حول تصريح رئيس الوزراء العراقي “العزلة وإنهيار إقتصادي مباشر” للعراق فيما إذا ما أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في بغداد

حول تصريح رئيس الوزراء العراقي “العزلة وإنهيار إقتصادي مباشر” للعراق فيما إذا ما أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في بغداد

بقلم الدكتور بهيج سكاكيني – كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني |

السيد الكاظمي رئيس الوزراء العراقي يبشرنا بأنه إذا ما أغلقت الولايات المتحدة سفارتها في بغداد فإن هذا سيؤدي الى عزلة العراق وإنهياره الاقتصادي مباشرة. أما لماذا سيحدث هذا فإن السيد الكاظمي لا يجرؤ على البوح بالاسباب هذا إذا ما كان هذا الكلام صحيحا.

وكانت ان هددت الولايات المتحدة انها ستقوم بإقفال سفارتها في بغداد والتي تعتبر أكبر سفارة أمريكية في العالم قاطبة الى جانب انسحاب قواتها او بعض من قواتها في العراق نتيجة الهجمات المتكررة على السفارة وبعض المعسكرات الامريكية في العراق من قبل فصائل المقاومة العراقية التي لم تخفي أن الهدف هو إجبار الولايات المتحدة بالانسحاب من العراق لكونها قوات محتلة.

السفارة الامريكية في بغداد هي ليست سفارة بالمعنى المتعارف عليها دبلوماسيا أو بالمقاييس الدولية المتعارف عليها. هذه السفارة التي بنيت بعد إحتلال العراق من قبل القوات الامريكية والبريطانية بنيت لتشكل بؤرة للتجسس على المنطقة برمتها كما كان الحال للسفارة الامريكية في طهران زمن حكم الشاه والتي انكشف أمرها بعد الثورة الاسلامية عام 1979 عندما إقتحمت هذه السفارة من قبل الشباب الايراني وتبينت حجم الاجهزة الاستخبارتية المتطورة التي كانت تستخدم للتجسس على الافراد والدول. الى جانب هذا فقد بنيت هذه السفارة لتكون البؤرة التي تدار منها السياسة الاستراتيجية الامريكية في المنطقة برمتها لبناء الشرق الاوسط الجديد التي بشرتنا به السيدة كوندليزا رايس التي شغلت منصب وزيرة الخارجية آنذاك وصاحبة الفوضى الخلاقة التي كان المراد من خلالها إغراق المنطقة بهذه الاستراتيجية وربما أبعد من ذلك. وتبعا للمعلومات الامركية الرسمية فإن عدد العاملين في السفارة الامريكية في العراق يبلغ 15 الف عامل. والسؤال طبعا الذي يطرح نفسه هنا لماذا هذا العدد الضخم من العاملين؟ أما المساحة التي بنيت عليها فهي تقارب مساحة 80 ملعب كرة قدم بمعنى انها تقارب في المساحة “دولة الفاتيكان” وبها كل ما تحتاجة المدينة من متطلبات وخدمات. وهناك مئات من قوات المارينز تعمل على حماية السفارة وهم مقيمون بها وجدرانها الداخلية وسورها الخارجي مبني بحيث يمكنه الصمود امام الصواريخ والسيارات المفخخة وحتى داخلها مجهز للتصدي والحماية من قنابل بيولوجية. بالمعنى البسيط هذه ليست سفارة بل قلعة عاصية على الاختراق ويمكنها الصمود والتصدي لاي هجوم او عملية تدمير ويمكن اعتبارها انها دولة داخل دولة. فهل بعد كل هذا يؤخذ التهديد الامريكي بإغلاق السفارة على محمل الجد؟

