قرية “SOS” قمرت للأطفال.. شُحٌ في الموارد، مشاريعٌ في انتظار الدّعم.. والوزارة تتدخّل..

قرية “SOS” قمرت للأطفال.. شُحٌ في الموارد، مشاريعٌ في انتظار الدّعم.. والوزارة تتدخّل..

يتواصل سعي “الجمعية التّونسية لقرى SOS”إلى البحث عن حلول مادية لمجابهة واقع شُحِّ الموارد، ودراسة بعث مشاريع خاصة بها تُمكن قراها الأربعَ (قمرت وسليانة والمحرس وأكّودة) من مواصلة عملها واستقبال الأطفال فاقدي السند ورعايتهم، ويأتي ذلك بعد تقليص “الفيدرالية الدولية لقرى الأطفال SOS” العالمية تمويلها في تونس منذ ثلاث سنواتٍ إلى 15% فقط من إجمالي ميزانيتها بعد أن كانت توفر 80% من الميزانية التي تغطي احتياجات الجمعية التّونسية، لتتجه الجمعية للبحث عن موارد تغطي نفقاتها.

وقد شدّد مسؤولو الجمعية التونسية بمناسبة زيارة أداها فريق “مراسلون” منتصف مارس الماضيإلى قرية أطفال SOS قمرت؛ على حجم الرهان المالي في برامج عملهم لضمان أداء مهام الجمعية لفائدة نحو 2500 طفلٍ وشابٍ ترعاهم في أربع قرًى وصلب عدد من العائلات التي يتعرض فيها الأطفال إلى تهديدات جدّية.

قرى الجمعية ..أرقام ومؤشرات

4 قرى للأطفال في تونس: قرية قمرت- تونس (تأسست في 1983) تضمّ 13 منزلًا(5 منها شاغرة تحتاج الترميم)، قرية سليانة (تأسست في 1984) تضم 12 منزلًا، قريةالمحرس-صفاقس (تأسست في 2001) تضمّ 13 منزلًا، وقرية أكودة-سوسة (تأسست في 2010) تضم 14 منزلًا، وكل منزل يضمّ بين 3إلى 8 أطفال، يكونون من الجنسين من أجل خلق التّوازن.
تكفل القرى في المجموع قرابة 2500 من لأطفال والشباب الفاقدين للسندالعائلي.

في حديثه إلى “مراسلون” أوضح خليل خليل؛ مدير قرية أطفال SOS قمرت التي تكْفلُ وتتعهدُ وحدها بـ571 طفلًا وتنفذ برامج إدماج وإحاطة وسندٍ في الوقت الذي تعاني وضعًا ماليًا صعبًا، بقوله: “الموارد دون شكٍ ومع قرار المنظمة العالمية بتقليص ما تقدمه بسبب الأزمة العالمية في السنوات الماضية دفعتنا إلى بحث حلول بديلة والوصول إلى داعمين جدد خاصة أن ميزانية الجمعية التّونسية هي مجموع دعم المنظمة الدّولية لقرى الأطفال SOS، بواقع 15%، و13 % من وزارة الإشراف (وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السّن)، فيما تتأتى النسبة المتبقية من إجمالي الميزانية من المانحين والداعمين بعضهم دائمون واستراتيجيون، وآخرونّ يُزوّدُون الجمعية حسب ما يتوفر لهم من امكانيات”.

وأضاف “خليل” بأن عددًا من الأصدقاء يساعدون ويقدمون الدعم لقرى الأطفال التّونسية في مناسبات محددة كالعودة المدرسية الأخيرة التي كان فيها لسفارة دولة كوريا الجنوبية الفضل في توفير كل ما يحتاجه أطفال قرية قمرت من تجهيزات مدرسية ومواد مكتبية من الطراز الأول”.

