قضيّتان إرتبطتا ببعضهما بحيث يصعب الفكاك بينهما، قضيّة فلسطين والقضية اليمنية، متشابهتان في أنهما بلدين معتدى عليهما، قد وقع غزوهما من طرف أعداء لا يريدون لهما الخير والتّحرّر، فلسطين عاشت مأساة احتلالها سنة 1947، والتي استمرت في سلسلة من النكبات، إلى أن عمّت المصيبة، بتآمر دول عربية شقيقة عليها مع الأعداء، بحيث اصبحنا نسمع ونرى حكومات تستنكر العمليات الفدائية، في مواساة وقحة للكيان الصهيوني، بينما لا حياة لمن تنادي، عندما يقتل العسكري الصهيوني الفلسطيني شابا كان أم فتاة بدم بارد، كأنّما تولّدت قناعة بأن أرواح الصهاينة أغلى من أرواح الفلسطينيين وحتى بقية العرب، والإعتداءات الصهيونية التي وقعت على تونس ولبنان قديما، ولا تزال تُقْترَفُ بحق سوريا، لا حديث عنها ولا استنكار لها.
بعد عملية الخضيرة الفدائية النّوعية(1)، استبشر أنصار المقاومة بفجر جديد من مواجهة العدوّ الصهيوني، يبدو أنّه افتُتِح بعد ركود طويل، في مؤشر على الوعي الذي بلغه الفلسطينيون في الضفّة، فلم يخِبْ رجاءهم، وسريعا ما تلتها عملية أخرى لا تقلّ تحدّيا عن الأولى، لقي فيها في حصيلة أوّلية (إسرائيلين اثنين حتفهما واصيب 10 جراح بعضهم ميؤوس منها، في عملية فدائية نفذها فلسطيني، في شارع ديزنجوف، في قلب تل ابيب ، باركتها الفصائل الفلسطينية، واستنكرها السفير الأميركي، فيما عقد رئيس حكومة الإحتلال اجتماعا لقادة الأجهزة الأمنية لبحث تطورات العملية( (2) وقد ارتفعت حصيلة للإصابات التي لحقت بالمستوطنين الصهاينة، في هذه العملية الفدائية، التي نفّذها الشاب الفلسطيني رعد حازم من مخيّم جنين، وأدّت إلى مقتل 3 إسرائيليين، ووقوع أكثر من 15 إصابة، معظمها في حالة الخطر.(3)
وفيما اصطف المُدينون بحكم عمالتهم الكاملة لأمريكا إلى جانبها في التنديد بالعملية الفدائية والشيء من ماتاه لا يستغرب، فقد عبّرت تركيا والبحرين عن ادانتهما للعملية(4) بعميق التأثّر والمواساة لأشقائهم بني صهيون، ولم تتأخر الإمارات عن تعبير استنكارها وإدانتها في بيان أصدرته سفارتها النشطة في عاصمة الكيان، وقالت سفارتها في تغريدة على تويتر: ” تستنكر سفارة الإمارات العربية المتحدة في تل أبيب بشدة الهجوم الإرهابي الذي وقع في مركز ديزنغوف وتتقدم بتعازيها لأسر ضحايا هذا العمل المروع، كما تتمنى الشفاء العاجل لجميع المصابين”.
ويأتي التعريف الأكثر وضوحا على تويتر للسفارة التركية بتل أبيب، الذي وصفت فيه العملية الفدائية الأخيرة التي وقعت ليلة 7 أفريل بالهجوم الإرهابي، وما عبّرت عنه بالقلق إزاء الزيادة الأخيرة في مثل هذه الهجمات(5) وهذا ما استفز قيادة حماس ودفعها لإستنكار ما جاء تعبيرا عن الموقف التركي الرسمي، وقد تعرّت سياسة أردوغان حيال القضية الفلسطينية، فلم يعد يغطي عورتها شيء من خداعه، فهو إلى الصهيونية أقرب منه للقضية الفلسطينية، ولم تعد لخطاباته الجوفاء قيمة بالنسبة للفلسطينيين.
