كوبا تنهض في زمن الحصار…بقلم كمال جاب الله

كوبا تنهض في زمن الحصار…بقلم كمال جاب الله

في رحلتي بالطائرة من القاهرة إلى هافانا عبر مدريد، اخترت أن تكون بصحبتي نسخة إلكترونية باللغة العربية، من كتاب الأديب الكولومبي، جبرييل جارسيا ماركيز، الحائز على جائزة نوبل في الآداب، وعنوانها “كوبا في زمن الحصار”.

في الصفحة السابعة من كتاب ماركيز، بعنوان “رحلتي الأولى إلى هافانا”، أعطى الكاتب وصفًا قاتمًا لما كانت عليه الأحوال المعيشية، والسياسية والاقتصادية في كوبا، قبل خلع الديكتاتور باتيستا، وإعلان انتصار الثورة في 31 ديسمبر 1959.

يقول الروائي جارسيا ماركيز: “كان لدى أبناء جيلي من الأمريكيين اللاتينيين تصور عن هافانا بأنها “ماخور” فضائحي، وصلت فيه “البورنوجرافيا” إلى أعلى مستوياتها…”، وعذرًا قمت بحذف الوصف المؤسف الذي رواه ماركيز لما كانت عليه العاصمة الكوبية هافانا قبل نجاح ثورتها، ولكني لم أر أثرًا له – من قريب أو من بعيد – لا في زيارتي الأولى لكوبا في عام 2006، ولا حتى في زيارتي الثانية، منذ أيام قليلة.

الكاتب جبرييل جارسيا ماركيز أفرد – وببراعة مذهلة في كتابه “هافانا في زمن الحصار” – مساحات واسعة للمشهد العام، الذي عاشته –وتعيشه كوبا، في زمن الحصار الأمريكي، الجائر، الممتد إلى أكثر من 60 عامًا، بكل تفصيلاته، ومراراته.

على خطى ماركيز، حاولت في 3 مقالات سابقة، وأواصل السعي، هنا، لفهم حقيقة الأوضاع، التي مرت – وتمر – بها كوبا، وكيف حولت الثورة الكوبية “نقمة” الحصار إلى “فرصة”، للنهوض في مجالات: التعليم والصحة، والفنون، والبحث العلمي.

النهوض وحده في هذه المجالات لا يكفي لتلبية تطلعات كوبا المشروعة في تحقيق معدلات معقولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي يرنو إليها شعبها، بالرغم من توافر الموارد البشرية، والطبيعية، وتوافر الإرادة السياسية، واستقرار نظام الحكم.

مساء يوم 29 يناير الماضي، غادرت هافانا على متن طائرة ركاب عملاقة، كانت ممتلئة بالسائحين، الذين بدأت أفواجهم تتزايد بكثافة على كوبا، ومتوقع أن يصل عددهم إلى 3.5 مليون زائر في عام 2023، أي أكثر من ضعف أرقام عام 2022.

في اليوم نفسه، وقبل المغادرة، تناولت وجبة الغداء على مائدة الفنان الكوبي الشهير، خوسيه فوستر، المعروف باسم “بيكاسو الكاريبي”، وتعانقت المأكولات الكوبية مع الأطباق المصرية، بحضور سفير مصر في هافانا، ماهر العدوي، ورجال أعمال ومستثمرين، محليين من كوبا، ونظرائهم من القارة الأوروبية.

قصة “بيكاسو الكاريبي” تستحق أن تروى، لاحقًا، لما أضفاه الفنان الكوبي من لمسات فنية، ولوحات ومنحوتات خيالية، ليس فقط في معرضه الخاص وفي بيته المطل على البحر، بل امتدت لتشمل حي “جايمانيتاس” بأكمله، غرب العاصمة.

خوسيه كويرفو، 30 سنة، نجل الفنان فوستر، أبلغني، في أثناء تناول الغداء، بأنه مشغول جدًا حاليًا، بإنشاء مطعم Restaurant، بالمشاركة مع مستثمرين أجانب، لاستقبال الأعداد الهائلة من الزائرين للقرية الساحلية، ولمتحف “فوسترلانديا”.

