ما هكذا يكون ردّ الجميل يا عراق…بقلم بقلم محمد الرصافي المقداد

ما هكذا يكون ردّ الجميل يا عراق…بقلم بقلم محمد الرصافي المقداد

إن من أجلى مظاهر مكارم الأخلاق شكر النعم، وهو من الأدبيات الدّنيا للمنعَم على المنعِم، على المستوى الانساني البسيط، المجرّد من كمال القيم ورفعة مكارم الاخلاق، والانسان في حدّه القيمي الأدنى المتوقّع منه، شاكرا لمن ينعم عليه، ولما جاء الاسلام بمبادئه، ظهر في صورته النبوية الرائعة، عالي المضامين، رفيعا الى المستوى الذي وصف فيه الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، بأنه على خلق عظيم، وكانت بعثته كلها تجسيدا للأخلاق الرفيعة، واستكمالا لمكارمها، لتكون للناس نموذجا ومقياسا.
شكر النعمة لمن أسداها، لا يجب أن يحجب النطق بها، أو ظهورها علنا من طرف المنعم عليه شيء، وهي أدنى تعابير الامتنان، الذي يجب أن يقال بحق صاحبها، ومن دون ذلك، يصبح المنعم عليه جاحدا للنعمة وقليل مروءة.
أما التنكّر للمنعم فمن الرذائل التي يعرف بها خبثاء البطائن وقرناء السوء وتبّع الشيطان، من ذوي الأصول الساقطة في وحل اللؤم وخباثة الأصل، والمقابلون الحسنة بالسيئة والنعمة بالنقمة، من الهمج الذين قال بحقهم المولى سبحانه وتعالى: ” أم تحسب أنّ اكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا.” سورة الفرقان الآية 44
ما ظهر لنا في لبنان والعراق، من تهافت عناصر لبنانية وعراقية، تجنّدت في شكل تجمعات جماهيرية ومطلبية، من أجل تشويه ايران والمقاومة الاسلامية، واتهامها بأنها سبب مشاكلهم الداخلية، يؤكد لنا عدم براءة تلك التجمعات فيما دعت إليه كذبا، ورفعت شعاراته بهتانا وإفكا مبينا، لا عفوية في تنظيمها وانطلاقها، وتزامنها في البلدين العربيين، يغلّب فرضية وقوف اعداء ايران والمقاومة، والبلدين العراقي واللبناني معا، وراء اقامتها والحثّ عليها ودعمها ماليا واعلاميا، بما يمكنها من الاستمرار وبلوغ الهدف منها، وغير خاف على ذوي الألباب، ان الهدف هو فرض قطيعة شعبية مع ايران، يتبعه نزع سلاح المقاومة، هدف يتيم يسعى اليه اعداء شرفاء الأمة رافعي راية عزتها ( ايران والمقاومة الاسلامية)، وهما أمريكا والكيان الصهيوني، وعملاؤهم في البلدين والمنطقة.
الدّعوة الى نزع سلاح المقاومة بدأ بلبنان، وانتهت عدواه الخبيثة الى العراق، ولئن باءت دعواته وحركاته بالفشل الذريع في لبنان، بسبب ان حزب الله اللبناني، نجح في تشكيل حاضنة شعبية قوية جدا ثابتة تحيط به، اجتهدت القوى الداخلية العميلة المعادية له في أن تنجح في مؤامرات نزع سلاحه فلم تتمكن، من تحقيق شيء يستحق الذكر، بإمكانه نزع سلاح من حرر الأرض وحمى العرض، ومن ثمّ فسح المجال أمام الأعداء – أمريكا واسرائيل -لتصفية قادة المقاومة، وتفكيك تنظيمها، بعد استنفاد الطرق الرسمية والدبلوماسية، بالتهديد والترغيب، ولم يبقى من سبيل لمحاولة بلوغ الغاية، سوى استغلال اي فرصة، تتاح للمتربصين بالمقاومة، فكان الحراك المطلبي الشعبي، الذي اتخذ منه عملاء لبنان مطيّة لركوبه، والدعوة من خلاله مجددا للمطالبة بنزع سلاح المقاومة.
