مَنْ المسؤولُ عن انهيار بنوك في الولايات المتحدة، والتي كان أولها وأبرزها بنك سيليكون فالي الذي عُدّ انهياره أكبر فشلٍ مصرفيّ أمريكيّ منذ الأزمة المالية عام 2008 – وثاني أكبر فشل على الإطلاق؟.. لماذا في هذا التوقيت؟ هل هو مصادفةٌ محضٌ ونتيجة طبيعية لسياسات نقدية متشدّدة اتبعت مؤخراً.. أم إن وراء الأمر أيادي خفية تتجاوز المصادفة ليكون الأمر مقصوداً في توقيته، داخلياً وخارجياً، سياسياً واقتصادياً، في آنٍ معاً؟
انهيار بنك سيليكون فالي وجّه ضربة للقطاع المصرفيّ الأمريكي، إذ عدّلت وكالة التصنيف الائتماني توقعاتها للقطاع المصرفي من مستقر إلى سلبي، كما أنّ الانهيار أرجع لذاكرة الاقتصاديين ومجتمع المال والأعمال الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 والتي محت أكثر من مئة مليار دولار من القيمة السوقيّة لأسهم البنوك الأمريكية خلال جولة استغرقت يومين فقط، في الوقت ذاته استبعد العديد من المحللين أن يصل الحال إلى ما وصل إليه في عام 2008 أي استبعاد احتمالية أن نشهد أزمة اقتصادية عالمية، ورغم ذلك، يبقى الباب مفتوحاً على احتمالات مرهونة بتطورات الأيام المقبلة، هل النظام المصرفيّ الأمريكي مقبل على مزيد من الانهيارات.. أم إن الأمر يتوقف عند حدّه، لنكشف، ولو متأخرين، أنّ الأمر لا يعدو كونه مجرد ضجة إعلاميّة، لها أسبابها بلا شك.
إذا كان الأمر مجرد ضجةٍ، فالسؤال المطلوب: لماذا في هذا التوقيت.. ولماذا قد تضحي واشنطن بنظامها المالي المصرفي وتدخله في حال عدم اليقين، وتدخل العالم الاقتصادي معها في حالة من الترقب وهبوط أو صعود الأسهم المالية؟ .. الإجابة تتطلب توسيع الدائرة سياسياً.
الباب مفتوح على كل الاحتمالات رهناً بتطورات الأيام المقبلة لكن التوقعات تتركز على الأسوأ في قطاع المصارف الأميركي
– لنبدأ من الحرب الأوكرانيّة وتطوراتها وتداعياتها على العالم برمته، وعلى الدول الأوروبيّة على نحوٍ خاص.. أتت هذه الحرب على عكس الرياح الأمريكية، لم تتراجع روسيا، ولم تضعف قوتها، ولم تأتِ العقوبات على اقتصادها بشكل كلي، اتجهت موسكو إلى بدائل في التعاملات المالية من خلال العملات الوطنية مع دول تشترك معها في محاربة النفوذ الأمريكي السياسيّ عبر هيمنة العسكرة، والحروب الاقتصاديّة عبر هيمنة الدولار، ورغم الضخّ الكثيف للأسلحة من قبل واشنطن والدول الأوروبية لنظام كييف، فإنّ مجريات المعركة على الأرض لا تشي بتطور نوعي لمصلحة المعسكر الغربي.
النقطة الأخرى المرتبطة بالحرب الأوكرانية، أن الدول الغربية فرضت سقفاً محدداً لأسعار المشتقات النفطية الروسية، وذلك للحد من عائدات روسيا النفطية، لكن هذه الخطوة لم تنجح، وفرضت موسكو حظراً على توريدات النفط الروسي والمشتقات النفطية إلى الجهات الأجنبية التي تلتزم بسقف الأسعار المفروض من قبل الدول الغربية،على نحوٍ مباشر أو غير مباشر، ليس هذا فحسب، بل بالرغم من التوقعات الغربية بانهيار روسيا اقتصادياً، ضاعفت موسكو من سيادتها الاقتصادية كما أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
– المنافسة الصينية – الأمريكية، في ظل التنافس الحاد بين الجانبين تميل الكفة لمصلحة الصيني في المرحلة الراهنة، ليس اقتصادياً فحسب بل تكنولوجياً وسياسياً، ولاسيما في ظل الرعاية الصينية للاتفاق السعودي- الإيراني، وتوسيع الصين دائرة الشراكات والعلاقات حتى في أماكن النفوذ الأمريكي، واتجاه بكين للعب دور سياسيّ فاعل ووازن على الساحة الدولية، أي إن الصين تسحب البساط من تحت واشنطن بيسرٍ وسهولة.
– الانتخابات الأمريكية والسجالات حولها.. لمصلحة مَنْ الانهيار المصرفي، للجمهوريين أم للديمقراطيين، لماذا مع قرب الانتخابات يحتاج كلا الطرفين لإثارة ضجة بشأن ملف من الملفات، هل هي لعبة الرئيس جو بايدن أم لعبة خصومه؟.. الإجابة بحاجة لمتابعة الوضع المصرفي إذا تتالت الانهيارات.. وبحاجة لمتابعة المعركة الانتخابية.
لكلّ الأسباب السابقة مجتمعة قد يكون انهيار البنوك مجرد ضجة غرضها إيجاد بدائل جديدة للفوضى العالميّة وإن أصابت ضررها الحلفاء فلا ضير في ذلك.. أصابت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بتصريحها بأن حماية واشنطن نظامها المصرفي ستزيد المشكلات في العالم، من خلال طباعتها المزيد من الدولارات غير المضمونة، وهذا دليل قطعيٌّ على أن الولايات المتحدة تحارب الصديق والعدو على حدٍّ سواء لحماية ذاتها، فحال عدم اليقين انتقلت عدواها إلى السوق العالمية، إذ تراجعت أسهم البنوك في جميع أنحاء العالم، فانخفضت القيمة السوقية للشركات المالية في جميع أنحاء العالم في يومين من التداول بمقدار 465 مليار دولار.
الدولار أداة واشنطن في التلاعب بالنظام المالي العالمي، ولكن المشكلة التي تواجه أمريكا اليوم أنها لن تكون قادرة بعد الآن على طباعة الدولارات إلى أجلٍ غير مسمى، وأشار تقرير صحفي إلى أن العقوبات المفروضة على روسيا أدت إلى تخلي العديد من الدول عن الدولار، ما أسهم بفقدان قدرة واشنطن على إبراز قوتها على الساحة الدولية، وستواجه خطر الوقوع في فجوة الديون، وقد ينتهي العصر الذي كان من الممكن فيه طباعة عدد غير محدود من الدولارات، ومعه ستبقى قدرتنا على شراء البضائع الأجنبية بسعر رخيص من الماضي، لافتاً إلى أن أكثر من 100 دولة لم تدعم العقوبات الغربية على روسيا، الأمر الذي أدى إلى ظهور تحالفات اقتصادية تستخدم عملات أخرى لبيع البضائع.
نتساءل: هل سياسة رفع الفائدة التي اعتمدتها واشنطن كانت مقصودة ومحدّدة الهدف، ولاسيما أنّ الفيدرالي الأمريكي رفعها 7 مرات منذ 2022، فعدد مرات الرفع ليس مصادفةً أو للحاجة، وليس لمواجهة التضخم ربما؟