كوبا فتحت – وتفتح – الأبواب، رسميًا وبحرص شديد، لجذب الاستثمارات الخارجية في مجالات عديدة، بهدف توفير الغذاء والخدمات، على رأسها، السياحة والصحة والزراعة والعلوم والبحث العلمي، والتكنولوجيا الحيوية، وصناعة الأدوية.

مشروع خوسيه كويرفو لإقامة مطعم خاص بات هو الشغل الشاغل للعديد من الشباب الكوبيين، وتدعم الحكومة المشروعات المماثلة، بتسهيل الإجراءات، وسن القوانين، مما انعكس إيجابًا على مظاهر الحياة الاجتماعية والاقتصادية للسكان.

وأنا في هافانا، علمت أن إحدى الشركات المصرية وقعت اتفاقات مبدئية مع جزر: باربيدوس وسانت كيتس ونيفيس، في منطقة الكاريبي، لإنشاء أسطول بحري تابع للشركة، وإنشاء مزارع سمكية ومصانع لتصنيع الأسماك والثلج والفوم والأعلاف.

تأتي هذه الخطوة بعد المشاركة المصرية القوية بمنتدى باربيدوس في شهر سبتمبر الماضي، للتقارب بين القارة الإفريقية ومنطقة الكاريبي، بما فيها كوبا، وبروز الدور المصري المحوري تحت رعاية البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير.

خلال زيارتي السابقة لكوبا في عام 2006، كانت السيارات العتيقة والمركبات القديمة المتهالكة، هي التي تشغل حيزًا أكبر في الطرقات بكوبا، تغيرت الصورة تمامًا في عام 2023، وامتلأت شوارع العاصمة، هافانا، والمدن الكوبية الأخرى – التي زرتها أو مررت بحدودها – بمختلف أنواع السيارات الحديثة، وبوسائل النقل العام الملائمة؛ مما استدعى نشر كاميرات للمراقبة، وإشارات المرور الضوئية.

وزير الاقتصاد الكوبي، أليخاندرو خيل فرنانديز، يتوقع بأن عام 2023، سوف يكون أفضل من سابقه، حيث يزيد تأمين الوقود، وتحديدًا الطاقة الكهربائية، ونمو السياحة، وزيادة الدخل من الصادرات، وزيادة المعروض من السلع والخدمات، بالرغم من صعوبات الحصول على الائتمان والمنح من المؤسسات المالية الدولية.

الأضرار التي لحقت بالجزيرة الكاريبية، خلال الأشهر الـ 14 الأولى لحكومة الرئيس الأمريكي بايدن، بلغت نحو 6.4 مليار دولار، في الوقت نفسه، ذكر أحدث تقرير عن آثار الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الأمريكي المفروض على كوبا، أن الخسائر المتراكمة على مدار 60 عامًا وصلت إلى نحو 145 مليار دولار.

القيادات الحزبية والأهلية الكوبية التي التقيتها في العاصمة، هافانا، وفي مدينة سانتا كلارا، منفتحة تمامًا على كل ما من شأنه تعزيز التنمية الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية بالجزيرة، وزيادة المعروض من السلع والخدمات، مع استمرار نموذج الاشتراكية الكوبي، وتعزيز استقلال كوبا وسيادتها، وحق تقرير المصير.

هذه التأكيدات سمعتها من جيل جديد، كوبي حاكم، ولد بعد إعلان انتصار الثورة في 31 ديسمبر عام 1959، يتقدمهم مع حفظ الألقاب: ميجيل دياز كانيل، فيرناندو جونزاليس ألورت، جيراردو هيدز نورديلو، خوان كارلوس، وفيكتور جاواتاه.

الرئيس دياز كانيل لخص الموقف الحالي في بلاده، وما تعانيه خاصة في السنوات الأخيرة، بقوله: “أنا أؤمن بموهبة الشعب الكوبي، وخاصة الشباب، ومتفائل على الرغم من المحن المتباينة، التي مررت بها خلال فترة ولايتي”.

kgaballa@ahram.org.eg

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023