برامج قيد التّنفيذ وأخرى رؤًى مستقبلية
استحقاقات مالية كبيرة تتطلبها إدارات القرى التي تدعم الأطفال فاقدي السند العائلي والمعرضين للخطر (الأيتام والمهجورون والمحرومون)، لتنفيذ برامج رعاية وإدماج مختلفة، حيث تستقبل القرية الأطفال بحكم قضائي لمن تتراوح أعمارهم بين ثلاث إلى ست سنوات بالتساوي بين الجنسين لتحقيق التّوازن. ويتوزع الأطفال في قرية “قمرت”وفقا لبرنامج الإدماج العائلي على ثمانية منازل من ثلاثة عشر منزلًا، بواقع 44 طفلًا، ما بين 3 إلى 6 أطفال في كل منزل تحضُنهم الأمُ لثلاثة أسابيع متتالية، وتعوّضها “الخالة” في الأسبوع الرابع من كل شهر (راحة للأم).

إضافة إلى الرعاية صلب المنازل، تضطلع القرية بإنجاز برنامج آخر يهم الأطفال المهددين الذين تقع العناية بهم في أسرهم من خلال دعم هذه الأسر، وهو ما يتم تنفيذه والعمل عليه من قبل إدارة قرية قمرت وبقية القرى في الجهات القريبة منها.

ووفق برنامج الرعاية بقرية “قمرت” الذي يقوم على نظام المنازل العائلية، تتواصل إقامة عائلات الأطفال إلى سن الرابعة عشرة قبل أن يتم نقلهم إلى مبيتات خارجية، مبيتٌ واحدٌ للذكور وثلاثةٌ للإناث خارج القرية مع مواصلة المرافقة، حيث يتغير دور الأم والخالة داخل القرية ليحل محلّه المؤطر المهني؛ أو الأستاذ المُساند الذي يعيش رفقة الأطفال أكثر من 14 سنة ويتابع مسارهم الدراسي كأن الأمر داخل عائلة نمطية، وفق تصريح منير الخترشي المتصرف المالي لقرية أطفال SOS قمرت.

كما تنضم إلى الأطفال في المبيتات الخارجية، المساعدة الصحية، التي تقوم بالتنظيف والطبخ وكل ما يحتاجه البيت (بالنسبة للذكور) بحسب ما أكده مدير القرية وموظفوها وعدد من الأمهات الحاضنات في حديثهم لـ”مراسلون”.

وتواصل إدارة القرى مرافقة ودعم الأطفال حتى بعد تجاوزهم سن الثامنة عشرة، حيث يتم العمل على برنامج متابعة ويحمل اسم “برنامج الاندماج من تجاوزوا 18 سنة”، وعبره يتحصل الشبان في هذا السن على منحة شهرية (450 دينار) حتى يتمكنوا من الكراء وتغطية مصاريفهم وبداية البحث عن عمل وبناء حياة مستقلة.

ممثل المنظمة العالمية يوضح

من جهته وفي حديثه لـ”مراسلون” قال المغربي إلياس أرقدال، المسؤول عن البرامج والممثل الإقليمي لـ”الفيدرالية الدولية لقرى الأطفال SOS” التي تضم 23 بلدًا و138 جمعية محلية عبر العالم، وقد صادف أن كان في زيارة لقرية قمرت، إن “قرار تقليص الدعم للجمعية التّونسية لقرى SOS، لا يعني التخلي عن هذه القرى بل لتشجيعها على بعث مشاريع خاصة بها ستكون موردها الرئيسي في المستقبل، حيث كانت مصاريف إحدى القرى 4 مليون دينار مقابل مداخيل لا تتعدى 1 مليون دينار”.

وأشار “أرقدال” إلى أن “تونس تتميز عن بلدان أخرى بوجود قانون يؤطر عمل القرى وينظمها، أما البرامج فيتم العمل عليها في كل البلدان لتوفير الدعم الأسري والإحاطة بالأطفال، لكن بقرار من المنظمة العالمية أردنا دفع القائمين على الجمعيات في عدد من الدول إلى تطوير مواردها وبعث مشاريع لتحسين طرق الدعم”، ما يستنتج منه أن الفيدرالية الدولية لقرى الأطفال ترى بأن تونس قادرة على التّعويل على مواردها الخاصة مقارنة بجمعيات من بلدان فقيرة لها أولوية الدعم في تقديرها.

