إن الأكاديمي أو المثقف بصورة عامة قبل أن يكون شهادة عليا أومنصبا نوعيا أو ضجيجا إعلاميا هو قبل كل شئ ” موقفا ” بكل ما تعنيه مفردة ” موقف ” من وضوح وجرأة واستمرارية وصدقية معرفية وأخلاقية وبكل ما ترمز له هذه المفردة من انتصار على ضيق الذات وآنانياتها المُعقدة وتجاوزٍ للمصالح الخاصة عندما تصطدم بمقتضيات ” الموقف” وضرورة الانتصار له، ولكن هذا الكلام يبقى مجرد رؤية نظرية مجملة، وقد يتساءل القارئ محقا ، ماهي مناسبة هذا الكلام ؟
والجواب : مثقفون كبار في إسبانيا وفرنسا والسويد وإيطاليا وانجلترا والولايات المتحدة الأمريكية…إلخ يُعلنون دعمهم لحق الشعب العربي الصحراوي في تقرير مصيره متحدين بذلك المواقف الرسمية لحكوماتهم أما عندنا في الجزائر الدولة التي ساندت منذ البداية وتساند حق الشعب العربي الصحراوي في تقرير مصيره فقد صار يخرج علينا من حين لآخر أكاديميون ” تائهون” أو ” فايسبوكيون ” لم يغادروا بعد “أوهام الكهف” أو فارغين شغل ليقترحوا حلولا بلهاء أو خبيثة أو غبية لإنهاء مشكلة الصحراء الغربية في زعمهم مستخدمين حججا لاتعدو أن تكون مجرد استعارة بلهاء أو تأثرا لاعقلانيا بالحملات المستمرة التي تستهدف تشويه حقيقة ودوافع الموقف الجزائري من كفاح وصمود الشعب الصحراوي، والتعتيم على جوهر القضية الصحراوية،والغريب العجيب أن هؤلاء الأكاديميين والفايسبوكيين يتطوعون باقتراح حلولهم تلك وگأنهم مفوضين بذلك، أو كأنهم يحملون الصحراء الغربية فوق رؤوسهم ! مخالفين بذلك الموقف المشرف والثابت – لبلدهم الجزائر- والمُؤَسس على الحق والشرعية والعدل من هذه القضية التحررية العادلة ! ؟ لهؤلاء أقول : إن الشعب العربي الصحراوي له قادته وحكومته وجيشه وممثليه الشرعيين وهم وحدهم من يقررون مصير الشعب الصحراوي..أما عن نفسي فأنا كما كنتُ دائما مع الشعب العربي الصحراوي من أجل ممارسة حقه المشروع في تقرير مصيره ، وأنا مع الموقف الرسمي للدولة الجزائرية في مساندتها للشعب العربي الصحراوي حتى استرجاعه لسيادته على أرض آبائه وأجداده، ولهؤلاء أيضا أقول : الشعب الصحراوي يطالب بحقه في تقرير مصيره فأدعموه أيها الأكاديميون والمثقفون -الجزائريون- في مطالبه المشروعة ، أما إذا لم تكونوا قادرين على دعمه فيمكنكم التظاهر بالحياد الكاذب المُتخابِث أو إعلان دعمكم صراحة لمن يقفون ضد نضال الشعب الصحراوي، فلا مجال هنا لأنصاف الحلول وللمواقف العرجاء فهذه قضية تحررية ومصيرية لشعب بأسره، وليست مباراة في كرة القدم، يمكن لرواد المقاهي أن يرسموا لها أو يقترحوا بصددها ما يرونه مناسبا من سيناريوهات،وليست مجرد ” رواية ” صدرت حديثا قد نقرأها وقد لانقرأ إلا بعض فصولها فتنتزع منا الإعجاب أو تثير فينا الاستياء وينتهي الأمر ! ولابأس هنا أن نُذكِّرَ بثلاثة حقائق بسيطة وفي غاية الوضوح ” لمن ألقى السمع وهو شهيد ” :
الحقيقة الأولى : أن القضية الصحراوية هي قضية تصفية استعمار وبالتالي فإنه لايمكن تصور حل آخر لهذه القضية العادلة إلا عن طريق تمكين الشعب العربي الصحراوي من ممارسة حقه الثابت والمشروع في تقرير مصيره، ومن يتوهم وجود حل آخر أو طريق غير طريق تقرير المصير فهو كمن ينتظر أن تأتي الشمس من المغرب بدل المشرق.
الحقيقة الثانية : أن موقف الجزائر الواضح والثابت من قضية الشعب العربي الصحراوي هو موقف يستند إلى قاعدة مبدئية صلبة ومُوغلة في الإيمان بحق الشعوب في تقرير مصيرها وهو المبدأ الذي يعد جزء لايتجزأ من تكوين وبناء شخصية الدولة الجزائرية ذاتها، ولذلك فإن الجزائر حتى وهي تواجه أصعب الظروف وتتلقى أقوى الإغراءات لم تتزحزح قيد أنملة عن مواقفها فمن الرئيس هواري بومدين إلى الرئيس عبد المجيد تبون موقف الجزائر من قضية الشعب العربي الصحراوي موقف دولة والتزام بمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها لا أكثر ولا أقل، الجزائر لايمكنها أن تخون مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها لأنها إن فعلت فهي عندئذ ستتخلى عن ذاتها وعن جوهر شخصيتها كدولة، وتتحول إلى مجرد إمارة أو سلطنة لاتجد حرجا في الانتقال من موقف إلى نقيضه.
الحقيقة الثالثة : أن الجمهورية العربية الشعبية الديمقراطية اليوم حقيقة من حقائق المجتمع الدولي فهي عضو مؤسس للإتحاد الإفريقي وتحوز على اعتراف عشرات الدول عبر مختلف أنحاء العالم أين توجد سفارات للجمهورية العربية الصحراوية ( تمثيل دبلوماسي كامل ) أما في الدول التي لم تعترف بعد بهذه الجمهورية العربية الصاعدة فإنه توجد أشكال مختلفة ومظاهر حية لحضور القضية الصحراوية على مستوى البرلمانات أو فعاليات المجتمع المدني أو الشخصيات الفكرية والثقافية والسياسية، باختصار القضية الصحراوية انتزعت مكانا ممتازا تحت الشمس ولا يمكن لأية قوة أن تزحزحها عن هذا المكان.
وفي الأخير، أجدد دعوتي لبعض المثقفين والأكاديميين الجزائريين ممن تغيب عنهم بعض الحقائق أن يكونوا أكثر ذكاء وأوسع إدراكا وأشدُّ فعالية في تناولهم وحديثهم عن قضية وعن كفاح الشعب العربي الصحراوي ونضاله التاريخي المجيد من أجل حقه المقدس والثابت والمشروع في تقرير مصيره بنفسه ككل شعوب وأمم الأرض التي سبق لها وأن مارست هذا الحق تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة.