في مُدخلات الانتخابات التشريعية التّونسية ومُخرجاتها: أسئلة موضوعية واستفزازات ذاتية

في مُدخلات الانتخابات التشريعية التّونسية ومُخرجاتها: أسئلة موضوعية واستفزازات ذاتية

بقلم د.مصباح الشيباني |
منذ انطلاق فرز أصوات النّاخبين، وقبل الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية الأخيرة، بدأت تطرح عديد من الأسئلة والاستفزازات سواء من قبل الأفراد والأحزاب والكتل التي فازت بعدد من المقاعد أو الأحزاب والأشخاص الذين أخفقوا فيها. وهذه الأسئلة كلها مشروعة ومقبولة من حيث الشّكل نظرا إلى حداثة التجربة الانتخابية “الحرّة” و”العامّة” و”المباشرة” و”السريّة” التي حفظناها منذ كنا صغارا من خلال برامجنا التعليمية، ولكن لم تُتح لنا الفرصة أن نعاينها ونمارسها في واقعنا التونسي قبل 2011، لذلك مازلنا غير مؤهّلين من النّاحية النفسية والقانونية أن نتمثّل شروط هذه “العمليّة السّياسية” ونؤمّنها بكل شفافية ونزاهة نتيجة عديد الاعتبارات والاكراهات الموضوعية التي تحتاج إلى الكتابة فيها.
لهذا، سوف أكتفي بالإشارة إلى بعض النّقاط المهمّة وهي:
قبل الحديث عمّا أفرزته صناديق الاقتراع يعترضنا السؤال المحوري التّالي: هل تتوفر في تونس شروط الانتخابات الموضوعية ومدخلاتها ( المادية والبشرية والإعلامية) التي تضمن مبدأ التكافؤ في الفرص بين المترشحين حتى تكون نزيهة ومخرجاتها معبّرة عن آراء النّاس أم لا؟ وهل يستوي الذّين يملكون جميع ذخائر الدّعاية والتّعبئة الانتخابية مع الذين يفتقدون إلى الحدّ الأدنى منها حتى لتأمين مصافحة جمهورهم؟
1ــ لا أعتقد أن هناك اثنان صادقان متابعان للعملية الانتخابية منذ انتخابات أكتوبر 2011 يختلفان حول عدم توفر هذه الشروط الجوهرية أو المدخلات بين مختلف المترشحين سواء كانوا أفرادا مستقلين أو أحزابا، وهذا الأمر سوف يؤثر بالضّرورة ، مثلما أثر في نتائج الانتخابات السّابقة(2011 و2014)، وفي طبيعة مخرجاتها التي لم تكن يوما ذات صدقية في التعبير عن أغلبية آراء النّاخبين وانتظاراتهم.
2ــ عندما نعود إلى مدوّنة تاريخ الثورات السّياسية في العالم، نجد أن الانتخابات كانت دائما تمثّل إحدى الكوابح (les freins) التي تعطّل تحقيق أهداف الثورة أو توقفها تماما مثلما وقع في تونس في انتخابات “المجلس التأسيسي” لعام2011، لأنها قامت بوأدها وهي مازالت في مرحلة المهد، وقبل أن تنجز أولى مراحلها في هدم أسس النظام السّياسي القديم، فكانت بالنسبة إلينا انتخابات “المجلس التأسيسي” لا تتعدّى في توصيفها مستوى آلية في “التّرميم السّياسي” للنّظام السّابق وخيانة للحراك الثوري باسم “الانتقال الديمقراطي”.
3ـ من خلال رصدنا لبعض الوقائع والأحداث التي عاشتها تونس خلال الأشهر الماضية، لا حظنا بعض الممارسات التي تنبؤ بالعمل على توجيه الرأي العام في الإنتخابات الرئاسية والتشريعية. ومن بين هذه الأحداث أذكر مثالين إثنين: الأول يتمثل في إعداد “موائد الإفطار” في شهر رمضان وتقديم “الإعانات المدرسية” بمناسبة العودة المدرسية من قبل الحزبين الفائزين في المرتبة الأولى والثانية في هذه الانتخابات. والمثال الثاني، لقد لاحظنا وسجلنا ووثّقنا عملية تجميع لصور بطاقات التعريف للشّيوخ وكبار السنّ في مراكز البريد منذ شهر مارس الماضي، والتي تمّت باسم بيع بطاقات الهواتف النّقالة من قبل ممثّلي احدى شركات الاتّصال الخاصّة، وكذلك عمليات تجميع لصور ( نسخ) للعاملات في بعض المناطق الصناعية بدعوى تقديم إعانات لهن. كما نشير إلى أنّ ما حدث أثناء الحملة الانتخابية وبعدها، وما لاحظنا من عديد التّجاوزات ( الخشنة والنّاعمة) التي أثّرت بشكل مباشر سواء في التوزيعية النهائية للأصوات أو في خارطتها الحزبية. لهذا، ينبغي على “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات” أن تتابعها وتتّخذ في شأنها ما ينص عليه القانون الانتخابي قبل الإعلان النّهائي عن النّتائج.
ألا تندرج هذه العمليات ضمن الحملات الإنتخابية السّابقة لأوانها، والأنشطة السياسية اللاّأخلاقية التي تستهدف شراء أصوات المواطنين الفقراء والمحتاجين واستعبادهم أم أنّها تعتبر عمليات عابرة ويجب أن نغمض أعيننا عنها وكأن شيئا لم يكن. ألا تعتبر هذه العمليات إحدى “مدخلات العملية الإنتخابية” التي توافقت معها مخرجاتها، والتي أثّرت سلبا في جوهرها ونزاهتها مهما كان الفائزون فيها؟
لم أكن يوما من المراهنين كثيرا على نتائجها أو ممّن استفزّتهم هذه النّتائج من الناّحية الشّخصية، لأنني أأمن أنّ الشروط الدّنيا للانتخابات الديمقراطية ومناخاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية مازالت غير متوفّرة في بلادنا كما في أكثر الدّول ديمقراطية في العالم. فالعملية الانتخابية في شكلها الليبرالي الحالي ليست سوى لعبة تخضع إلى محدّدات (مدخلات) “ما قبل” بناء الدولة ( الغنيمة والقبيلة والعقيدة) التي ذكرها المفكر المغربي محمد عابد الجابري في كتابه “العقل السّياسي العربي” و”ما بعدها” نتيجة فقدان هذه الدّولة سيادتها لصالح المنظمات الدولية واللّوبيات المالية العالمية التي أصبحت تتدخّل في وضع سياساتها الداخلية وتتحكّم في إدارة مؤسسّاتها. ولكن كلّ من رضي بقانون هذه اللّعبة ومعاييرها ولو كانت سيّئة و”مسِخة” ينبغي عليه أن يحترم نتائجها.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023