الحسين (ع)…المدرسة الثوريّة للنبل الإنساني… بقلم حازم العواضي

الحسين (ع)…المدرسة الثوريّة للنبل الإنساني… بقلم حازم العواضي
المهاتما غاندي الرجل السياسي الديني لدى الهندوس، و محرر الهند من أعتق النظم الإستعمارية و الذي درس المحاماة في بريطانيا و عمل في جنوب أفريقيا، و هو صاحب فلسفة ”الساتياغراها”  اللافتة للنظر و التي تعني ”اللاعنف في مقاومة الظلم”، وهي موجودة لدى العديد من أكارم الرجال في العالم ، والذين يرون أن الأهم في هذه الحياة هو دوام على  طلب الحقيقة مهما كانت ..و سيطرة الأخلاق و المنطق و كرائم الأعمال على صفات الإنسان لأنّها الوحيدة التي تليق بالشخص النبيل أياً كان و من أي مكان…و هي السبيل الوحيد لتحريره من كلّ السجون المعنويّة و الماديّة.

و لقد لَفت إنتباه العديد  من النُقّاد كتابه ”قصة تجاربي مع الحقيقة”، و عُدّ واحدا من الكتب النادرة التي ختمت عصرا و بدأت عصرا آخر ، و قد خَطّ فيه غاندي بقلمه، سيرة حياته و مشواره النضالي.
وبعد تطلعي على هذا الكتاب ، حاز إهتمامي مدى رفعة هذا الرجل و إنسانيّته، و مدى إحاطته و وسع معرفته  للديانات و الحضارات و الثقافات المتنوّعة التي حاول أن يُجبل نفسه بها دون أن تقتلعه من جذوره بحسب قوله…، و كمسلم ، إستوقفني موقفه من الإسلام و درايته بالتفاصيل و الأهداف الإنسانيّة  لثورة الإمام الحسين عليه السلام ، حيث قال ” ـ أنا هندوسي بالولادة، ومع ذلك فلست أعرف كثيراً من الهندوسية، واني أعزم أن أقوم بدراسة دقيقة لديانتي نفسها وبدراسة سائر الأديان على قدر طاقتي. وقال: لقد تناقشت مع بعض الأصدقاء المسلمين وشعرت بأنني كنت أطمع في أن أكون صديقاً صدوقاً للمسلمين. وبعد دراستي عميقة لسائر الأديان عرفت الإسلام بشخصية الإمام الحسين ”.وخاطب الشعب الهندي بالقوله المأثور: “على الهند إذا أرادت أن تنتصر فعليها أن تقتدي بالإمام الحسين”. وهكذا تأثر محرر الهند بشخصية الإمام الحسين كثائراً حقيقياً ،وعرف أن الإمام الحسين مدرسة الحياة الكريمة ورمز من رموزالثوارات الإنسانيّة وقدوة في مكارم الأخلاق وقيمها ومقياس الحق.. وقد ركّز غاندي في قوله على مظلومية الإمام الحسين بقوله: ”تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فانتصر”.

ربمّا لا أخفي إزدياد إعجابي بالإنسانيّة شخصيّة المهاتما غاندي ، خاصة بعد تعرّفي على موقفه من الإسلام و تأثره بِقِيام الحُسين ، كما أنّي لا أخفي إستغرابي من غياب معالم الثورة الحسيّنية من ثقافتنا العربية الإسلاميّة  أو بالأحرى تغييبها من القاموس الثوري للإسلام و الوعظ الديني للإستبصار،  في بعض أقطارنا العربيّة ،لأسباب يعرفها الكثير ممن بحثوا و درسوا التاريخ …، و أمام حالة الركود الفكري و غياب الوعي و فقدان الحسّ الإجتماعي  في الوطن العربي ،و إختلاط المفاهيم، فلم نعد نفرّق بين الثورة التغيريّة و الفوضى الثوريّة ، و لم نعد نميّز بين بناء الأوطان و هدمها ، و زاد الإشتباه بين السياسة في الإسلام و الإسلام المسيّس ، إضافة إلى تكالب الأمم علينا و ضياعنا نحن العرب بينهم لضعفنا و هواننا ،  و جدت في ثورة الحسين القبس الفكري الذي يوضح لنا حقيقة المفاهيم ، و الوازع الديني الذي يضيء لنا المسير ، و الحضور الواعي الذي تمتزج فيه المسؤوليّة بالتضحية. فالنتحدث ولو بالإقتضاب ، من هو الحسين و ما أبعاد ثورته ….
الحسين  هو إبن عليّ و فاطمة بنت محمد بن عبد الله عليهم صلوات الله ، شعار و مدرسة و تيّار كفاح و جهاد رسالي و سياسي فريد في تاريخ الإسلام …لذلك كان دوره كبيرا و أثره عظيما في الحفاظ على أسس الإسلام المحمدي، فقد كان قوّة دافعة و محرّكة  في أحداث التاريخ الإسلامي و خصوصا الثوري منها على مدى أجيال و قرون عديدة ، و لم تزل نهضته و حركته و مبادئه تتفاعل و تؤثر في الضمائر الواعية للأمة الإسلاميّة و تجعل منها قاعدة متينة لصياغة المجتمع الربّاني.
لقد كانت هناك عوامل و دواعي سياسيّة و إجتماعيّة و رساليّة دفعت الإمام الحسين عليه السلام إلى التحرّك و الثورة و مواجهة يزيد بن معاوية ، و في مقدمة هذه الدواعي هو إنتهاك المبادئ التي يقوم على أساسها الحكم في الإسلام ، فيزيد لم يحترم رأي الأمة ، و لم تكن هناك سيادة للقانون و القيم ، و لم يكن عادلا في التوزيع الإقتصادي ، إضافة إلى عدم كفاءته و إستقامته في تولي شؤون الأمة و تسيير مهام الحكم و السياسة و عدم قبوله لنصح و النقد، و حين رأى الحسين الأوضاع و الظروف السياسيّة و الإجتماعيّة ، و توجه السلطة و سياستها لا تلتزم بالمبادئ … و أنّ الأمة تعيش حالة من الحيرة و الضياع السياسي ، و أنّ تعاليم الإسلام مهددة،وإنطلاقا من الشعوره بالمسؤوليّة التارخيّة   شخّص واجبه و وظيفته الشرعيّة كإمام و قدوة في أن يؤدي دوره السياسي و العقائدي ؛ لذا كانت هذه الثورة …ثورة غنيّة بالدروس و العبر ففيها التضحية بالمال و الأهل و المكانة الإجتماعيّة و فيها تحدي للإرهاب و القسوة ، فقد قطع الحسين عليه السلام مئات الأميال و سار الليالي و الأيام و تحرّك عبر ظرف سياسي عصيب و وطّن نفسه على التضحية و الفداء فقُتل هو و أبنائه و أهل بيته و أصحابه و مثّل بأجسادهم و سُبيت النساء إلى الشام . و بالرغم من قتله فقد إنتصر تارخيّا و ضلّت قضيّته عبرالتاريخ تُحرّك المظلومين على الظالمين و هو عين ما أراده الحسين عليه السلام . وبقي شعاره يوقظ الضمائر الحرّة و يحرّك في تاريخ الإنسان روح الثورة و الجهاد ضدّ الظلم  لأجل  العدل و الإنسانيّة و الأخلاق  ”لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أُقرّ إقرار العبيد ”.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023