انتهت فترة الحرب الباردة، بتفكك الاتحاد السوفييتي إلى جمهوريات، بقي منها من بقي على حنين التواصل المبدئي مع روسيا، قلب الإتحاد المنحل الذي بقي صاحب الموروث الأقوى من تركته، وذهب منها من ذهب، وراء إيحاءات واستدراجات تحالفات دول الغرب الإقتصادية، كالإتحاد الأوروبي، والعسكرية كحلف الناتو، ولأنّ هذا الغرب بزعامة أمريكا، المهيمن بمنظوماته على العالم الثالث، لا يرضى بغير سيادته المطلقة، وهيمنته الإقتصادية والعسكرية على دوله، فإنه لن يتوقف في تقدّمه الذي حققه، ما بعد الحرب العالمية الثانية، من أجل بقاء تلك الهيمنة على حالها من التمكن والقوة، وضمان استمرارها.
تحالفات يرى فيها الحكام الطامعون، حبل نجاة دولهم من اقتصاديات متهالكة، ويرى فيها الوطنيون بيع وطن وكرامة بالدّون في تعامل رخيص، يعتبره الأحرار بيعا للقيم والذّمم، وخيانة مفضوحة لأوطانهم، وتحالفات تبنى على هذا الأساس من التعامل، هي نتاج سياسة تبعيّة انتهجها عملاء الإستعمار، منذ أن نصّبهم المستعمرون زعماء مزيّفون، ثم حكاما على بلدانهم، انعدمت فيهم روح الوطنية، بحيث عميت أعينهم عن مصالح شعوبهم، وانفتحت فقط لفائدة مصالح الدول الغربية الإستعمارية، ونحن نرى اليوم وكلاء الغرب قد ذهبوا بعمالتهم بعيدا، فلم يحجزهم شيء عن بيع قضية الأمّة فلسطين، بتطبيع فاضح مع الكيان الصهيوني، في صمت مريب من الشعوب، كأنّها غلبت على أمرها، أو استسلمت لأمر واقع لا مفر منه، مع أنها ترى أن هناك شعوبا حرّة لا تمتّ إلى العرب بصلة، سلكت طريق مقاومة منظومة الإستكبار والصهيونية المتحالفتين.
لم تعد خافية عمالة حكام، أصبحوا منعوتين بولاءاتهم لأمريكا، وسياساتهم مبنيّة على ذلك الأساس، منذ أن تأسست وقامت دولهم بمساعدتها، لذلك نراهم عندما يفكرون ويخططون، فبعقل غير وطني وغربي، منغلق على استراتيجية غربية، هدفها تركيز الكيان الصهيوني في المنطقة تركيزا نهائيا، ليكون واقعا مفروغا منه، والتعامل معه أمر لا مفرّ منه، بتوفر عوامل الإستدراج، وأدوات الترغيب والترهيب، ففي مقابلة مع قناة CNBC الأمريكية، كشف ملك الأردن عبدالله الثاني، أنه سيدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط، على غرار حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وذلك بالتعاون مع الدول التي تمتلك التفكير نفسه، أن الأردن يعمل بنشاط مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ويعد نفسه شريكًا للحلف.)(1) ونحن بناء على تاريخ المملكة، نرى سياستها استمرار لنهج التبعية والعمالة لأمريكا وبريطانيا وخدمة لسياساتهما، ولن تتغير – وهي ماضية على ذلك – طالما أن الشعب الأردني لا يحرّك ساكنا، مع أننا ندرك تماما أنّه غير راض على سياسة حاكمه، كأنّه مغلوب على أمره، وليس ذلك مبررا لبقائه على وضع نظامه الخياني وسياسته الخارجية.
وكما شكل الغرب بقيادة أمريكا تحالفات كبيرة، من أجل السيطرة على بقية دول العالم وإخضاعها لمشيئته، يجدر بالدول المستهدفة بالخصوص، أن تتحرك بواقعية ومصلحة، من أجل مقابلة ذلك بتشكيل تحالف جادّ وقويّ، من شأنه أن يقف في وجه أطماع الغرب، سدّا مانعا من نجاحه في إبقاء هيمنته القديمة، التي اهترأت منظوماتها الإقتصادية، واهتزت حتى عسكريا، ولم يعد بمقدورها أن تواصل نشر هيبتها وهيمنتها، دليلنا الذي نشهده اليوم سياسة قضم الغرب لدول الاتحاد السوفييتي السابق، وإدخالها في تحالفاته ومنظوماته بشتى الطرق، وتشجيع وحث أوكرانيا على الإنضمام إلى حلف الناتو والسوق الأوروبية، كان مؤشرا دالا على استهداف يراد منه تفكيك روسيا الفيدرالية لإضعاف قدراتها، وهو ما حرك الرئيس الروسي بوتين من أجل احتواء الخطر والسيطرة عليه، وسياسته إلى حد اليوم ناجحة في تدخله الدفاعي الإستراتيجي.
