دَرْس عبد الرحمان الجامي لعصرنا العربي والتونسي…بقلم د. عادل بن خليفة بالكحلة

دَرْس عبد الرحمان الجامي لعصرنا العربي والتونسي…بقلم د. عادل بن خليفة بالكحلة

– كان عبد الرحمان الجامي مثقّفا ملتزمًا. لم يكن فنّه الأدبي وفنّه الموسيقي وكتبه المناقبية والحديثية، إلا رسائل لإعادة تنشية شعبه، بين إيران وآسيا الوسطى التركية والهند.

– كان من الذين رسّخوا التوجه الحِكمي- العرفاني لثقافة شعبه بغنائيته الصوفية وقصص الحيوان…

– كرّس أطروحة التدخل في الشأن السياسي بواسطة فنّ النصيحة السياسيّة، ولم يكن فيها «مشرعنا» لسلطة، بل كان مقوّما؛ لا للسلوك السياسي فحسب، بل لمستقبل المَسَار السياسي لشعبه؛ وكان فيها مستقلا. فلم يتكسّب لدى الحاكمين الذين «نصحهم»، بل أوجَد بنصّه النصِيحيّ سلطة أخرى، بدأت تتبلور معه، هي سلطة المثقّف العرفاني/ الفقيه شبْه الموازية للسلطة السياسيّة، لتصبح موازيةً فعْلاً وقانونيّا بالعهد الصفوي، ثمّ فعلا وبمشروعية ثورية بموجب الثورة الدستورية سنة 1906. فهو الذي بدأ مراكمةَ مشروعية سلطة المثقّف العرفاني/ الفقيه.

– أكّد وظيفة المثقّف الأخلاقية، فكان جلّ شعره وجلّ إنتاجه في النصيحة الأخلاقية (لإبنه، للجميع، للمريدين..). وقد تجسّد ذلك حتى في انتقاءاته الحديثيّة (كتاب: الأربعون حديثا). وقد واصل في ذلك الشارحون العِرفانيون للحديث (الفيلسوفة نُصرت أمين، الحكيم روح الله الموسوي، مرتضى مطهّري..).

– أكّد أهميّة الموسيقى وتربية شعبه وأمته الإسلاميّة فكتب «رسالة الموسيقى»، لا في فنّها حَصْرا، بل أساسًا كمُلهمه جلال الدين الرومي (راجعي كتابي: الفن والاجتماع في عالَم الإسلام).

– أكّد كثيرًا أطروحة «الحريّة» و«المشيئة» وضررة تحرير العبيد، بل تحرير الشعوب من الاستبداد:

«بَدَا في خيمةٍ عبدٌ صغيرٌ

جميل، وجهه البَدْر المنير

بريء، مثقل بالقيد، طاوٍ،

لثقل القيد فوق الأرض ثاوٍ»

 

فتدخّل الشيخ الصوفي وطالَبَ المستعبِدِ بفَكِّ أسر العبد قائلا:

فلَستُ بآكِل هذا الطعامَا

إلى أنْ تُبْلغَ العَبْد المَرَامَا

– هل إن إيران المعاصرة، التي تَحتفي بجلال الدين الرومي وعبد الرحمان الجامي وفريد الدين العَطّار «السنيّين» إيران «شيعية» بالمعنى الطائفي- العصبي؟! هذا مستحيل، لأنّها تجعل هؤلاء خالقي إبِسْتِيمِيّتِها، وفخرها. وقد كان مؤسّسها المعاصر (روح الله الموسوي) هو نفسه شاعر/ حكيم عِرفاني، ولا يمكن فهم تجربته الفكرية والسّياسيّة والعائليّة (وحتى عشقه لزوجته) خارج هذا السياق الخالِقيّ. فينبغي أن نعيد فهمنا لها، نحن العرب، وإلا فسنبقى نتعامل معها ونحن لا نتعامل معها، بل مع وهْمنا الإسقاطي/ الأنُومي (anomique).

– لا وجود اليوم في تونس والعالم العربي (ما بَعْد 14 جانفي) لحالة أداب ملتزم وفن موسيقي ملتزم، إلا هامشًا صغيرًا. وعلينا أن نستفيد من درس الجاميّ، فلا تغيير بدون ظهور «المثقف الملتزم .

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023