من فقد الوعي…اشترك في الجريمة…بقلم محمد الرصافي المقداد

من فقد الوعي…اشترك في الجريمة…بقلم محمد الرصافي المقداد

صحيح أن اغلب شعوب العالم، لم يظهر منها اهتمام تؤمّله النخب السياسية في انتخابات بلدانها، ذلك أن أعلى نسب المشاركة فيها، لم تصل الى مستوى المشاركة الفعلية والكثيفة، واقتصرت على معدل عام قد تتجاوز في أغلب الأحيان ال70%.

ومقارنة بالانتخابات التشريعية السابقة التي جرت في 26 أكتوبر 2014 التي تعتبر ثاني انتخابات تشريعية بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي وقعت في 23/10/2011 الذي بلغت نسبة المشاركة الشعبية في التصويت لأعضائه 51.57%، حازت فيها حركة النهضة على 89 مقعدا.

ونتيجة لعدة عوامل منها سوء التعامل مع مطالب الشعب، تراجعت شعبية حركة النهضة، ولم تتمكن من الحفاظ على تصدّرها نتائج الدورة البرلمانية الأولى، حيث فاز حزب نداء تونس بالمرتبة الأولى بعد أن حصل على 86 مقعد من جملة 217 مقعد في المجلس، ثم تلاه حزب حركة النهضة الإسلامي ب69 مقعد، متراجعًا 20 مقعد، وما يدعو الى الاهتمام ارتفاع نسبة المشاركة في الدورة الفارطة لتصل 69% بسبب مخاوف نسائية، لمجرّد دعاية سوّقها جماعة حزب نداء تونس، مفادها أن حركة النهضة ستشرّع تعدد الزوجات، وهذا ما ساعد السبسي وحزبه على الحصول على أعلى نسبة تأييد لهم في التشريعية والرئاسية.

أما في هذه الدّورة البرلمانية 6/10/2019 ، فإن ما يدعو الى الحيرة والامتعاض، تدنّي نسبة المشاركة، الى حدود لم تكن متوقعة، وهي 41.3%، وقد كان منتظرا أن ترتفع الى أعلى نسبة، بعد الدورة الاولى الرئاسية، مقارنة بالتحدّيات الراهنة، التي تعتري البلاد التونسية، واشتداد المنافسة واختلاف الرهانات، على توجهها الداخلي والخارجي.

أول ما يمكن استخلاصه من هذه الدّورة الانتخابية، بعد تفريط نسبة كبيرة من الشعب تجاوزت النصف، في حقها الانتخابي الذي يسمح لها اختيار المرشّح الكفؤ، الذي ينوبها تحت قبة البرلمان في فترته النيابية الجديدة 2019/2024، وبإمكانه أنه يدافع عن حقوقه، تفريط مردّه حالة الاحباط واليأس، التي انتابت الشرائح الشبابية، التي فقدت الأمل في المستقبل، بالنظر الى فشل السلطة في تقديم حلول ناجعة لهم، وهو دافع قوي جعلها تقاطع الانتخابات .

ويظهر من خلال استقراء النتائج الأولية، مقارنة بنتائج الانتخابات السابقة، أن حركة النهضة قد سجّلت تراجعا كبيرا، في حصولها على مقاعد في البرلمان، ففي حين كان عدد المقاعد التي حصلت عليها في المجلس التأسيسي 89 مقعدا، ومرجع ذلك يعود الى اطمئنان مختلف فئات الشعب بنضالهم، واعتبارهم محل صدق، تراجعت شعبيتهم بعشرين مقعدا في انتخابات 2014، لينتهي بها الأمر في هذه الدّورة، الى فقد عشرين مقعدا آخر، وهي بحساب الأرقام تراجع في شعبيتها، بطعم الفشل والهزيمة، التي اذا ما توصلت على هذا النّحو، فإنها ستحوّلها من الحكم الى المعارضة، ومن يدري، لعلها عندما تكون في المعارضة، تكون أحسن مردودية.