ما يأمله أحرار العالم اليوم – وهو ضرورة ملحّة – العمل على تشكيل تحالف استراتيجي، يضم الدول المستهدفة أمريكيا وغربيا وصهيونيا، كالصين الشعبية، وروسيا، وإيران، وفنزويلا، وكوريا الشمالية، والدّول اليسارية المعادية لأمريكا، وكل بلد يرى نفسه هدفا للإغتنام الغربي، فليس هناك من سبيل للتخلص من تهديد القوة العسكرية لأمريكا وحلفائها المتمثل في النّاتو، بغير الإعداد لها، ومواجهتها بما يستوجب من قوة عسكرية موازية لها، ولن يوقف الغطرسة الأمريكية سوى الرّدع، والقوة مقابل القوة
تموضع بلادنا وسط هذه التجاذبات الإقتصادية والعسكرية، يُرى اليوم بعين الرّيبة والشكّ، خصوصا بعدما علمنا أننا دخلنا تحت مكون الحليف خارج عضوية حلف الناتو، بعدما تم توقيع مذكرة التفاهم، للتعاون طويل المدى بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية، بحضور كل من محسن مرزوق مستشار رئيس الجمهورية التونسي، ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري، على هامش زيارة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي إلى واشنطن مايو/ أيار الماضي، وتنص المذكرة على اعتبار تونس حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، خارج عضوية حلف شمال الأطلسي(ناتو)(2)، أعتبرها خطأ استراتيجيا، وسقطة سياسية تمت على عهد الرئيس السابق الباجي قائد السبسي، سوف تجرّ البلاد إلى مسارات عسكرية عدوانية قد تكون بلادنا طرفا غير مباشر فيها، كاستعمال أراضينا وقواعدنا من طرف أمريكا وقوات النّاتو، مقابل أموال ومساعدات نرفضها بتلك الصفة، وعلى الدولة الحالية أن تصحح أخطاء ما ارتكبته سابقتها، بإلغاء الصفة والصفقة التي تمّت، باعتبارها تمثل انحيازا لجبهة استكبارية، بإمكانها تهديد الأمن والسلم العالمي، وأيّ علاقة لبلادنا بهذا الحلف ستكلفنا غاليا، فلتُحسن دولتنا قراءة هذا الحلف، ومقاصد قادته الاستعماريين المستكبرين في الأرض.
ليس أدلّ على خطأ ما وقّع عليه الرئيس السابق من انخراط جيشنا ومشاركته في مناورات عسكرية تحتضنها المغرب بعنوان: الأسد الأفريقي 2022 (3)، وكأني بهذه المناورات تتجدد كل عام، بمشاركة صهيونية واضحة، فأي علاقة لأمريكا بأفريقيا – ان لم تكن في غير صالح الأفارقة أنفسهم- وما شأنها بها؟ وما دخل الكيان الصهيوني بهذه القارة حتى يكون طرفا في مناورة خاصة بافريقيا؟ وفي الأخير ألي هذا سوء معاملة موجهة للشقيقة الجزائر المستهدفة الأولى من هكذا تدريبات عسكرية تعتبرها في المقام الأول مظهرا عدائيا لها فكيف ينخرط جيشنا في تحضيرات ليس فيها صالح لتونس ولا الجزائر ولا أفريقيا؟ أجيبونا وعبّروا عن رغبة الشعب الذي بقي دائما آخر من يعلم، قبل أن نلعنكم ونتبرّأ منكم.
المراجع
1 – ملك الأردن: سندعم تشكيل «ناتو» خاص بالشرق الأوسط
2 – السبسي: اعتبار تونس عضوا في حلف الناتو ناتج عن جهل واستخفاف
https://www.aa.com.tr/ar/37492
3 – الولايات المتحدة والمغرب يطلقان تدريبات الأسد الأفريقي بمشاركة إسرائيلية للمرة الأولى https://www.france24.com/ar/20220621-