مثلما جمعنا النبي في حياته سيجمعنا في ذكرى مولده…بقلم محمد الرصافي المقداد

مثلما جمعنا النبي في حياته سيجمعنا في ذكرى مولده…بقلم محمد الرصافي المقداد

 

 

 

يعتبر الإمام الخميني رضوان الله عليه رائد الإصلاح في عصرنا هذا، هاله وضع الأمّة الإسلامية، ما صلته من هوان وضعف، وضعف استغلال أعدائها لها أبشع استغلال، عمل بحرقة على التقريب بين مكونات الأمة الإسلامية، بادر من كل قلبه مخلصا لله تعالى فيما عزم عليه، من سعي لتحقيق ألفة إسلامية دائمة بين طوائفها، معتبرا في خطاباته التي كان يلقيها على شعبه أن الوحدة الإسلامية بين الشيعة والسنة أمر واجب دينيا وضروري دنيويا، أمام تحالفات دنيوية قامت بين دول جمعتها المصالح فقط، وبالنظر إلى حال الأمّة الإسلامية، يمكن القول أنه لا يمكن أن تتقدم أمة وهي مفككة العرى ممزقة الأوصال، يتلاعب بمصائرها الأعداء وهي تعتبرهم أصدقاء.

 

من بين المناسبات التي اعتبرها الإمام الخميني فرصة متاحة للتقريب وتوحيد الأمة الإسلامية، ذكرى مولد النبي صلى الله عليه واله، والذي دوّنه حفاظ الفريقين بتاريخين قريبين من بعضهما، 12و17ربيع الأول، تولّدت له منها فكرة جعل التاريخين أسبوعا للوحدة الإسلامية، يدعو فيه علماء وخطباء المنابر إلى زيارة إيران في وضعها الإسلامي، والمشاركة في مؤتمر أئمة الجمعة والجماعة، يتباحثون فيه أسباب تخلفهم عن دينهم، وتقاعسهم عن واجباتهم، في أن تنصهر شعوبهم جميعها في الأمة الواحدة، التي دعا الله إليها في محكم كتابه العزيز.

 

من بين كلمات وبيانات الإمام الخميني رضوان الله عليه بشأن وحدة الصفّ الإسلامي، ما يستشفّ منه تقاعس الدول الإسلامية عن أداء واجباتها تجاه دينها، وعدم سعيها لتحقيق أبسط مقوّم وحدة، تمشّيا مع رغبات الغرب: (إن كثيراً من حكومات البلدان الإسلامية – ونتيجة للانهزام النفسي أو لعمالتها – تنفذ المخططات الخيانية، والرغبات المشؤومة الاستعمارية المعادية للإسلام، والتي تهدف إلى ترسيخ هذه الأوضاع المأساوية للمجتمع الإسلامي، والى تسليط “إسرائيل” على أرواح وأموال وأراضي الأمة الإسلامية .. لو اجتمعت هذه القدرة أي قدرة المائة مليون عربي، فإن أمريكا لن تستطيع أن تفعل شيء)(1).

 

ومن جانب آخر، فقد وضع إصبعه على بيت الداء، الذي استغله أعداء الإسلام أسوأ استغلال، ليعمّقوا به هوّة الفرقة بين السنة والشيعة، بدس مثيري الفتنة من الفريقين، وفي هذا الصدد قال رضوان الله عليه: (يجب أن يحترز الأخوة السنة والشيعة عن أي اختلاف.. إن اختلافنا اليوم هو فقط لصالح أولئك الذين لا يعتقدون بالمذهب الشيعي، ولا بالمذهب الحنفي، ولا بسائر الفرق الأخرى. إنهم يريدون أن لا يكون هذا ولا ذاك، ويعتقدون أن سبيل السيطرة على المسلمين، هو في زرع الفرقة بيننا وبينكم) (2)

 

هذا الواجب في استنهاض شعوب الأمّة الإسلامية، دعا إلى الضرورة تأسيس مجمع عالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية(3)، بعد أن نجحت فكرة عقد مؤتمرات أئمة الجمعة والجماعة، ووجب تطويرها لتكون مؤسسة علمية، تضطلع بتقديم ما يلزم لتركيز مشروع الوحدة، عملا بالمبدأ الذي جاءت به الآية الكريمة: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (4) فكان التأسيس سنة 1990 بتوجيه وإشراف مباشر من خلفه الولي الفقيه الإمام الخامنئي، وظهر المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بنشاطاته المتعددة، وتحت إشراف خيرة العلماء الموجودين، مستحضرا جهود من سبق في التمهيد لمشروع الوحدة العظيم، وهو اليوم يعتبر صرحا قويا متماسكا، يتقدم نحو النجاح في تحقيق هدفه الذي أسس من أجله.

