جاء إعلان الاتفاق الدفاعي السوري الإيراني المشترك بالتزامن مع اعتراف أفيغدور ليبرمان وزير الحرب الصهيوني السابق بفشل جميع المحاولات العسكرية والسياسية للتخلص من الوجود الإيراني العسكري في سورية، في تتويج لحالة من اليأس الصهيوني من جدوى محاولات زعزعة شراكة استراتيجية قامت وتوسعت بين دمشق وطهران منذ أربعين عاما وتوثقت في السنوات الأخيرة بفضل مبادرات إيرانية لدعم الصمود السوري في جميع المجالات الاقتصادية والعسكرية، وعمدتها تضحيات جليلة قدمها القادة والجنود الإيرانيون في معارك الدفاع عن سورية.
اولا
شكلت تصريحات ليبرمان نعيا لسنوات من الغارات والعمليات المتواصلة والعروض التفاوضية المتعددة والضغوط والمساومات الأميركية المباشرة وبالواسطة التي تمحورت حول إختبار فرص إضعاف التحالف السوري الإيراني وإرغام القيادة السورية على وقف برامجها لتطوير التعاون الدفاعي المكرس باتفاقات سيادية رفضت دمشق أي تدخل او نقاش اجنبي بشأنها لاسيما من جانب الغرب والولايات المتحدة بينما اكدت القيادة الروسية جهارا وفي مناسبات عديدة ان هذا التعاون هو شأن يخص الدولتين وحق سيادي لهما وهي لم تخف كونها الحليف والشريك الاستراتيجي لكل من سورية وإيران في مجابهة الغطرسة الأميركية الغربية وفي الحرب ضد عصابات الإرهاب الداعشية القاعدية التي كانت ادوات حرب أميركية بالواسطة تستهدف البلدان الثلاثة معا وكان خطرها وما يزال اهم محفزات التعاون السوري الروسي والتواجد العسكري لروسيا على سواحل المتوسط في دفاع استباقي عن امنها القومي ولحراسة منظومات الشراكة الاقتصادية والدفاعية السورية الروسية.
ثانيا
حاولت آلة الدعاية الأميركية والغربية وأبواقها العربية الممولة من حكومات خليجية بناء رواية افتراضية عن تعارض روسي مع سورية وإيران بنته على ما زعمت انه التزامات روسية لحكومة تل أبيب تم إملاؤها على سورية لإبعاد أي تواجد إيراني على الأرض السورية عن جبهة الجولان في حين ردت طهران ودمشق بالتوازي باعتبار مواقع التواجد شأنا ثنائيا تقرره القيادتان في ضوء الحاجات الدفاعية السورية ، بل وتوسع الخيال في نسج الأكاذيب عن منافسة إيرانية روسية في سورية وتفرعت عن تلك الروايات فرضيات سخيفة تتصل بالداخل السوري وحساباته وتوازناته ورغم ان الوقائع تؤكد صلابة وتماسك القيادة السورية وولاءها للرئيس بشار الأسد كما تشير إلى صلابة الدولة الوطنية السورية وثباتها رغم سنوات الحرب العدوانية المستمرة وشدة الحصار الاقتصادي الذي تواجهه سورية بمقاومة راسخة وبالاعتماد على قطاعاتها الإنتاجية وباستمرار كفاحها لطرد الاحتلال الأميركي ولإنهاء التدخل التركي واسترجاع مواردها الوطنية التي جرى الاستيلاء عليها في الشرق والشمال ، وهذه المعركة بكليتها يخوضها السوريون بدعم كبير روسي وإيراني وصيني.
ثالثا
الاتفاق الدفاعي الجديد الذي وقعه وزير الدفاع السوري ورئيس الأركان الإيراني يطور مستويات التعاون ويوسع من مجالاته بما يحقق تعزيز القدرات السورية في ميادين دفاعية عديدة اهمها منظومات الدفاع الجوي وتثبت القيادة السورية مجددا براعة وحكمة في تحقيق التكامل بين مساهمات حلفائها وما يقدمونه من دعم عسكري وسياسي والكيان الصهيوني هو اول من يخشى النتائج والانعكاسات الميدانية لتطور التعاون السوري الإيراني وثماره في مجالات الدفاع الوطني السوري وقدرات الردع الاستراتيجي للتهديد الصهيوني لأن استعادة متانة القوة العسكرية السورية التي مثلت من عقود مصدرا للقلق الاستراتيجي وخصوصا بفعل دورها المتعاظم في احتضان ودعم فصائل المقاومة وقد ذكر تقرير فينوغراد بعد حرب تموز 2006 ان معظم الصواريخ التي استخدمها حزب المقاومة اللبنانية في دك العمق الصهيوني كانت من صناعة سورية وهو ما تضمنته التقارير الصهيونية عن حربي غزة الأخيرتين ، ومن هنا ستبقى العين الصهيونية على معامل الدفاع السورية ونشاطها بعد الاتفاق لرصد ما يمكن ان تشهده مجالات التعاون في التصنيع العسكري وتوطين تكنولوجيا الصواريخ الدقيقة التي باتت هاجسا مقيما في تل أبيب خلال السنوات الاخيرة ، ولكن في تاريخ التعاون السوري الإيراني شواهد تفيد بان التصريح عن المنجزات يعقب تمامها غالبا وما يظهر منها في الاتفاقات والتصريحات ليس سوى القليل بهدف الاحتفاظ بما امكن من المفاجآت الصادمة في أي اختبار للقوة قد يلجأ إليه العدو.
رابعا
بعد انتصار الثورة الإيرانية قام التحالف السوري الإيراني وهو صامد ينمو ويتوسع منذ ذلك الوقت بمضمون الشراكة الاستراتيجية الشاملة ولم تزده التحديات إلامتانة وقوة وانهارت امام صلابة الموقفين السوري والإيراني جميع الضغوط والمساومات وفي أصعب الظروف فتقدمت الشراكة وتعززت الثقة بين الجانبين وتحول التحالف إلى محور للمقاومة والتحرر على مستوى المنطقة ، تربطه مصالح مشتركة ومتشعبة مع حلفاء كبار تتقدمهم روسيا والصين وقد أثبتت التجربة أن هذا التحالف الثنائي متجذر في وعي القيادتين السورية والإيرانية وهو مرتكز حاسم لإرادة الاستقلال والتحرر الوطني والحاضن الاستراتيجي لحركات المقاومة الشعبية التي يقدم لها العون والمساعدة بجميع الوسائل المتاحة .
يتسم الاتفاق السوري الإيراني بطابع استراتيجي هام في المرحلة التي تتهيأ فيها سورية للنهوض بقدراتها الدفاعية الرادعة واسترجاع كامل ترابها الوطني وثرواتها الوطنية لتطلق إعادة البناء حصينة قوية وهي تتأهب بذلك لدور ريادي كبير في المنطقة العربية بعدما تخيل المتآمرون والمعتدون انهم تمكنوا من شطب الدور السوري في يوميات الصراع على مستقبل الشرق وهويته فالديناميكية السورية الإيرانية تمهد بمتانة المعادلات الدفاعية لتحولات استراتيجية لن تلبث ان تشرع في الظهور والغد لناظره قريب.
(رئيس مركز الشرق الجديد للإعلام والدراسات)