مداخيل القرى.. من أين تتأتى؟

وأفاد أشرف السعيدي المدير الوطني لـ”الجمعية التّونسية لقرى س و س”، أنّ “الميزانية السنوية للقرى بعنوان السنة الحالية 2023 تقدر بحوالي 12.5 مليون دينار؛ تتأتى 2.5 مليون دينار منها من سلطة الإشراف (وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن)، كما أن 1 مليون دينار ترصد من كفلاء دوليين، وبذلك يتبقى علينا العمل على توفير 9 ملايين دينار للميزانية السنوية أساسا عبر جمع التبرعات”.

وبحسب ما جاء في الورقة الإعلامية التي قدمتها الجمعية نهاية شهر مارس، بمناسبة تنظيم قافلة إعلامية جابت القرى الأربع بمشاركة عدد من الصحافيين، فإن الجمعية تحتاج إلى توفيرأربعة ملايين دينار لتنفيذ مشروع إعادة بناء “قرية الأطفال SOS سليانة” المتضررة منازلها بسبب انزلاقات أرضية، ومشروعٌ ثانٍ لترميم المنازل العائلية ببقية القرى.

كما أن تحسين نوعية الخدمات المسداة وتوفير كل ضمانات الحماية للأطفال المقيمين بمنازل القرى الأربع، من بين الأهداف المراد تحقيقها؛ كالترفيع في طاقة الإيواء في القرى بالنظر إلى الحاجيات المتزايدة من الوضعيات التي تتطلب الإيواء خاصة في المناطق النائية مثل منطقتي “العلا” بولاية القيروان وحاسي الفريد بولاية القصرين اللتين أدرجتهما الجمعية مؤخرا في تدخلاتها بعنوان برنامج دعم الأسرة.

وعن كيفية التمكن من الحصول على هذا المبلغ قال “السعيدي”، إن “الأمر بات تحديًا لكن في كل مناسبة ننجح في رفعه بوجود ثقة كبيرة من التونسيين في برامج عملنا ونتائج اجتهاد كل العاملين في قرى أطفال تونس.. طيبة التونسيين وتكافلهم يوصلانا في كل مناسبة إلى تحصيل الموارد المطلوبة لإكمال الميزانية”.

أما عن برامج التطوير وتحصيل الموارد أكد قائلا: “الجمعية تُطور كل أعمالها، وتوجهنا إلى مجال “الديجيتال” للوصول إلى أكبر عدد من الداعمين، وبتنا نعمل بشكل كبير على موقعنا على الانترنت وعلى آليات -الدعم على الخطّ-، فضلا عن وجود تطبيقة يمكن لأي تونسي استعمالها ودعم جمعية قرى SOS تونس، بطريقة بسيطة وفعالة، على غرار آلية التبرع بواسطة خدمة “RunPay” وتطبيقة الخصم الآلي على الهاتف الشخصي “SOSVE”، والتبرع بواسطة البريد التونسي عبر تطبيقة “D17”.

كما أن ديوان الافتاء التّونسي ومنذ 2019 أقرّ ترخيصًا يجيز تحصيل الزكاة وجمع والتبرعات عبر الإرساليات القصيرة على الرقم 85510، التي تكون معفاة من ضرائب مشغلي الهاتف وتكون جزءًا مُهمًا من مداخيل القرى في كل سنة.

