الجمعة , 29 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

الانقلاب العسكري في السودان لمن؟ ومن أجل من؟…بقلم: محمد الرصافي المقداد

لم يكن مفاجئا أن يحصل انقلاب في السودان، فعادته كما هي حال الدول العربية، جرت على نحو من التمرّد العسكري، الذي يفضي في اغلب الحالات، الى قيام دكتاتوريات على أنقاض أخرى، بما يعطي انطباعا اوّليا بأن ما حصل، هو قطع طريق الثورة على الشعب السوداني – الذي خرج الى الشوارع للمطالبة بالتغيير- في محاولة لإفلات النظام السابق، من تبعات جرائمه التي ارتكبها، بحق الشعب والبلاد، طوال فترة حكمه التي ناهزت 30 سنة.

الرئيس عمر البشير جاء أولا، ليفرض نفسه رئيسا وحاكما على الشعب، بانقلاب عسكري سنة 1989، وخرج أخيرا من رئاسة وحكم السودان بانقلاب آخر- وهو المتعلق بهما الى اخر لحظة – مما يضعنا امام معادلة عربية فريدة تقول: أن حكام العرب عشاق كراسي الحكم، والتسلّط بها على شعوبهم، أنّه من شدة تشبثهم بزمام قيادة بلدانهم، لا يمكن زحزحتهم بالطرق الديمقراطية، وليس هناك من حل لإجبارهم على ترك معشوقهم، سوى بأحد الطريقين: اما أجل الموت أو بانقلاب عسكري يطيح بهم.

لقد تميزت بصمات حكم البشير، بفترات حالكة في تاريخ السودان، اهمها انفصال جنوب السودان عن الوطن الأم، وضياع 620.000 كلم2، وخروج أكثر من 12 مليون مواطن سوداني من هويّته الاصلية الى أخرى حرّضت عليها أمريكا ودول الغرب، بسبب موارد الجنوب الطبيعية الواعدة ومنها النفط، ولئن كانت اسباب الانفصال قديمة ومتراكمة ويشترك فيها السودانيون جميعا في اعتبار اهل الجنوب عبيدا لهم، دفعت تلك العقلية المتخلفة الى اعتناقهم المسيحية، بواسطة بعثات التبشير التي اتخذت من المعاملة السيئة، مستمسكا للنفاذ الى قلوب الجنوبيين، وسهولة تحويلهم من الوثنية الى المسيحية.

ما حدث في السودان، يعتبر قطع طريق على ثورة شعب، يستحق بكل المقاييس أن يقرر مصيره بنفسه، بعدما جرّب وكالات الانقلابيين العسكريين، حلّت محلّ دكتاتوريات عسكرية حكمت قبلها،

المؤسسة العسكرية العربية بصفة عامة، والسودانية بصفة خاصة، تدرب ضباطها على تخصصاتهم العسكرية في دول الغرب امريكا بريطانيا فرنسا. ولا اعتقد ان لا يكون لها تواصل مع المخابرات العسكرية لتلك القوى الكبرى، المتحكمة بالأمس بأغلب دول العالم الثالث، فما ظنك اليوم، وهي في اوج العبث بمستقبل تلك الدول الخاضعة لها، فيما اصطلحت عليه بالربيع العربي، الذي تعرى تماما بحقائق ما افضى اليه، فاذا هو خريف عبري، بما حمله من تطبيع مع الكيان الصهيوني.

عرفت البلدان العربية بالانقلابات العسكرية، ولها الريادة عالميا في هذا المجال، حيث عد لها ما يزيد 120 انقلابا نجح منهم 39 وفشل 83 ، وتأتي السودان في المرتبة الثالثة بعد سوريا وجزر القمر، فقد شهدت اكثر 10 انقلابات عسكرية – وتعد من بين الدول العربية الاكثر تحركا عسكريا – لم تنجح منها سوى 3 ولم يكن فيها ما يرجى منها خير.

