ليكن رمضاننا إبتداء من هذه السنة يمنيّا…بقلم محمد الرصافي المقداد

ليكن رمضاننا إبتداء من هذه السنة يمنيّا…بقلم محمد الرصافي المقداد

الصوم كما ورد في الأثر جُنّةٌ من النّار، وهو وقّاية من غضب العزيز الجبّار، جاء ترتيبه في التشريع بعد الصلاة، ليس لقلّة ميزانه في باب الثواب على أدائه، ولكن لترتيبه في الأمر الإلهي النازل على نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، وما جاء في ثواب الصوم، ما يكفي دلالة على أنه عمل عباديّ، للقائم به جليل الفوائد الدنيوية والأخروية، أما الفوائد الدنيوية فقد ذكرها علماء طبّ الأبدان، من كون الصوم علاج لأمراض عديدة، ووقاية من أمراض أخرى، قد تصيب الأبدان التي لا ترى للصوم مكانا في حياتها، وأما الفوائد الأخروية، وهي الأجلّ والأزكى والأبقى أثرا، ولا أحد بإمكانه أن يقيّمها، ويعطيها ما اختصه الله في علم غيبه من الأجر للصائم (عن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم هو له غير الصيام هو لي وأنا أجزى به والصيام جنة العبد المؤمن يوم القيامة كما يقي أحدكم سلاحه)(1)، فليهنأ الصّائمون بصيامهم، وليصبروا أنفسهم وسط عالم لم يعد له ارتباط بالعالم الأخروي، إلا يضرب من الذّكرى البعيدة التي لا تكاد الذّاكرة تتبيّنها.

الغاية من صيام شهر رمضان؟

بلا شك فإنّ لكل فريضة إلهية غاية، تريد من وراءها الحصول على مبتغاها، فالصّلاة غايتها بلوغ المخلوق درجة العبودية، فيحفظ قدره الذي قدّره له خالقه، فلا يقع فريسة وساوس عدوّه الشيطان، الذي يعمل على إخراجه من طوره الخلقي، كما نجح في إخراج أبويه من قبلُ، أما الصوم فهدفه تربوي تطبيقي، أساسه تهذيب النفس، وحملها على ما تكره من ترك المباحات، مقابل ما ينتظرها من جزاء أخروي مؤجّل، ولهذا العمل العبادي العظيم الشأن، غاية تذكّر الأنفس الأخرى، التي تلاقي في حياتها عسرا في كسب العيش، وتحتاج إلى من يواسيها في قطع تلك الحياة ويسندها عليها، بنفسية العبد الذي عرّفه ربّه طريق خدمة غيره، وهو في حقيقة الأمر خادم لنفسه، وليس المتاجر مع الله كالمتاجر مع الناس.

وقد جاء عن الإمام جعفر بن محمد الصادق أستاذ فقهاء المذاهب قوله في علّة الصوم، وقوله هذا كسائر أقواله بأن حديثه مسند إلى أبيه وجدّه إلى آبائه الحسين وعلي بن ابي طالب عليهما السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم(2)

قال عليه السلام: (العلة في الصيام ليستوي به الفقير والغنى، ذلك لان الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير، لأن الغنيّ كلما أراد شيئا قدر عليه، فأراد الله أن يسوّى بين خلقه، وأن يُذيق الغنيّ مس الجوع، وإلا لم يَرِقّ على الضعيف ويرحم الجائع(  (3)

الصيام غاية تربوية كما ذكرت، تهدف إلى تجريد النّفس كل ما هو ماديّ لتصفو روحه من خلاله، وترتقي من عالم الكثافة المادية إلى عالم الكثافة المعنوية، ومن المأسورين بالمادّة إلى مقامات الخارجين عنها المفارقين لها، بالقدر الذي تتحقق فيه صفاء أرواحهم، فلا يتأثرون بأي نقص يعتريهم فيه، خفافا لا ثقل عليهم يمنعهم عن حسن أداء أي واجب أو مستحبّ مطلوب منهم، وتخلّص المسلم من عالمه المادي إلى عالم أرقى يريده الله بلوغه،  في حياتها فقط بالغذاء تدفع بالصائم إلى النظر عند أدائه واجب الصيام، لمن هم دونه من إخوته في الإيمان، وأهل خلقته من سائر النّاس، والعمل على قضاء ما أمكن له من حاجاتهم التي يفتقدونها، وهو قادر عليها مدفوعا بالدرجة الأولى بآداب وأخلاق الدين، لتفريج كرب المحتاجين من الفقراء والمساكين، بلا فرق بين المتعفّفين منهم، والبارزين بفقرهم، السّائلين حاجاتهم دون حرج منهم.

