من ركب بحر الفلسفة دون مركب غرق، وكذلك فعل صاحبنا محمد الحبيب المرزوقي، فقد خاض عبابها، الى أن استنفد كل قواه، وفقد الأمل في عودته الى البر، بما أراد نوله من أعماقه من درر الحكمة، وجواهر الكلم النافع للناس.
وبقدر ما كان مشروعه التنويري في تأسيس فلسفة لا رفيقة للدين الاسلامي، ملفتا في مقصده، آخذا لألباب التواقين الى العمل من أجل إظهار الدين منقذا لأهله من تيه وانحراف عنه، استمر قرونا عديدة، بقدر ما اثارت حفيظتنا شطحاته العصبية في بنائه، فبدا لنا ككهف مهجور لم يأوي اليه مستأنس، سوى المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل سبع الأفكار المستميتة على العصبية العمياء، وهذا ما ترفضه الفلسفة بإطاره الضيق، الغير منفتح على غيرها من الرؤى الانسانية في علم الإلهيات.
ما فتئ أبو يعرب المرزوقي يتحف قراءه من حين لآخر، بفلتاته التي اصبحت أجزم أنه كتبها بدافع ذاتي من مخزون تطرّفه الفكري، خصوصا عندما يميل به الحديث الى إيران والتشيّع، الذين يرتبطان بالإسلام ارتباطا لا يمكنه فصله عن تاريخ لأمتنا، ووجوده القديم قدم الاسلام، والحديث حداثة ثورة اسلامية لم يغب صداها عن طلائع الامة، فأولوها اهتماما تستحقه، باعتبارها ظاهرة فريدة في عالم اسلامي، غارق في أوحال التخلف عن ركب الحضارة الانسانية، والجهل بقيم الاسلام المحمدي الذي يرفض التعصّب وينبذ التكفير.
ففي تدوينة له على صفحتيه بالفايسبوك وتويتر كتب بعنوان: دمية قرطاج: مسك الختام، بتاريخ 9/2/2020 وبتعبير مبتذل جدا (مادام اللعب ولى بعشانا) متنبئا – وما كنت أحسب الفلاسفة متنبئين – بأن الرئيس قيس سعيد ستنزل شعبيته الى الصفر واصفا إياه بالدمية، ولست أدرى الدافع الذي حركه لأن يكون في تعبيره عدوانيا ومتجاوزا كل حدود الأدب واللياقة وهو الذي شرب من معين المعارف الانسانية والدينية.
وكأني به وهو يقرر أن البلاد وصلت الى حال التسول والتهاوش بين العابثين بمعنى السياسة، ببيان فلسفي ركيك المعنى، يريد به الدفاع عن حركة النهضة، ومشروعها الذي لم يرى منه الشعب سوى الاصطفاف المتناقض مع أهدافها، والتحالف مع منظومة الفساد القديمة، ولا يزال الحبل على الغارب.
وابو يعرب ليس بدعا من عقلية مثقفة متعصبة، الى حد مرض اقصاء ما دونها، بوّأت نفسها مكانة عالية، سمحت لها بأن تتطاول كيفما أرادت، على أي شيء مختلف عنها، فهو عندما يصف رئيس البلاد بأنه (أوسخ من القروي)، معتبرا إياه بأنه (دمية إيرانية)، يراد من خلاله تصفية الثورة التونسية. التي (يقف وراءها عملاء إيران وإسرائيل ومن ورائهما روسيا وفرنسا في الحزيبات المافياوية للقضاء على ما يسمونه الإسلام السياسي ولو بتخريب الوطن. فانقرض بعضها وما يزال بعضها يناور ولو بنظام الفضلات في الانتخابات) .
عندما يعتبر (شيخ الفلفسة) أبو يعرب من تلقاء نفسه، بأن الرئيس قيس سعيد أوسخ من القروي، دون دليل يقبله عاقل، فإن الرجل قد وضع نفسه في فقص اتهام يصعب عليه الخروج منه غير مدان شعبيا، ومحاكم قضائيا بثلب رمز وطني، ومن اين له أن يجمع الاتهام بوساخته مع اعتباره دمية ايرانية وما دليله على ذلك، أن هو الا إفك مبين، أملاه عليه حقد دفين،
وأتساءل بكل أسف: كيف امكن له أن يجمع في قلبه، كل هذا التحامل الحاقد على إيران، ويهذي به في كل مرة، تعابير خارجة عن إطار عقلاء الناس، تحاكي التهريج أكثر مما تعطي انطباعا على شيء آخر، ناسبا كل كلام الرئيس الى الثرثرة خصوصا مقالته (أننا في حالة الحرب مع إسرائيل) مقررا (أنه لا يستطيع تحريك بسكلات موش دبابة جعلهم يشكون في ما قد يترتب من فوضى على تخبطه).
