ليبيا: هل توحّد الموارد المالية الوفيرة ما فرّقته السياسة؟

ليبيا: هل توحّد الموارد المالية الوفيرة ما فرّقته السياسة؟

“يلوح أمل في الأفق بعد فترة صعبة ومضطربة”، هكذا تحدث مصطفى أبو بريدة بنبرة واقعية وأخرى افتراضية. يمتلك أبو ريدة متجرا في العاصمة الليبية طرابلس، وفي مقابلة مع دي دبليو، أقر بأنّ هذا الأمل يملأ وجدانه رغم استمرار التحديات، مضيفا “هناك مشاكل مثل التضخم وانخفاض قيمة العملة وزيادة التكاليف. وبالطبع تحسن الأمور سوف يستغرق الكثير من الوقت، لكن هناك تغييرات إيجابية وأعتقد أن كل هذا يساهم في تحسين وضع الليبيين من أمثالي”.

مصطفى أبو بريدة ليس الليبي الوحيد، الذي بات مفعما بالأمل، إذ يشاركه كثيرون ذلك الأمر، ومنهم خديجة البوري، إحدى سكان طرابلس والتي تعمل في التمريض وتبلغ من العمر 26 عاما. وقالت خديجة: “أنا قلقة من أن القتال يمكن أن يبدأ مرة أخرى وهناك حالة من عدم اليقين والضبابية، لكن يحدوني الأمل في تحسن الوضع. وأعتقد أن ما نراه الآن يرفع بالفعل معنويات الليبيين والليبيات”.

دولة منقسمة

ومنذ عام 2014، تئن ليبيا تحت وطأة انقسام واقتتال داخلي وتناحر سياسي مع وجود حكومتين متعارضتين في شرق البلاد وغربها، حيث توجد حكومة الوحدة الوطنية، المدعومة من الأمم المتحدة والمعُترف بها دوليا في طرابلس بغرب ليبيا، في حين تقع حكومة أخرى مدعومة من مجلس النواب في طبرق شرق البلاد.

وتحظى الحكومتان بدعم من ميليشيات محلية وقوى إقليمية وأجنبية، بيد أنه بعد سنوات من القتال وزعزعة الاستقرار، هدأت وتيرة القتال بين طرفي الأزمة إلى حد ما. ورغم ذلك، فإن الوضع الاقتصادي المتأزم يحظى بكل الاهتمام من قبل الليبيين.

وتأتي الأزمة الاقتصادية رغم أن ليبيا تمتلك أكبر مخزون نفطي في أفريقيا وحققت 22 مليار دولار في العام الماضي 2022 من عائدات النفط مع ارتفاع الأسعار جراء الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث قفزت أسعار النفط من حوالي 41 دولارًا للبرميل في المتوسط خلال عام 2020، إلى ما يقترب من 100 دولار للبرميل العام الماضي 2022، وفقا لبيانات منظمة أوبك.

وقد أشار البنك الدولي إلى أن هذا الأمر صب في صالح ميزانية الدولة الليبية حيث باتت زاخرة بالأموال عام 2022 فيما يتوقع صندوق النقد الدولي أن ليبيا ستكون “الأسرع نمواً بين اقتصادات الدول العربية مع توقعات بأن تحقق نمواً بنسبة 17.9 في المئة عام 2023”.

وذكر التقرير أن ليبيا ستحقق معدل نمو كبيرا مع ارتفاع المؤشرات الإيجابية في كل النواحي الاقتصادية لتتجاوز الإمارات والسعودية وسلطنة عمان، وهي من أكثر الاقتصاديات استقرارا في المنطقة.

ولكن هل كل هذه الأخبار الاقتصادية الجيدة لها في الواقع أي تأثير ذي مغزى على حياة الليبيين العاديين؟

“تحسن الوضع”

بدورها، رأت كلوديا غازيني، كبيرة المحللين في الشأن الليبي في “مجموعة الأزمات الدولية”، أن هناك طفرة في إنشاء بُنى تحتية في مدن مثل طرابلس وبنغازي، مضيفة “لقد قمت بزيارة طرابلس مؤخرا ورصدت وجود حدائق وطرق جديدة وهناك مراكز تسوق مدهشة”.

وفي مقابلة مع دي دبليو، أضافت أن هذا الأمر “يُرضي بشكل عام الكثير من الليبيين العاديين. يمكن سماع سكان طرابلس وهم يتحدثون عن أن حياتهم اليومية أصبحت أفضل بكثير مما كان عليه الوضع قبل عامين. لذا فإن سكان المدن الكبرى يشعرون بتأثير هذا النشاط الاقتصادي الأخير على حياتهم”.

لكن الخبيرة في الشأن الليبي قالت إن ثمار النمو الاقتصادي الحالي تصب في صالح النخبة “لأنهم هم الذين يوزعون عقود البناء والأموال النقدية، مضيفة: “لذا فإن التوقعات بأن دفعة الاقتصاد سوف تصب في صالح الليبيين العاديين خاصة الفئات الفقيرة، ما زالت بعيدة المنال”.

وقالت إنه “من السهل رؤية مبانٍ رائعة في طرابلس وبنغازي وحتى في مصراتة، لكن ماذا عن الليبيين الذين يعيشون في المدن الصغيرة والمناطق الجبلية والصحراوية؟”.

وعلى وقع ذلك، قال جلال حرشاوي، المتخصص في الشأن الليبي والزميل المشارك في “المعهد الملكي للخدمات المتحدة”، إن “خلاصة القول يتمثل في أن ليبيا لم يكن بمقدورها أن تتطلع إلى ظروف أفضل من تلك التي شهدتها في عام 2022 وحتى الآن في عام 2023”.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023