قائد الانقلاب العسكري ضد الرئيس عمر البشير، هو الفريق الأول عوض بن عوف، وزير الدفاع، رجل النظام السعودي ويدها في السودان، ومناصرها في عدوانها (عاصفة الحزم) ضد اليمن، ومن أشد المتحمسين لمشاركة القوات السودانية في الحرب على اليمن، تحت قيادة السعودية والإمارات، وقد أعلن في بيان عسكري عن جملة من الاجراءات، كاعتقال الرئيس عمر البشير، والتحفظ عليه في مكان آمن ( وما يهمّ الشعب أمن دكتاتورهم من عدمه) والبدء بفترة انتقالية لمدة عامين ( كما جرى أسلوب الانقلابيين لبسطوا أيديهم على البلاد) وفرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وحظر التجوال لمدة شهر، من الساعة العاشرة مساء الى الرابعة صباحا،( لقتل روح الثورة المتأججة في نفوس الشعب).
وقد  رفض المتظاهرون ما أعلنه الفريق أول عوض بن عوف، عن توليه مجلساً عسكرياً، يحكم البلاد لمدة عامين، وذلك خلال اعتصامهم السلمي أمام مقر قيادة الجيش، وتمسكهم بالبقاء في مواقعهم بالشوارع، بدعم من جميع مكونات المجتمع السوداني السياسية والاقتصادية والمدنية، حتى الخلاص من رموز النظام المنتهية صلاحيته جماهيريا، والمجلس العسكري المنقلب على رئيسه، مطلوب منه الرحيل بدوره، لأنه جزء من النظام  المنحل،  لتورطه في الحالة التي وصل اليها السودان اليوم، وهذا الطلب تصرّ عليه الجماهير السودانية.  الملفت للانتباه عوض بن عوف، ارتقاؤه المريب في سلم الرتب العسكرية، وصعود نجمه سريعا، من ضابط بالجيش السوداني، إلى رئيس للاستخبارات العسكرية، ثم وزيراً للدفاع، فرئيساً للمجلس العسكري في السودان، لم يكن عن جدارة مهنة تحسب له، وانما كان بدفع واعداد خارجي، من جهات خارجية خليجية وامريكية، تريد من خلاله تصفية بعض الملفات العالقة بالشأن السوداني، وارتباطاته الخارجية، كالادعاء على عمر البشير ولفيفه العسكري، بتورطه في الاشتراك بجرائم حرب.
جدير بالذكر، أن رئيس المجلس العسكري، تلقى تعلمه في مصر، وتشابه مسيرته العسكرية بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شخصية ومناصب، وارتقائهما في المناصب التي أسندت اليهما، وصعودهما المفاجئ من ضابطين بالجيش، إلى رئيسي الاستخبارات العسكرية، ثم إلى وزيري دفاع، حتى تصدرا المشهد في كلا البلدين، وهذا التطابق يجعل السودانيين  في حذر من تكرار السيناريو المصري، فيعمل فيهم ابن عوف بسياسة فرق تسد، لينفرد بعدها في اصطياد المعارضة وتصفيتها تيارا بعد اخر، وميله الشديد للنظام السعودي، يضعنا أمام فرضية منطقية، تقول إن كان عمر البشير دكتاتورا سيئا، فإن هذا الخلف سيكون حتما أسوأ منه.
وكشفت مصادر إعلامية عن أن دول الحصار السعودية والإمارات ومصر تبادلت معلومات استخباراتية بشأن مستقبل السودان بعد البشير، مشيرة إلى أن الإمارات ترى في صلاح قوش، مدير الاستخبارات بديلا، وهو رجلها الأقوى في السودان، وتعمل من أجل دعمه، بينما ترى السعودية في ابن عوف خيارا مناسبا باعتباره من أقرب العسكريين إليها، هكذا بكل وقاحة يتكلمون وبجرأة متناهية، دون أدنى اعتبار للشعب السوداني، ورغم ذلك تتعالى أصواتهم المنكرة، باتهام ايران بالتدخل في شؤون البلدان العربية، وهي البريئة من كل ذلك، هكذا تستمر فضائح الانظمة العربية وتذيّلها لأعراب الخليج طمعا وعمالتها لأمريكا والغرب رهبا وذلّة، قد صمّت لآذانهم عن كل صوت حق ونداء مصلحة، ليستمر مسلسل هوان الامة العربية على العالم.

فهل سيفرط الشعب السوداني في ثورته السلمية، بالانصياع الى أوامر الانقلابيين الجدد؟ أن أنه سيستميت هذه المرة في نيل جميع مطالبه المشروعة، ولو كلفه ذلك من الشهداء ما كلفه؟

اعتقد أن المشهد الدمويّ سيكون حاضرا في شوارع السودان- اللهم الا اذا حدثت معجزة تحول دون ذلك- ولن يكون الثمن الا بمقدار تشبث المجلس العسكري الجديد بالسلطة، ومجال فرار ضباطه من السودان ضئيل، تمنياتي القلبية للشعب السوداني بنجاح ثورته – جعلها الله استثناء في هذا الخريف العبري- وطي صفحة الانقلابات العسكرية المقيتة.

 

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024