في الكيان الصهيوني تساؤلات عن مدى قدرته على البقاء…بقلم تحسين الحلبي 

في الكيان الصهيوني تساؤلات عن مدى قدرته على البقاء…بقلم تحسين الحلبي 

اعتادت آلة الكيان الصهيوني الإعلامية منذ عام 1948 ترويج أكاذيب كثيرة موجهة للعرب وللرأي العام العالمي ومن بينها أن الحركة الصهيونية ومنظماتها الإرهابية المسلحة هي التي «حررت فلسطين من البريطانيين ومن الفلسطينيين!”، رغم أن العالم كله يعرف بموجب وثائق التاريخ أن بريطانيا هي التي أسست نواة هذه الحركة الصهيونية منذ عام 1841 إلى أن وصل الأمر لوعد بلفور المشؤوم وتسليم الجيش البريطاني المنظمات المسلحة الصهيونية فلسطين عام 1947.
والكذبة الثانية أن هذه المنظمات هزمت في حرب عام 1948 «13 دولة عربية»؟! علماً أن الحقيقة وكتب التاريخ الرسمية في العالم كله سجلت أن جميع الدول العربية في عام 1948 كانت تحت حكم الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي باستثناء دولتين استقلتا عام 1946 هما سورية ولبنان.
وها هو الكيان الصهيوني بعد مرور 72 عاماً يتداول المفكرون والسياسيون فيه علناً ويتباحثون في مسألة «هل تبقى إسرائيل أو تتجه نحو الزوال»؟
وكان من بين هؤلاء هيرش غودمان من طاقم الدراسات الإستراتيجية في معهد أبحاث “الأمن القومي” (INSS آي إن إس إس) في الكيان الصهيوني وهو أحد الباحثين في معهد واشنطن للدراسات السياسية للشرق الأوسط وحاول الإجابة على هذه المسألة بكتاب صدر له عام 2011 بعنوان مثير هو «تشريح مسألة بقاء إسرائيل» ويعترف فيه بأن «هذه المسالة أصبحت تحتل صدى كبيراً بين الإسرائيليين ومن يدعمهم ومن يختلف معهم منذ فترة طويلة». ويضيف غودمان: «الخوف والذعر أصبحا قاسماً مشتركاً عند الجميع وأن أكثر من يتمتع بحرية التصرف والعمل هو المؤسسات العسكرية وهذا ما جعل الجنرالات هنا نجوماً لامعة مع كل مؤسسات المخابرات لأن الحروب هنا لا تتوقف».
وفي الاتجاه نفسه أصدر البروفيسور في علم الاجتماع في تل أبيب أوري بن أليعيزر في عام 2019 كتاباً بعنوان «حرب بدلاً من السلام .. مئة عام من الحرب على إسرائيل» يعترف فيه بأن «الحرب على المستوطنين لم تتوقف طوال مئة عام» ويؤكد أن هذا الكيان «فريد من نوعه في العالم وفي التاريخ فلا دولة تمكنت من فرض احتلال مباشر مستمر طوال 72 عاماً على الآخرين في هذا الزمن المعاصر».
وهو يقر بلغته أيضاً أن كيانه لم يشهد سلاماً مع الذين يسيطر عليهم باحتلاله في داخل الأراضي المحتلة ولا مع الشعوب المجاورة، وأن كل ما تحقق هو “سلام” دبلوماسي نسبي مع بعض الحكام من دون شعوبهم. وهذه الحقيقة تثبت أن جميع الظواهر الاستعمارية والاستيطانية لا يطول بقاؤها لأنها ضد حركة التاريخ وضد طبيعة الجسم الذي اخترقته بهدف الحلول محله وتغيير خصائصه التي نشأ وعاش بها تاريخاً طويلاً ترسخت فيه جيلاً بعد جيل وولدت قيمها وثقافتها.
وفي منطقتنا هذه لن يكون بمقدور هذا الكيان الذي لا يستطيع المحافظة على بقائه من ذاته، بل من دعم دول كبرى استعمارية تتولى حماية وجوده الغاصب في منطقة لا تقبل كل شعوبها ببقائه، وخاصة الشعب الفلسطيني الذي استهدفته هذه القوى الاستعمارية وبقي متمسكاً بحقوقه الوطنية وفي ترابه الوطني وأصبح عدد أفراده داخل الأراضي المحتلة نفسها يزيد على عدد المستوطنين المغتصبين ومن دون أن يتوقف كفاح هذا الشعب من الداخل ومن الخارج مدعوماً بشعوب المنطقة والقوى التي تقف معها ضد هذا الكيان وما يمثله.

وفي هذا الكفاح فرضت المقاومة هزائم صارخة بوضوحها ضد جيش الاحتلال فلم يكن كل “قادة” الكيان منذ عام 1948 يتصورون في حساباتهم أن لبنان الصغير بمساحته وعدد سكانه ستتمكن المقاومة التي تأسست فيه بدعم سوري شامل ومباشر من هزيمة هذا الكيان مرتين بين عام 2000 وعام 2006.. وأن قطاع غزة سيفرض هزيمة على جيش الاحتلال عام 2005 ويجبره على الفرار بقواته ومستوطنيه من القطاع، والكل يدرك أن عجز الكيان الصهيوني عن ترحيل الفلسطينيين بكافة أشكال القوة الغاشمة وتمسكهم بالبقاء رغم كل الضغوط والاعتقال والحصار هو انتصار للمقاومة وهزيمة لجيش الاحتلال وهذا ما جعل كل “قادة” هذا الجيش يدركون أن القوة العسكرية التي تبنيها لهم واشنطن وحلفاؤها لم تحقق للمستوطنين أي «سلام» فالحرب على جيش الاحتلال ما تزال قائمة من الداخل أو عبر الحدود حتى لو صمتت بعض مدافعها في هذه المنطقة أو تلك. وهذا ما حذر منه المفكر الصهيوني أليعازار شفايد عام 1997 بمناسبة مرور مئة عام على انعقاد أول مؤتمر صهيوني عام 1897 حين قال في حديثه عن حرب تشرين 1973: “لقد شعر الشبان الجنود أنهم لوحدهم فجاءتهم الصدمة من هذه الحرب وتزعزعت ثقتهم بالمشروع الصهيوني فاكتشفوا أن اليهودي الآمن هو الذي يعيش في دول العالم وليس هنا وفي هذه المنطقة وفي مثل هذه الحروب”.
وآلة الإعلام الصهيوني تسعى دوماً إلى منعنا من رؤية مجمل صورته بل جانب منها فقط .
كاتب من فلسطين

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023