ولن يَقْصُر طابور العملاء في هذه الحال، سواء في الداخل الفلسطيني، أو في البلاد العربية والإسلامية، وكعادة رئيس السلطة محمود عباس فإنّه لم يتخلّف عن ركب الإدانة، فعبّر عنها بطريقته التي تعوّد عليها، وهو الموظف لدي الكيان الصهيوني، إن كان لا يستحي من موقعه، الذي تراه فصائل المقاومة الفلسطينية عقبة، في طريق مواجهة حقيقية للكيان الغاصب.
الإصطفاف إلى جانب الكيان الصهيوني، أصبح ظاهرة لدى الدّول العربية المطبّعة معه، ولا تجد أدنى حرج في التعبير عن ذلك، فقد أصبحت هذه الدّول في واد من القضية المركزية، وشعوبها في واد آخر على طرفي نقيض، غير عابئة بطموحاتهم التي عبّروا عنها، في تظاهراتهم المساندة لأشقائهم في فلسطين، ومن غير المستبعد بعد كل الذي رأيناه، من تقارب بينها وبين الكيان الصهيوني الغاصب، أن تصل لأمور إلى عقد صفقات وتحالفات، على حساب هذه الأمة الإسلامية المنكوبة في دينها وأهدافها، بل أقول أن ما يجري على الساحة الإسلامية، وفي إطار المساعي الأمريكية الحثيثة لوأد القضية الفلسطينية نهائيا، فإنّ تحالفا عسكريا ستشهده المنطقة يكون عربيّا، ولكن بقيادة أمريكية صهيونية، يستهدف إيران باعتبارها راعية وقائدة محور المقاومة في المنطقة.
ويبدو أن دولا عربية غرقت في مستنقع العمالة بحيث لم يعد لها مجال للخروج منه، كأنّما حياتها ومصيرها مرتهنان بالوضع الذي وجدت أنظمتها فيه، فمن تأسس بدعم استعماري، سيحنّ بطبعه إلى الكيان الصهيوني، بطبيعة المنشأ والأصل والشيء من مأتاه لا يستغرب، وأقول هل فكّرت هذه الدّول التي أصبحت معروفة ومشارٌ إليها بما ستؤول إليه تحالفاتها؟ أم أنّها متأكّدة بأن الكفّة سترجح لصالح تحالفها؟ ولا أخال عاقلا يدخل فيما دخل فيه عدوّ الأمة الإسلامية متربّصا بقائدة محور مقاومة، لم يقدر عليها بمفرده، فأراد أن يورّط معه دولا بلغت من الحمق عتيّا، وليتها تستفيق قبل أن تحلّ بها وبهذا العدوّ قارعة المؤمنين.
أيام الكيان الصهيوني أصبحت معدودة بحساب من آمن بأن القضية الفلسطينية ستكون نهايتها سعيدة، وسيصلي المجاهدون في المسجد الأقصى المبارك، رغم أنوف من أبى ذلك، وسيلحق العار والخزي كل من تآمر على فلسطين، الموعد بدأ يقترب لا شك في ذلك، فليتهيّأ كل حزب بما سيناله.
ولا يبدو حظ التحالف العربي في اليمن أسعد منه، في ما سيناله من خاتمة تعيسة، ستعصف بكل آماله هناك، وقد بلغت قلوب مرتزقته الحناجر، وانقلب سحر قادته عليهم، ليُرسي بعد سبع سنوات من العدوان الهمجي، على وهمِ اخضاع الشعب اليمني لإرادة خليجية بائسة، وهيهات أن يحصل ذلك في ظل وجود رجال اليمن المؤمنين، أصحاب التاريخ التّليد والحاضر المجيد، والتاريخ المشرّف يصنعه الرجال، رجال اليمن وفلسطين.
المصادر
1 – عمليات الدّاخل الفلسطيني تعيد رسم خارطة المقاومة الفلسطينية
https://www.trtarabi.com/opinion/8393768
2 – قتيلان و10 جرحى في عملية تل أبيب
https://www.albawaba.com/ar/1472849
3 – حركة المجاهدين تستنكر الإدانات بعملية تل أبيب وتؤكد أن إسرائيل مربكة
https://www.almayadeen.net/news/politics/
4 – حماس تستهجن إدانة تركيا والبحرين لعملية تل أبيب
https://arabic.sputniknews.com/20220408/1060991704.html
5 –سفارة الإمارات في تل أبيب تستنكر هجوم مركز ديزنغوف
https://al-ain.com/article/1649443144