دعم لوجستي محدود من السّلط المحلية

أما عن دور السلطات المحلية (البلدية والولاية) في توفير الدعم أشار “السعيدي” إلى أن الأمر في الحقيقة لا يتجاوز الدعم اللّوجستيمتى نظمت (الجمعية) حملة، أو في تقديم خدمات محددة، إضافة إلى تمكينها من كل ما يمكن أن يفيدها من محجوزات الشرطة البلدية، لذلك يعمل القائمون على القرى على تطوير برامج لخلق موارد دعم في الفترة المقبلة.
ومن بين المشاريع الجاري العمل على تطبيقها لتوفير دعم مالي، تنتظر إدارة القرية الحصول على ترخيص من بلدية المرسى لتأهيل ملعبي كرة قدم مصغرة خاصين؛ سيكونان مشروعًا مهمًا لتوفير دعم مالي للقرية.

وفي اتصال بعضو من المجلس البلدي المنحل لبلدية المرسى، تحفظ على ذكر اسمه، أكدّ لـ”مراسلون”، أن “الدعم التقني واللّوجستي هو ما يمكن أن تقدمه البلديات، وبالنسبة للحصول على تصريح فإن الأمر لن يستغرق كثيرًا والاجراءات يمكن أن تكون أسرع بطلب المسؤولين عن القرية ورغبتهم في التّقدم في انجاز المشروع المذكور(ملعبان لكرة القدم المصغرة)”.
وأشار المصدر نفسه إلى أن “البلدية لا يمكن أن تتأخر في دعم القرية ومشاريعها، وهذه خدمات يمكن أن تكون أكبر، إن حرص مسؤولو القرية على مزيد التّواصل مع البلدية ووضعهم كشريك تقني يسهل الكثير من الصعوبات ويسرع أي إجراء تطلبه القرية والعائلات فيها التي تبقى خدمتها أولوية مجتمعية مهمة”، وفق قوله.
ورغم محاولات الاتصال بمسؤول رسمي من بلدية تونس العاصمة إلا أنه وبعد حل المجالس البلدية بقرار رئاسي، تعذر الحصول على تصريح رسمي واعتذر أكثر من مسؤول عملنا على تضمين كلمتهم في هذا المقال.

بورصة تونس ووزارة الإشراف يؤمنان الدعم

حلّ جزء من إشكال غياب الدعم وقلة الموارد جاء في الخامس من شهر أفريل الحالي عندما أشرفت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السّن، السيدة آمال بالحاج موسى على توقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين مؤسسة “البورصة” و”الجمعية التونسية لقرى الأطفال SOS” اتفاقية وقعها السيّد بلال سحنون المدير العام لبورصة تونس والسيّد محمد مقديش، رئيس الجمعيّة التونسيّة لقرى الأطفال. وستكون هذه الاتفاقية سارية لثلاث سنوات قابلة للتجديد.

ودعت الوزيرة، لدى إشرافها على الدورة الأولى لبورصة تونس حول “الاستثمار في مستقبل الأطفال فاقدي السند العائلي “، التي ستنتظم سنويًا المؤسسات الاقتصادية إلى تحمل مسؤوليّتها المجتمعية إزاء الطفولة الفاقدة للسند.

كما شددت أمال بالحاج موسى لدى إمضاء وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في فيفري الماضي اتفاقية شراكة مع الجمعية على “دور الدولة الاجتماعي في التعهّد بالأطفال فاقدي السند من خلال دعم جهود الإعاشة والرعاية والحماية لفائدة أطفال قرى SOS، بكلّ من قمرت وسليانة والمحرس وأكودة.

وتمّ بمقتضى هذه الاتفاقية، الترفيع في قيمة الدعم المالي المسند للجمعية التونسية لقرى الأطفال SOS ليبلغ 7.5 ملايين دينار (بمعدل 2.5 مليون دينار في السنة) خلال السنوات الثلاث القادمة، في انتظار تطوير أكبر للجمعية لمواردها ووضع مشاريعها الخاصة التي يمكن اعتمادها بشكل أساسي لتمويل ميزانية في السنوات المقبلة.

بقلم: علاء حمّودي

The post قرية “SOS” قمرت للأطفال.. شُحٌ في الموارد، مشاريعٌ في انتظار الدّعم.. والوزارة تتدخّل.. first appeared on المصدر تونس.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023