 

لقد جاء النبي صلى الله عليه وآله ليجمع شتات العرب بعد أن كانوا قبائل متناحرة، فألّف به الله قلوبا لم تكن لتهدأ عن طلب الثأر، فسكّن النفوس وهذّب طباعها، وحوّلها من جاهلية التناحر والتدابر، إلى رحمة الألفة والأخوّة الإسلامية، ومشروعه اليوم قرآني يجب أن يتواصل، في إطار بناء جديد للعلاقات الإسلامية بين مختلف الأفراد والشعوب، خدمة للسلم والأمن الإجتماعي، في التعايش بين الناس بمختلف طبقاتهم، وكم العالم اليوم بحاجة إلى تاصيل علاقة الأخوّة التي تكاد تندثر من حياة الأمم بفعل نعرات العنصرية ودعوات التباغض العرقي، بينما الأصل واحد (ان الله لا ينظر الى انسابكم ولا الى احسابكم ولا الى اموالكم ولكن ينظر الى قلوبكم فمن كان له قلب صالح تحنن الله عليه وانما انتم بنو ادم، وأحبكم إليه أتقاكم) (5)، وما أوصى به الإمام علي عليه السلام لصاحبه مالك الأشتر، عندما عينه واليا على مصر، من جملة من الوصايا منها: ( وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبُعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)(6).

 

هذه محطّة مهمّة من محطات وحدة وألفة الأمّة، وكما جمعهم النبي صلى الله عليه وآله في حياته وبنى بهم صرح الإسلام والأمّة، فمناسبة مولده كفيلة في فكرتها وانتهازها بأن تجمع شتات الأمّة الإسلامية من جديد، ربّ واحد ودين واحد وقرآن واحد ويوم ميعاد بما فيه واحد، فما الداعي لأن تتفرّق شعوبنا؟ لنلتفت الى مكامن الأعداء فينا، فهي التي حول وحدتنا ولزومها إلى حالة من الفرقة والتناحر والتباغض، من تلك المكامن المُسْتغَلّة من أعدائنا يبدأ الإصلاح، باغلاق باب فتنتهم، حتى لا يبقى لهم باب يلجون منه لإثارة ما من شأنه أن يفرقنا، فلنلبّي نداء الوحدة، فهو كفيل بأن ينقلنا من وضع الضعف والوهن، إلى وضع القوة والقدرة على مواجهة الأعداء والتغلب عليهم، زمن الوحدة قادم، فلنسرع إليه، ولا نضيع وقتنا في انتظاره، وخيرنا من بادر إلى العمل الصالح.

 

المراجع

 

1 – الإمام الخميني وإرساء دعائم الوحدة

https://www.almaaref.org/maarefdetails.php?id=11033&subcatid=1496&cid=486&supcat=6

 

2 – الوحدة الإسلامية فكر الإمام الخميني

https://almaaref.org.lb/post/17960/

 

3 – المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، هو منظمة غير حكومية، تتكون من مجموعة علماء الدين في العالم الإسلامي، تم تشكيلها بهدف التقريب بين المذاهب الإسلامية.

 

https://ar.wikishia.net/view/

 

4 – سورة الأنبياء الآية 92

 

5 – كنز العمال المتقي الهندي ج3ص421/ المعجم الكبير الطبراني ج3ص297

 

6 – نهج البلاغة باب المختار من كتب أمير المؤمنين ورسائله عهد الامام علي الى مالك الأشتر عدد 53 / تحف العقول عن آل الرسول ابن شعبة الحراني ص 126

 

 

 

 

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023