أما بالنسبة للعراق، فإن حاضنة الحشد الشعبي قد بدت ضعيفة جدا، لم تتمكن من حمايته، وهو الذي تملك شرعية دينية وقانونية كبيرة، بفضل فتوى المرجعية في تأسيسه، مع ما ملكه من رصيد نضالي كبير ومشرّف جدا، مكنه من كسر شوكة داعش، وإنهاء سيطرتها على المحافظات الغربية، بعدما بسط ارهابها سيطرته عليها بسرعة، بتأمر وتورط من أهالي تلك المناطق، وقد كانت قاب قوسين أو ادنى من دخول بغداد، حشد اعتمد قانونيا بعد ذلك، ليكون رافدا للجيش العراقي، وسندا لقواه العسكرية في الدفاع عن استقلال العراق وحرمة اراضيه، من اي معتد تحدثه نفسه المساس بأمنه.
العراقيون المنتفضون على اوضاعهم المعيشية، لم يرعوا أيّ حرمة لهؤلاء الوطنيين وتضحياتهم، فداسوا عليها بتصرفات غريبة فاجأت العالم، وكشفت هشاشة حصانة قواعدهم الشعبية وسهولة التلاعب بها، وتحويلها من اطارها الايجابي المشروع، الى اطار مغاير تماما، برهن على أن الحراك الشعبي في العراق، ركبته قوى داخلية وخارجية، لا تريد له استقرارا ولا علاجا لمطالبه الاستحقاقية، وإنما انصبّ جلّ همّها على اطلاق شعارات معادية لإيران، ومحاولة الاعتداء على بعثاتها الدبلوماسية.
إيران ليست ضحية اليوم، فيما رميت به من دعايات مغرضة، وهي إن كانت تتوقع من اعدائها أكبر مما اقترفوه بحقها، فمحتاطة لكل مؤامرات الغرب والصهيونية، ومتحصّنة من ابواب فتنته التي فتحها عليها، بفضل وعي شعبها وفطنة قادتها، وقد تمكنت من احباطها جميعا والخروج منها اقوى في كل مرة.
ماذا لو طالبت ايران الاسلامية الآن باستخلاص تعويضات الحرب العدوانية، التي شنها عليه العراقيون زمن صدّام؟ فكيف سيكون حال هؤلاء  الذين ينادون ايران بره بره؟ ولماذا يسكت هؤلاء البله على وجود القوات الامريكية، وانتهاك القوات التركية لشمال اراضيه كل مرة، دون أن يرافع لهم صوت تنديد؟ ولماذا يحاولون الصاق فساد ساستهم بإيران، مع أنها من أشدّ الدول محاربة للفساد، ولا مهادنة لها مع اصحابه؟ أعتقد ان الاجابة يفتقدها هؤلاء الأشقياء.
حماقة الفئة الضالة والمغرر بها من الشعب العراقي، اعمته عن واقعه لتذهب به بعيدا عنه، فتنسب فساد ساسته الى ايران، كأنما هي التي انتخبتهم واعطتهم حقّ التلاعب بمستقبله، ودفعت شرذمة منهم، الى الاساءة الى معلّقات رموز الثورة الاسلامية في ايران، وفي مقدمتها صور الامام الخميني، وشهداء العراق، وهي أعمال خسيسة دلّت بوضوح، على أنها مدفوعة الأجر، من طرف قوى أجنبيّة خارجية، نفذتها بأيد أحفاد فلول حزب البعث المنحل، وتبّع أهل الضلال كاتباع الصّرخي والكويطع.
وفيما عبّر يحي السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اليوم عن شكره لإيران الاسلامية، على ما قدمته للمقاومة الفلسطينية من أموال واسلحة وخبرات، عبر شرذمة من العراقيين في نفس اليوم، عن وضاعة أصل وخسة ولؤم كبيرين تجاه ايران، وما قدمته من أجل المساهمة في انقاذ العراق من داعش، وإن كان دأب ايران منذ انتصار ثورتها، تقديم العون والمساعدة لمظلومي الأمة في مواجهة ظالميهم، رغم كل الظروف الصعبة التي مرت بها سابقا وتمر بها اليوم فلم تغيّر من استراتيجيّتها، وبقيت على عهد قائد ثورتها متحمّلة أعباء ذلك الخيار النّبيل.
إيران سلمان المحمّدي، وايران الامام الخميني، بشارة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، دائبة في مسيرتها نحو العزة، والتمهيد لصاحب العصر والزمان، الامام المهدي عجّل الله ظهوره المبارك، والعراق بفلوله الفتنويّة، ماض في طريق الخضوع لقوى الاستكبار وتنفيذ رغباتهم، أولئك بانضباطهم وكرمهم، وهؤلاء بلؤمهم وتنكّرهم، وكلّ إناء بما فيه ينضح .

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023