أما عن قضية إنسحاب القوات الامريكية من العراق فهذه أيضا كذبة كبرى يطلقها ترامب بين الحين والاخر كما فعل ويفعل حول إنسحاب القوات الامريكية من أفغانستان وغيرها من الدول مثل المانيا. كل ما قامت به القوات الامريكية في العراق أنها أعادت تموضع قواتها. ربما قامت بإغلاق معسكر هنا او هناك لسبب عدم توفر الحماية الكافية لهذا المعسكر ونقلت قواتها الى معسكرات اخرى لضمان حمايتها. “فليطمئن “الكاظمي فإن الولايات المتحدة لا نية لها  للانسحاب الطوعي من العراق فإن وجودها ضروري جدا لتامين المصالح الامريكية في العراق وكذلك في المنطقة وعلى رأسها حماية الكيان الصهيوني, وليس لمحاربة الارهاب كما تدعي لانها هي من جاءت بالارهاب الى المنطقة من خلال أدواتها اللذين عملوا  وما زالوا يعملون على تمويل الارهاب. والولايات المتحدة هي الضامن لأمن وسلامة قيادات الصف الاول من تنظيم داعش والنصرة القاعدية كما أثبتت التجربة لان دور هذه التنظيمات الارهابية لم ينتهي بعد وما زالت تستخدم كأدوات مرتزقة تحركها المصالح الامريكية وتركيا والادوات من منطقة الى أخرى وهو ما أسسه أمير الارهاب الامير بندر بن سلطان عندما استلم ملف الارهاب في سوريا من محمد بن جاسم القطري. وهي من ارتكبت أكبر عملة إرهابية جبانة على الاراضي العراقية عندما قتلت وبدم بارد الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس القائدين اللذين حاربا بفعالية وكفاءة عالية الارهاب في العراق والمنطقة وذلك بصواريخ اطلقت من طائرة امريكية مسيرة عند خروجهم من مطار بغداد الدولي في 3 يناير 2020. وللاسف جعلت الحكومة العراقية الامر يمر بسلام دون إتخاذ موقف حازم وصارم لهذه الجريمة النكراء ليتضح من هو الحاكم الفعلي في بغداد.

السيد الكاظمي قلق على التهديدات الامريكية ليس كما يدعي من خلال تصريحاته حول العزلة والانهيار الاقتصادي للعراق بل لانه قلق على مستقبل الطبقة السياسية الفاسدة التي يترأسها التي لا تستطيع ولن تستطيع العيش والبقاء في السلطة من دون الدعم الامريكي المستمر.

من أوصل العراق الى ما هو عليه الان يا سيادة رئيس الوزراء هو الاحتلال الامريكي المباشر للعراق عام 2003 والذي ادى الى تدمير البنية التحتية للعراق وقدراته ونهب ثرواته بأكملها والعودة به الى العصر الحجري بالمفهوم الحديث لهذا العصر. فالعراق الذي كان من أفضل دول المنطقة تقدما ومن جميع النواحي الاقتصادية والعلمية والتكنولجية والخدماتية والطبية والابحاث العلمية والزراعة والصناعة والقدرات العسكرية..الخ أصبح الان وبالرغم من ثرواته النفطية يعتمد على المعونات وقروض الصندوق الدولي والديون الخارجية ومفتقرا الى الكهرباء والماء ووسائل الاتصال وبقية الخدمات الاساسية.

من أوصل العراق الى هذا الوضع الاقتصادي المزري هي العقود الجائرة والمجحفة الامريكية وتكبيل العراق بهذه العقود التي ابرمت على زمن برايمر الذي حكم العراق بعد الغزو الامريكي. هذه  العقود والصفقات التي تمتد لعقود من الزمن مع الشركات الامريكية تحت ما سمي “بإعادة إعمار العراق”و وليس لان العراق مفتقر للقدرات والثروات والامكانيات المادية والبشرية.

من أوصل العراق لهذا الوضع الاقتصادي المتهور هو مساهمة الطبقة السياسية الفاسدة التي تربعت وما زالت تتربع على سدة الحكم التي شاركت في نهب الثروات العراقية من خلال السمسرة من العقود التي ابرمت وبمبالغ خيالية لزيادة حصصهم منها. الى جانب المعاشات الخيالية لهذه الطبقة الفاسدة هذا في الوقت الذي كان من المفترض أن يقوم العراق كدولة ومؤسسات وشعب للنهوض من أزماته.