وقال(لما بدأت المعركة بدارا لأني أعرف محدوديته كنت أعبر عن الخوف على تونس وعدم جرها إلى عنتريات صوت العرب التي صارت عنتريات إيران لمخادعة الشعوب وتشييعها لأن الهدف هو استعادة امبراطورية فارس وليس استرجاع فلسطين والقدس).
كلمات جبن معبرة على خلوّ صاحبها من ارادة مقاومة العدو الصهيوني ولو بأبسط شيء كالكلمة، فالكلمة جهاد ان كنت نسيت (أفضل الجهاد كلمة حق)، وعقل المهزوم كما نعلم لا يهتدي لحلّ أبدا، وعقلية الاستعداد لمواجهة العدو، أفضل طريق لصناعة أسلحة مواجهته، والروح الانهزامية التي بلغها الرجل لا تبشر منه بخير أبدا.
وختم تدوينته أخيرا(ما حصل هو أن مشروعه لم تناسبه الظروف لأن إيران “تفغم” وهو ما زال يحلم بأن عنتريات حزب الله ما زالت “تاكل” ومثله الكثير ممن ذاقوا الفستق وباتوا بعض الليالي من ألف ليلة وليلة في طهران أو في الضاحية).
إيران التي تفغّم حسب تعبيرك التّافه، وصلت الى مستوى لا يمكنك أن تتصوره، فحقدك الأعمى حجب عنك انجازات ايران التي اعترف بها العالم بأسره، رغم كل الوسائل العقابية الاقتصادية والمالية التي استعملتها أمريكا ضدها، والنظام الايراني وشعبه ليسا بعقل الخائف من انقطاع الشهرية يا أبا خبزة، فهو وفيّ لمبادئه الاسلامية، ومضحّ من أجلها ليس بالمال فقط، بل بالأرواح يا عقل داعش المتستّر.
اذا كنت وصفت خط المقاومة بالممانعة، فذلك والله شرف لهم ولأنصارهم، لانهم لا يقبلون ان يعيشوا تحت ذل وصاية فرنسا أو امريكا، وتُكبر الشعوب الحرّة، كل جهد يبذل من اجل ان تتحرر حقيقة، من أخطبوط الاستكبار العالمي، الذي يلقي بثقل املاءاته واحكامه على شعوبهم المستضعفة، فالممانعون هنا في جبهة حق، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله، ونحن الممانعون كفانا اعتراف أعدائنا، اننا اصبحنا قوة يحسب لها الف حساب، هؤلاء رؤوس الاستكبار والصهيونية العالمية أقروا بذلك، ولا قيمة لذيولهم المبصبصة المرحبة بوجودهم، ومؤامرتهم على ارضنا، وتنتظر ثناءهم باستهدافهم لشعوبنا بالخذلان والتثبيط،، عميان القلوب دائما يتحركون خدمة لأعداء الشعوب بلا بصيرة، يستعملهم الغرب وقود فتن، تربك مسيرة شعوبهم عوض ان تنظمها، انظر لنفسك يا ابا يعرب اين تقف؟ فستجد الصهيوني والامريكي بجانبك وفي صفك، فطبل كيفما شئت، وبما شئت، فلن يزيدك ذلك سوى ظهورا على حقيقة نواياك العاطلة.
انت لا تملك أسلوب اقناع جادّ، فقط تحاول فرض رأيك، فرض موحى اليه، ولا وحي لك سوى ما يلقيه اليك شيطانك، بلا اخلاق رجل يدّعي في العلم (فلفسة)، وإنك وضعت نفسك في مأزق لا مخرج له منه، فإمكان الرئاسة التونسية ان تقدم فيك قضية ثلب، تفضي بك قطعا الى السجن، لتكون عبرة لغيرك ممن يتطاولون بوقاحة، على خيارات الشعب ورمزه الذي اختاروه عن قناعة، ولن تنزل اسهم شعبيته، كما تتمنى أنت ومعك الامريكان والفرنسيين والصهاينة، أعداء تحرر الشعوب الحقيقي، استسغته ام لم تستسغه، انتهكت حقوقا عامة وخاصة، كان جديرا بك ان تنتبه لها، وتحرص على عدم الاعتداء عليها، فحريتك تقف عند حدود غيرك، لم تنفعك فلسفتك في تمييز ما يصح قوله، وتسمح اخلاق الفلاسفة من تعبير فمتى تنتبه؟ هذا عطاؤنا لك اليوم ولدينا مزيد