الثلاثاء , 26 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

الحسين (ع)…المدرسة الثوريّة الراقية…بقلم حازم العواضي

المهاتما غاندي الرجل السياسي الديني لدى الهندوس، ومحرر الهند من أعتق النظم الإستعمارية والذي درس المحاماة في بريطانيا وعمل في جنوب أفريقيا، وهو صاحب فلسفة ”الساتياغراها” اللافتة للنظر والتي تعني ”اللاعنف في مقاومة الظلم”، وهي موجودة لدى العديد من أكارم الرجال في العالم، والذين يرون أن الأهم في هذه الحياة هو دوام على طلب الحقيقة مهما كانت ..و سيطرة الأخلاق والمنطق ومكارم الأعمال على صفات الإنسان لأنّها الوحيدة التي تليق بالشخص النبيل أياً كان ومن أي مكان…وهي السبيل الوحيد لتحريره من كلّ السجون المعنويّة والماديّة.

ولقد لَفت إنتباه العديد من النُقّاد كتابه ”قصة تجاربي مع الحقيقة”، وعُدّ واحدا من الكتب النادرة التي ختمت عصرا وبدأت عصرا آخر، وقد خَطّ فيه غاندي بقلمه، سيرة حياته ومشواره النضالي.

وبعد اطلاعي على هذا الكتاب، حاز إهتمامي مدى رفعة هذا الرجل وإنسانيّته، ومدى إحاطته ووسع معرفته للديانات والحضارات والثقافات المتنوّعة التي حاول أن يُجبل نفسه بها دون أن تقتلعه من جذوره بحسب قوله…، وكمسلم، إستوقفني موقفه من الإسلام ودرايته بالتفاصيل والأهداف الإنسانيّة لثورة الإمام الحسين عليه السلام، حيث قال ” ـ أنا هندوسي بالولادة، ومع ذلك فلست أعرف كثيراً من الهندوسية، واني أعزم أن أقوم بدراسة دقيقة لديانتي نفسها وبدراسة سائر الأديان على قدر طاقتي. وقال: لقد تناقشت مع بعض الأصدقاء المسلمين وشعرت بأنني كنت أطمع في أن أكون صديقاً صدوقاً للمسلمين. وبعد دراستي عميقة لسائر الأديان عرفت الإسلام بشخصية الإمام الحسين ”.وخاطب الشعب الهندي بالقولة المأثورة: “على الهند إذا أرادت أن تنتصر فعليها أن تقتدي بالإمام الحسين”. وهكذا تأثر محرر الهند بشخصية الإمام الحسين ثائراً حقيقياً، وعرف أن الإمام الحسين مدرسة الحياة الكريمة ورمز من رموز الثورات الإنسانيّة وقدوة في مكارم الأخلاق وقيمها ومقياس الحق.. وقد ركّز غاندي في قوله على مظلومية الإمام الحسين بقوله: ”تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فانتصر”.

ربمّا لا أخفي إزدياد إعجابي بإنسانيّة شخصيّة المهاتما غاندي، خاصة بعد تعرّفي على موقفه من الإسلام وتأثره بِقِيام الحُسين، كما أنّي لا أخفي إستغرابي من غياب معالم الثورة الحسيّنية من ثقافتنا العربية الإسلاميّة أو بالأحرى تغييبها من القاموس الثوري للإسلام والوعظ الديني للإستبصار، في بعض أقطارنا العربيّة، لأسباب يعرفها الكثير ممن بحثوا ودرسوا التاريخ …، وأمام حالة الركود الفكري وغياب الوعي وفقدان الحسّ الإجتماعي في الوطن العربي، وإختلاط المفاهيم، فلم نعد نفرّق بين الثورة التغيريّة والفوضى الثوريّة، ولم نعد نميّز بين بناء الأوطان وهدمها، وزاد الإشتباه بين السياسة في الإسلام والإسلام المسيّس، إضافة إلى تكالب الأمم علينا وضياعنا نحن العرب بينهم لضعفنا وهواننا، وجدت في ثورة الحسين القبس الفكري الذي يوضح لنا حقيقة المفاهيم، والوازع الديني الذي يضيء لنا المسير، والحضور الواعي الذي تمتزج فيه المسؤوليّة بالتضحية. فلنتحدث ولو بالإقتضاب، من هو الحسين وما أبعاد ثورته ….

الحسين هو إبن عليّ وفاطمة بنت محمد بن عبد الله عليهم صلوات الله، شعار ومدرسة وتيّار كفاح وجهاد رسالي وسياسي فريد في تاريخ الإسلام …لذلك كان دوره كبيرا وأثره عظيما في الحفاظ على أسس الإسلام المحمدي، فقد كان قوّة دافعة ومحرّكة في أحداث التاريخ الإسلامي وخصوصا الثوري منها على مدى أجيال وقرون عديدة، ولم تزل نهضته وحركته ومبادئه تتفاعل وتؤثر في الضمائر الواعية للأمة الإسلاميّة وتجعل منها قاعدة متينة لصياغة المجتمع الربّاني. لقد كانت هناك عوامل ودواعي سياسيّة وإجتماعيّة ورساليّة دفعت الإمام الحسين عليه السلام إلى التحرّك والثورة ومواجهة يزيد بن معاوية، وفي مقدمة هذه الدواعي هو إنتهاك المبادئ التي يقوم على أساسها الحكم في الإسلام، فيزيد لم يحترم رأي الأمة، ولم تكن هناك سيادة للقانون والقيم، ولم يكن عادلا في التوزيع الإقتصادي، إضافة إلى عدم كفاءته وإستقامته في تولي شؤون الأمة وتسيير مهام الحكم والسياسة وعدم قبوله للنصح والنقد، وحين رأى الحسين الأوضاع والظروف السياسيّة والإجتماعيّة، وتوجه السلطة وسياستها لا تلتزم بالمبادئ … وأنّ الأمة تعيش حالة من الحيرة والضياع السياسي، وأنّ تعاليم الإسلام مهددة،وإنطلاقا من الشعوره بالمسؤوليّة التارخيّة شخّص واجبه ووظيفته الشرعيّة كإمام وقدوة في أن يؤدي دوره السياسي والعقائدي؛ لذا كانت هذه الثورة …ثورة غنيّة بالدروس والعبر ففيها التضحية بالمال والأهل والمكانة الإجتماعيّة وفيها تحدي للإرهاب والقسوة، فقد قطع الحسين عليه السلام مئات الأميال وسار الليالي والأيام وتحرّك عبر ظرف سياسي عصيب ووطّن نفسه على التضحية والفداء فقُتل هو وأبنائه وأهل بيته وأصحابه ومثّل بأجسادهم وسُبيت النساء إلى الشام . وبالرغم من قتله فقد إنتصر تارخيّا وبقيت قضيّته عبر التاريخ تُحرّك المظلومين على الظالمين وهو عين ما أراده الحسين عليه السلام . وبقي شعاره يوقظ الضمائر الحرّة ويحرّك في تاريخ الإنسان روح الثورة والجهاد ضدّ الظلم لأجل العدل والإنسانيّة والأخلاق ”لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أُقرّ إقرار العبيد ”.

 

شاهد أيضاً

ما يمكن استخلاصه من العرض المسرحي (واقعة الطف) من أثر في الأنفس…بقلم محمد الرصافي المقداد

تميّزت قرية الجرسين بولاية قبلي بخصال طيّبة اجتمعت فيها، قلّما اجتمعت في قرى اخرى، فهي …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024