير كإنجاز لبناني لاستقلال تاريخي، كان من الممكن التأسيس عليه لإعادة صوغ الأولويات الوطنية، بما فيها المساهمة في بناء دولة حقيقية مستقلة ذات سيادة على أرضها وسمائها وبحرها.

لكن المشكلة أن الدولة حينها لم تكن مستعدة ولا قادرة على استيعاب هذه القفزة النوعية، فهي غير مهيّأة، وهي لا تمتلك القدرة على استيعاب تحول بهذا المستوى، لأنها كانت غارقة حينها في الصراعات الطائفية والسياسية التي أفقدت الدولة كل مقومات القوة والقدرة على الإدارة والبناء. اللافت أن المقاومة أدركت الخلل سريعاً، فسارعت إلى تشجيع مؤسسات الدولة على تلقّف فرصة التحرير، والقيام بمهامها داخل المنطقة المحررة، واستثمار الحدث لتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، والاستفادة من تراكم القوة لدى المقاومة لحماية السيادة وسلطة القرار الحر والمستقل.

قدمت المقاومة نموذجاً أهمّ بتراكم القوة عندما ثبّتت حقوق لبنان البحرية في التفاوض حول ملف ترسيم الحدود البحرية. لقد ثبّت ملف ترسيم الحدود بتفاصيله قاعدة ثنائية المقاومة والدولة، من خلال تراكم القوة الذي حاصر وضغط على العدو وأدواته في اتجاه ترسيم الحدود في ظروف معقدة وصعبة، لم تنجح الحكومة اللبنانية ولا السلطة في مواجهتها من دون تدخل المقاومة. لقد كان ملف ترسيم الحدود البحرية الاستثمار الحقيقي لتراكم القوة لتثبيت حقوق لبنان وحمايتها. إنه الثابت الوحيد في دور المقاومة التي تبني وطناً وتحمي حقوق شعبه.

من هذا المنطلق، كرّست المقاومة مفهوماً جديداً للحماية، ارتكز على توفير مظلّة أمان للسيادة الوطنية، من خلال حماية المواطنين، وحماية الأرض، وتحصين المقدرات والثروات. كما نجحت المقاومة في إنشاء مظلّة وطنية تحفظ وجودها واستمراريتها، من خلال بيئتها الحاضنة المؤمنة بخياراتها ومشروعها الوطني.

إنّ ثنائية الدولة والمقاومة لم تكن دائماً نموذجية سواء فيما يتعلق بمبدأ المشاركة بينهما، والتعاون في تحقيق تنمية المجتمع وتطوره على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أو في جوانب المنافسة ومحاولات التضييق الرسمي التي عادة ما تكون متأثرة بالضغوط الإقليمية والدولية.

هذه العلاقة المتعددة الجوانب، تفاوتت وتذبذبت بين المشاركة والتنافس في التعاطي مع القضايا الداخلية والإقليمية في مسألة المواجهة مع الكيان الصهيوني، وبين التعامل مع المجتمع الإقليمي والدولي. تمتلك المقاومة رؤية نهضوية وإصلاحية لمشروع بناء الدولة، ولتحقيق هذه الرؤية، لا بد من تحقيق الاندماج الكامل في مؤسسات الدولة عبر مداخل متعددة، أهمها، الدخول في العملية السياسية من خلال المشاركة في الانتخابات، وفي سلطة القرار، واعتماد الصيغة السياسية والعسكرية لحماية البلد، والتي تقوم على أساس إيجاد نوع من التكامل الوظيفي ما بين الدولة والشعب والمقاومة والجيش، ما يضمن للدولة الاستقرار والحماية.

ومع ذلك، فالحديث عن ثنائية تكاملية بين الدولة والمقاومة يزعج العدو، لأنّ هذا الاندماج يربك خططه التدميرية، ويجعله يقف في مواجهة دولة- إن نجحت في تحقيق هذا الاندماج- قادرة على، ليس فقط كسره وإحباط مشاريعه التوسعية، وإنما الأهم إنهاء وجوده ككيان محتلّ.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023