يمكن تعريف الرأي العام في أبسط أشكاله على أنه مجموع المواقف الفردية أو المعتقدات والآراء المتبناة؛ فهو رأي جماعي لكثير من الناس حول بعض القضايا أو المشكلات وما إلى ذلك، لا سيما كدليل للعمل أو القرار أو ما شابه ويتم التحقق عنه عبر استطلاع رأي من عينة من المستطلعين المستهدفين. وعادة ما يكون مصممًا لتمثيل آراء السكان من خلال إجراء سلسلة من الأسئلة ثم استقراء العموميات في النسبة. وهذه الآلية المبسطة هي خلاصة موجزة لمهمة مكتب أبحاث الرأي الأمريكي بهدف دراسة الدول والمجتمعات الأخرى. حيث يعمل على دراسة الرأي العام في الدول التي تشهد نفوذ وفعاليات الولايات المتحدة.
استطلاعات رأي برعاية مجلس الاستخبارات الوطني
يتبع مكتب أبحاث الرأي (OPN) مباشرة لمكتب الاستخبارات والبحوث (INR) التابع لوزارة الخارجية الأمريكية والعضو في مجتمع الاستخبارات (IC). وبعد المكتب جزء صغير جدًا من مجتمع المخابرات الأمريكية. ويبلغ عدد العاملين الأساسيين فيه 300 فردًا، ويعمل مكتب الاستخبارات والبحوث تحت رعاية مجلس الاستخبارات الوطني (NIC) في صياغة وتنسيق المقالات الموجزة اليومية للرئيس (PDB). وقيادة الحكومة الأمريكية لأبحاث الرأي العام الأجنبي وتحليله؛ ويؤمن المكتب برنامج التبادل التحليلي الذي يوفر للمحللين وصانعي السياسات وجهات نظر من مئات الخبراء في السياسة الخارجية من القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والمنظمات غير الحكومية، وذلك حول أكثر قضايا السياسة الخارجية والاستخبارات تحديًا.
“ما نسميه INR هو في الواقع مكتب الاستخبارات والبحث ونحن جزء صغير جدًا من مجتمع المخابرات، هناك 300 منا” تقول ريجينا فاراندا، مديرة مكتب أبحاث الرأي في مكتب الاستخبارات والبحث، في إحدى الندوات حول “استطلاعات الرأي في خدمة السياسة الأمريكية والقوة الناعمة”.
مسح سنوي في أكثر من 100 دولة في كل عام
يعود الأمر إلى خطة مارشال، عندما كانت خطة مارشال بالطبع محاولة لإعادة بناء أوروبا اقتصاديًا. تلك كانت أيام الذروة، ذروة جورج غالوب، وألما روبر، وصانعي السياسة في وزارة الخارجية. كان يُطلق عليه اسم مكتب الحكومة العسكرية للولايات المتحدة، تقول فاراندا أن الأمريكيين حينها قرروا أن ألمانيا بحاجة إلى بعض أدوات العلوم الاجتماعية للبحث الاجتماعي لمساعدتهم على معرفة الأولويات لإعادة بناء أوروبا. ولذا استخدموا العلوم الاجتماعية للإجابة على الأسئلة ذات الصلة مثل أسئلة حول التحول الديمقراطي، واحتياجات المساعدة والمسافة الاجتماعية، وأحزاب التطرف العنيف، ودعم اليمين. وبعد 70 عامًا، تعترف مديرة مركز الأبحاث، “ما زلنا في الأساس مع نفس التفويض، إلى حد كبير نفس الأدوات، على الرغم من وجود المزيد، ونطاق أكبر بكثير وأكثر تعقيدًا. حتى الآن نحن نفعل ربما حوالي 150200250 مسحًا سنويًا في أكثر من 100 دولة كل عام”.
تدّعي فاراندا أن هذه الاستطلاعات توفّر للناس في جميع أنحاء العالم مقعدًا على طاولة صنع السياسة الخارجية الأمريكية. لكنها تقول: “لا نفعل هذا لأننا لطفاء، نحن نفعل هذا لأنه يجعلنا أكثر ذكاءً في كيفية صياغة السياسة الخارجية. يساعدنا على فهم وجهات نظر الآخرين. وهذا هو أساس الدبلوماسية الجيدة”.
الواقع أن هذه العملية تمكّن مجتمع الاستخبارات وصناع السياسات الخارجية، أن يكونوا أكثر تحديدًا وقدرة على تحديد رغبات واحتياجات الناس، وبالتالي يصبحون قادرين على تحديد وسائل التأثير وأساليب القوة الناعمة لتغيير سلوكيات هؤلاء أو تهجينهم بما يتناسب مع مصالح السياسة الخارجية الأمريكية. كما يساعد على توقع الإجراءات العامة، وكيف سيصوّت الناس، ويمكنهم من تقدير مؤشرات عما إذا كانوا سيحتجون، أو جاهزون للتحريض على الاحتجاج، ومن ثم يساعد على تجنب الأخطاء الخطيرة في التعامل مع الجماهير والخطوط الحمر لديهم، وكذلك القدرة على النفاذ من خلال نقاط ضعفهم. “على سبيل المثال، يساعدنا ذلك على فهم متى لن يكون التدخل الأمريكي موضع ترحيب”. تقول فرجينيا فاراندا.
قياس مفهوم القوة الناعمة
إذن ما هي القوة الناعمة؟ لماذا تهم؟ ما هي بعض طرق قياسها؟ الفكرة الأساسية هي أن القوة الناعمة هي القدرة على جذب الآخرين إلى ما يفضله المرء من جانب واحد، دون استخدام الإكراه أو التحريض. تقول فاراندا أن الجمهور يختار اتباع أولئك الذين لديهم القوة الناعمة، إما لأنهم معجبون بهم أو لأنهم يريدون أن يكونوا مثلهم.
تعتمد النظريات الشعبية للثقافة الناعمة على رأس المال الثقافي. لذا فإن فكرة أن يكون هناك تعريف مع الصادرات الثقافية لبلد ما، مثل المطبخ، والتلفزيون، والموسيقى، وهذه الأنواع الحياتية من الأشياء، هو أمر مبهر للشعوب. مثلًا في إفريقيا، كشف تحليل لـ 18 دولة في إفريقيا عن علاقة إيجابية بين حجم إنفاق المساعدات غير العسكرية في بلد ما والآراء الإيجابية له. وهذا ما يسمّى بالقوة الناعمة التقليدية. تميل الولايات المتحدة ببساطة إلى الإنفاق لكي تحافظ على نفوذها وقدرتها على الاختراق في هذه الدول.
بقلم زينب عقيل