عندما تنتهك قيمة الانسان مهما كان فكره ومعتقده، باعتداءات فظيعة على مرأى ومسمع من عالم أصبح يسمع أصواتها ويرى مشاهدها، وتتكرّر تلك الإنتهاكات وتتضاعف بصور مختلفة، وتنتقل احداثها متجددة، من بلد إلى آخر ومن قارة إلى أخرى، بحيث تشكّل مفردة إرهاب دوليّ يُدار بواسطة أجهزة استخبارية متمرسة في هذا المجال، لم يعد هناك شك بأنّ هذه المجاميع ليست سوى أدوات دولية تطلقها الدول التي تتحكم فيها صناعة وتمويلا وتخطيطا.
إنّ هذا الإرهاب الذي ألبس لباس التطرف الديني، قد وجد في فئة من المسلمين مرتعا يترعرع فيه، وقد نجحت بريطانيا في وضع حجر الأساس له منذ اكثر من قرن ونصف، ومنه أخذت أمريكا عناصره بدأ من تنظيم القاعدة إلى داعش والنصرة، وهذا ليس مجرد اتهام، بل هو اعتراف من صُنّاعه وإقرار من مموليه، دون خجل منهم، ومن أين يأتيهم الخجل وهم بالأساس فاقدي قيم الإنسانية.
اطلاق وحوش البشرية وشياطينها على غزّة منذ أكثر من خمسة أشهر يقتلون المدنيين بدماء باردة، والعالم باسره واقف يتفرج حكومات وشعوب دون أن يتحرك لوقف هذه المجازر، كأنما كبّلهم العجز، وأوهنتهم قلة الحيلة، قد رضوا بأن يقفوا موقف الشهود على ما يحدث، ولكن إلى من سيدلون بشهاداتهم؟ ومن سيسمعهم في هذا العالم الأبكم الأخرس؟ وفيما تحاول روسيا عبر مجلس الأمن وقف المجازر التي ترتكبها يوميا القوات الصهيونية، بحقّ المدنيين في غزة، بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، متضامنة في هذا العمل الدبلوماسي مع إيران والصين الشعبية، تتفاجأ بعملية إرهابية فظيعة في عقر دارها، هذه العملية التي استهدفت مركز (كروكس سيتي هول) التجاري في ضواحي موسكو، وقد نفذه عدد من الإرهابيين المسلحين بأسلحة خفيفة وقنابل حارقة، وأسفر حسب المعطيات الأولية على مقتل 40 شخصا واصابة أكثر من 100 شخص(1)، فيما احيط المكان بتدابير أمنيّة مشددة
وفيما تتوارد الادانات الدولية المنددة بهذا العمل الإرهابي الجبان (أدان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية بشدة الهجوم الإرهابي الدموي والوحشي على مركز تجاري في موسكو، والذي أدى إلى مقتل وإصابة عدد كبير من المواطنين الروس.) (2) وإيران كما روسيا وأيّ دولة تعارض السياسة الإستكبارية الأمريكية، تكون عرضة لمثل هذه الأعمال الإرهابية الخسيسة الجبانة، وهدفها زعزعة الامن والاستقرار في البلدان المستهدفة أمنيا.
الجبناء عادة لا يقدرون على المواجهة، فيلجؤون إلى استعمال المكر والخديعة، وهذا الأسلوب الذي درجت عليه السياسة الأمريكية ودول الغرب التي تورطت في جرائم غزّة بدعم الكيان الصهيوني بمختلف الأسلحة والذخائر، حتى الممنوعة دوليا، بمقتضى اتفاقيات جينيف، التي تتضمّن أربع اتفاقيات، أبرمت من سنة 1864 إلى سنة 1949 وتتناول حماية حقوق الانسان في حال الحرب(3) فأيّ قيمة لهذه الاتفاقية في هذا العصر، الذي انتهكت فيه عديد المرات، ولا أثر ترتّب على من اقترف جرم انتهاكها، فهذا العدوّ الصهيوني في سلسلة اعتداءاته المتكررة، يمارس أبشع صورها، دون خشية من تبعات جرائمه، فهو يعيش منذ تأسيسه تحت حماية أمريكية بريطانية، غير عابئ بمن يعتبرهم أعداءه، مطمئنا بأنّ له شركاء في جرائمه، غير مستعدين للتفريط فيه فهو منفّذ لرغباتهم، وقاعدة متقدّمة في وسط العالم العربي والإسلامي.
أمريكا وبريطانيا ومعها الاتحاد الأوروبي صدّعوا رؤوسنا بحماية حقوق الانسان، ومحاربة الإرهاب، لكنهم كشفوا أخيرا عن وجوه بشعة زالت منها أقنعتها المزيفة لتظهر في شكل وحوش بشرية، فلا حقوق انسان معتبرة عندهم، سوى حقوق الانسان الأوروبي الأبيض، ولم يعد الإرهاب عندهم يعني سوى الدول ومنظماتها، التي تدعوا إلى تحرير الأراضي والحقوق المغتصبة.
لا فرق اليوم بين ما يجري في غزة، وما جرى في موسكو، فالساحتان مستباحتان من طرف صنّاع الإرهاب الغربيين، الذين يحلمون بالسيطرة على العالم، واستغلاله كأبشع ما يكون الاستغلال، ومن سلب الأمن إلى سلب الحريات بقوة الإرهاب الصهيوني والغربي، وتركيع الدول بهذا الأسلوب البشع، وبأيدي حمقى التطرّف، لا يكلّف دول الغرب شيئا تقريبا، وسواء أنجح المخطط أم فشل فأيدي هؤلاء الصنّاع العابثين بريئة منه، مع أنّها السبب المباشر فيه.
إن بحثنا عن مصدر مآسي العالم في عصرنا هذا، فلن يستغرق ذلك وقتا طويلا، وسرعان ما نكتشف بالأدلّة الدامغة، أن أمريكا هي سبب كل سوء وشر، في جميع القارات قد تضرر من سياساتها المستكبرة ألب شعوب العالم، ومن لم يتأذى منها كثيرا فقد تأذّى منها قليلا قد يتفاقم في صورة ما لم تأخذ الدول حذرها منها، فدابّة الإرهاب التكفيري التي تديرها أمريكا أينما تكمن مصلحتها في اطلاقها على دول مُعَيّنة للضغط عليها أو معاقبتها، لا تزال أزمّتها بيدها، وما وقع في إيران سابقا، وفي موسكو حاليا، ليس إلا صناعتها وتخطيط عملياتها.
لقد سقط قناع حقوق الانسان من وجه أمريكا، وقد بدت اليوم بقبح فاضح، لا تواريه الهبات التي تقدّمها للشعوب الفقيرة، شيطان أمرد يتوقاه الصالحون في هذا العالم، ويتحسّبون مدى ضرره في صورة التعامل معه، وماذا ينتظر موحّد لله من شيطان رجيم، لذلك أقول إن الجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني وشعوب الجوار بما فيهم ايران، التي فقدت خيرة خبرائها النوويين والعسكريين، من جرّاء عملياتها الإرهابية، لم تعد شراكة أمريكا فيها خافية على ذوي الإطّلاع، وصدق الإمام الخميني عندما قال: أمريكا هي الشيطان الأكبر، لكن هل فهم من سمع مقالته من السياسيين العرب والمسلمين، أن أمريكا لن تقدّم لهم ما يستنقذهم من هيمنتها؟ يبدو أنّ هذا الفهم الراجح يحتاج إلى عقول مميّزة، تفرّق بين الحقّ الوطني ومداراة سياسة التبعية.
المراجع
1 – مقتل 40 شخصا وإصابة أكثر من 100 في الهجوم الإرهابي على المركز التجاري في ضواحي موسكو https://arabic.rt.com/world/1549556-
2 – إيران تدين بشدّة الهجوم الإرهابي الوحشي في موسكو
https://mdeast.news/ar/2024/03/22/
3 – اتفاقيات جينيف https://ar.wikipedia.org/wiki/