ويا ليت صومنا هذه السنة وكل سنة، يكون لصيقا باليمن وأهله المظلومين، حتى يتخلّص الشعب اليمني من ظلم إخوانه في الدين، قبل ظلم أعدائه الصهاينة والمستكبرين، بل لقد بدا تحالف العدوان أشدّ عليه من هؤلاء الأعداء المذكورين، وهذا ما يفرض علينا الوقوف بحزم، لمناصرة حقه في تقرير مصيره، دون تدخل من أحد شقيقا كان مزوّرا أم عدوّا مغوّرا(4).

صوم هذا العام بمشاعر يمانية، ولا أعتقد أنكم في منأى عن مشاهدات معاناة الشعب اليمني، فما فاق المعيشة المتردّية للفرد، فهو لا يملك قوت يومه، وهذا منتهى البؤس في تصنيف الفقر، فضلا عن الحصار المقيت، الذي شلّ جميع الحركات الملاحية البحرية والجوية، وحرم اليمنيين من ضرورياتهم التي لا يمكنهم العيش بدونها، وهذا الشعب الأبيّ قد قضى سنوات عصيبة تحت الحصار قد غصب عليه أعداؤه لإخضاعه صوما قسريا من كل شيء تقريبا، من أجل أن يخضع لإرادة تحالف خرج من دينه، وأصرّ على أن ينفّذ مخططا غربيا للسيطرة على اليمن، لموقعها الاستراتيجي في باب المندب.

فكيف نقبل كمسلمين أن يجوع اليمن بين أهله؟ وقد قال النبي: ( ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه.) (5) وما حصل ولا يزال مستمرّا على أهلنا اليمن، عدوان لم يترك جريمة إلا ارتكبها بحق هؤلاء الأشقاء، الذين تلزمنا لهم واجبات لم نفي بجزء منها، وفينا من يقدر على مد يد العون، لكنه قد لا يجد طريقا إلى ذلك، فهلّا تكاتفت جهودنا، لتشكل في اجتماعها قوة وامكانات نواسي بها شعبا شقيقا أنتهك، بحيث لم يعد هنالك مجال آخر بإمكان قوى تحال العدوان أن ترتكبه بحقه فقصرت عنه.

رمضان نصرة الجماهير العربية والاسلامية للشعب اليمني يجب أن يبدأ من هذه السّنة وعلى كل قادر أن يقدّم ما بإمكانه تقديمه أن يبادر، ففي المبادرة تعبير صادق، كثر أو قلّ مقدارها، ومن خلال هذا التحشيد المادّي والمعنوي تظهر مَلَكات الإيمان، وليت شعوبنا تستفيق من دجل الاعلام الفاسد المشوّه للحقائق، وتلتفت إلى ما يجب عليها القيام به بمحض إرادتها، خصوصا وحكوماتها غارقة في سياسات عمياء صمّاء بخصوص اليمن، لم تنطق بخير أبدا، ولا يزال حبل تواطؤها مع قوى العدوان ( النظامين السعودي والإماراتي) متواصلا.

رمضاننا هذه السنة يماني نصرة لليمن وأهلها الأحرار الأبرار، دعاؤنا بالنصر لهم سيكون لهم في المقام الأول، وما في المقدور القيام به من دعم ماديّ ومعنوي من شأنه أن يرجح كفة الحق اليمني المثقلة في الجانب الآخر بأكاذيب أعدائه، وذلك من صميم الإيمان.

المراجع

1 – بحار الأنوار المجلسي ج 93ص 249 / جامع أحاديث البخاري كتاب التوحيد ج9ص157ح7538

1 – حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، و حديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله قول الله عز وجل. بحار الأنوار العلامة المجلسي ج2ص179

2 – علل الشرائع الشيخ الصدوق ج 1 ص294

4 – عدوّا مغوّرا يعني مهزوما

5 – مستدرك الحاكم النيسابوري ج4 ص167

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023