المفاجأة التي توقعها البعض، واستبعدها البعض الآخر، تمثلت في السقوط المدوّي لحزب نداء تونس، الذي حصل في الدورة الماضية على 86 مقعدا، بينما لم يحصل في هذه الدور الا على مقعد واحد، ويبدو أن هذا الحزب قد انتهى شعبيا، وتحوّل من تحول من منتسبيه الى حزب الحر الدستوري، برحيل مؤسسه الباجي قائد السبسي.

واللافت الاخر هو فشل ائتلاف الجبهة الشعبية، في افتكاك حصتها التي كانت في البرلمان السابق، بسبب التصدّع الذي حصل فيه، منذ أن افترق الرفيقان الهمامي والرحوي، وسعى كل منهما الى الترشح للرئاسية، وكان لذلك تداعياته السيئة على الائتلاف.

اللافت هنا ايضا- وكان مستبعدا نسبيا – حصول الحزب الجديد قلب تونس على 35 مقعدا، وهو حزب صاحبه متورط في تبييض الأموال، والتهرب الضريبي، وشبهات أخرى تحوم حوله، في علاقاته الخارجية – برلسكوني على سبيل المثال- وخصوصا العقد الذي نشر على موقع وزارة العدل الامريكية، أبرم- نبيل القروي- بتاريخ 19 أوت 2019 عقدًا بقيمة مليون دولار مع شركة (دينكنز أند مادسون (Dickens and Madson مقرّها في كندا، ويديرها عميل استخبارات صهيوني اسمه (آري بن ميناشي ( Ari Ben-Menashe.

ويتضمن العقد سعي الشركة لتبييض نبيل القروي لدى الشخصيات العالمية، وترتيب لقاءات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومسؤولين أمريكيين كبار آخرين، كما يتضمن العقد، أن تعمل الشركة من أجل الحصول على دعم مادي، يمكّن القروي من الوصول الى كرسي رئاسة الجمهورية، من طرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ان حصول حزب قلب تونس على هذه النسبة العالية من المقاعد، وتموقعه في المرتبة الثانية وراء حركة النهضة، لم يكن بسبب نبوغ مؤسسه في مجال السياسة والفكر، بل كان تحيّلا منه على الطبقة الفقيرة من الشعب في برنامجه (يرحم خليل)، وما راج بالدليل على قيام عناصر محسوبة عليه، بشراء اصوات الفقراء في الجهات المهمشة لصالح حزبه، بالمال الذي وزع بسخاء، ونتج عنه هذه الحصيلة من المقاعد للأسف الشديد.

خلاصة القول بأن الشعب الذي لا يهتمّ بأوضاعه المتردّية، ولا يبحث عن سبيل واقعي للخروج منها، بل لقد برهن قسم كبير منه، أنه بعيد عن الوعي، والاحساس بخطورة الوضع الذي أصبحت عليه البلاد، لا يستحق أن ترفع له القبعة ويحترم، واذا لم يندم اليوم على تقصيره، وتفريطه في حق دستوري، يعطيه مجالا وامكانية لتغيير اوضاعه، من حال المديونية والركود الاقتصادي، الى حال أفضل، يستطيع بها الخروج من المستنقع الذي اردته فيه سياسة 8 سنوات عجاف من حكم الترويكا أولا، وائتلاف نداء تونس أخيرا.

ومع ذلك فإني أرى البرلمان الحالي أفضل من سابقه، على اساس أنه اصبح يضم عددا من الوطنيين الشرفاء- في انتظار ما ستبوح به الشخصيات المستقلة – يرفضون التموقع في خندق التبعية للغرب، والخضوع لسياسات التطبيع التي تمرر على الشعب بمختلف الطرق الخبيثة.

وبالنظر الى النتائج الحاصلة في هذه الانتخابات، هل سنرى في قادم الأيام الشيخ راشد رئيسا للحكومة؟ أم رئيسا للبرلمان؟ هدف مرسوم يعلمه الشيخ وحزبه بكل تأكيد، والقربان الذي قدمه في شخص الشيخ مورو، لا يستهدف رئاسة البلاد، فذلك منال بعيد، يحتاج الى تبييض من نوع آخر.

 

 

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023