العراق لن ينهار إقتصاديا في حالة خروج الامريكي من العراق بل على العكس ستكون فرصة ذهبية للعراقيين لادارة دولتهم على أيدي الناس الحريصين على النهوض بالعراق من جديد لكي يتبوء موقعه ومركز الطبيعي الريادي في المنطقة جنبا الى جنب مع الدول العربية الوطنية مثل الجزائر وسوريا واليمن والانحياز الى محور المقاومة بدلا من حالة التأرجح والميل للامريكي وسياساته في المنطقة.

أما قضية العزلة فعن اي عزلة تتحدث يا سيادة الرئيس فلماذا سيكون العراق معزولا دوليا فيما إذا ما أقدمت الولايات المتحدة على إغلاق سفارتها في بغداد؟  هل ما زلت تنظر على أن الولايات المتحدة هي العالم بأسره أو هي من يسيطر على هذا العالم؟ على اي كوكب تحيا يا سيادة الرئيس؟ الا تقرأ الجرائد والصحف اليومية وما تنتجه مراكز الابحاث والدراسات الاستراتيجية الامريكية والغربية من دراسات حول آفول الدور الامريكي على الساحة الدولية؟

الولايات المتحدة يا سيادة الرئيس هي المعزولة عالميا وحتى من قبل حلفائها التاريخيين الاوروبيين على وجه التحديد. الولايات المتحدة لم تعد تلك الدولة العظمى التي تستطيع ان تأمر وتطاع لا من الحلفاء أو حتى من الادوات. ولعلمك نحن هنا لا نتحدث فقط عن الدول الكبرى مثل المانيا وفرنسا وغيرها بل حتى عن كيانات سياسية صغيرة جدا. فعلى سبيل المثال هنالك جزيرة بالقرب من استرليا يفوتني تذكر اسمها الان رفضت الانصياع للادارة الامريكية بشان عدم استخدام تطبيق ج-5 الصيني. الولايات المتحدة معزولة داخل مجلس الامن الدولي حتى من حلفائها في حلف الناتو. الاتحاد الاوروبي رفض الضغوطات والتهديدات الامريكية بفرض العقوبات الاقتصادية على الدول التي تبقي علاقاتها مع إيران ولا تنسحب من الاتفاق النووي كما فعلت الادراة الامريكية. دول الاتحاد الاوروبي الموقعة على الاتفاق ماضية في التعامل مع ايران غير آبهة بالتهديدات الامريكية. لا بل وأن بعضها صرح بأنه على استعداد لفرض عقوبات مماثلة على الولايات المتحدة ردا على العقوبات الامريكية إذا ما قامت الادارة الامريكية بتنفيذ عقوباتها. والمانيا رفضت الانصياع للضغوطات والتهديدات الامريكية بشأن خط انابيب الغاز (نورد ستريم) الممتد من روسيا الى المانيا متجاوزا الاراضي الاوكرانية لامدادها مباشرة بالغاز الروسي ووجهت صفعة للادارة الامريكية بالتصريح عن طريق وزير خارجيتها أن هذا شأنا اوربيا ولا نقبل تلقي الاوامر من امريكا بما يخص أمن الطاقة الاوروبية.

وقامت إيران وفنزويلا بتحدي التهديدات والعقوبات الامريكية المفروضة من جانب واحد حيث قامت إيران بإيصال البواخر المحملة بالنفط الى فنزويلا ” المحاصر يكسر الحصار عن محاصر” ولم تتجرأ الولايات المتحدة عن تنفيذ تهديداتهاز وما زالت شحنات النفط والمواد الغذائية تصل الى فنزويلا من إيران ليومنا هذا. فماذا فعلت الولايات المتحدة؟

والحديث يطول في مجال العزلة او التهديدات بفرض العقوبات على الدول والمنظمات الدولية. وخلاصة القول بأن الولايات المتحدة هي المعزولة دوليا وخاصة ضمن هذه الادارة الامريكية إدارة ترامب التي أظهرت جوهر الولايات المتحدة على حقيقتها للملىء وللحليف والصديق قبل العدو والمتصدي والمقاوم  للغطرسة والاستكبار الامريكي.

 

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023