الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

الرئيس الجزائري الراحل “هواري بومدين”.. جذور وأجنحة …

ناصر الزعيم الراحل  “بومدين ”  القضية الفلسطينية لتحقيق حل شامل وعادل للقضية ، وبمناسبة ذكرى ميلاد الرئيس الراحل “هواري بومدين”- 23 أوت من كل سنة – رأيت أنه من الواجب أن أشير إلى نبذة عن الرئيس الراحل ومعرفة جزء من شخصيته لفهم جذور الموقف “البومديني” من القضية الفلسطينية التي قال عنها: “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة ”  وقوله بعد نكسة 1967 ” إن التاريخ سيحكم علينا والجزائر لن تقبل بالهزيمة ” وهو المتسبب في حماسة الجزائريين الشهيرة للقضية الفلسطينية ، وغيره من المواقف المشرفة في لمحة سريعة بمقالي هذا لان شخصية بومدين لا تسعها عشرات الكتب والملتقيات .

ولد الرئيس “هواري بومدين” في 23 أوت 1932 بمنطقة ريفية بولاية قالمة تعرف بمنطقة بني عدي ببلدية عين حساينية “كلوزيل” سابقا “هواري بومدين” حاليا تبعد بـ 18 كلم غرب ولاية قالمة ،اسمه الحقيقي “محمد بوخروبة” ، ولد معنيا به من أب موجه حكيم هو الحاج “إبراهيم” -1901الى 1967- من مواليد المنطقة نفسها وأم عطوف حنون هي “تونس بوهزيلة” ،تتكون أسرته من سبعة أطفال (زكية ،العارفة،محمد،عبد الله،عائشة ، الزهرة ، السعيد) أكبرهم “محمد ” الاسم الذي أطلقته الأسرة على ابنهم البكر تيمنا بالرسول (ص) ككل العائلات الجزائرية وله أربع أعمام هم :الطيب ،علي،صالح،عمر.

نشأ الطفل “محمد بوخروبة” في أسرة فلاحية فقيرة تعرضت للطرد من أراضيها الخصبة ببلدية “هيليوبوليس” سنة 1850 من طرف الاستعمار الفرنسي ليعيد توزيعها على المعمرين مما اجبرها إلى الاستقرار بمنطقة بني عدي الجبلية  صعبة التضاريس ذات المحصول الهزيل الذي لا يؤمن حتى الاحتياج الغذائي للعائلة ، إلى جانب تربية بعض الحيوانات ، فترعرع “محمد بوخروبة” في منطقة بين أحضان الفطرة  ، مما جعله يواجه ظروف الحياة الصعبة منذ نعومة أظافره ويكسب صلب العزيمة وشدة التحمل ، فاكتسب قوة وصفاء العقيدة، وصلابة الدين ، وقوة ووثاقة الجسم، وسلامة الحواس ، نشأ على البساطة في المعيشة والطهارة في السلوك والمتانة في الأخلاق والاعتدال في الصحة البدنية.

التحق “محمد” بكتاب القرية وعمره لا يتعدى ثلاث سنوات، ليحفظ القران الكريم ،وقواعد الدين وسيرة النبي (ص) وصحابته، حيث شهد له معلمه “محمد سريدي” بتفوقه ومثابرته في الحفظ فكان يحفظ ثلاث لوحات دروس في اليوم الواحد، مما ساعده على حفظ القران كله قبل سن العاشرة – كما أورده في خطاب رسمي بمناسبة انعقاد المؤتمر الإسلامي الثاني بلاهور في 23 فيفري 1975- فقد أبدى “محمد” اجتهادا كبيرا في الدراسة، وحبا قويا للعلم، مما جعله موضع اهتمام معلمه وأسرته، وذاك بتسجيله بمدرسة “لامبير” سنة 1938 “محمد عبده” حاليا بمدينة قالمة البعيدة عن قريته دون نقل متوفر، ليتحمل “محمد” وهو في سن السادسة  مشاقة الذهاب مشيا في الصباح الباكر، والعودة مساءا متأخرا بين الحقول والأحراش ، (أكثر من عشرين كيلومتر) ولم يؤثر ذلك على حفظ دروسه وانجاز واجباته ، لكن الحاج “إبراهيم” لم يتحمل تضحيات ابنه،فقام بإيواءه لدى عائلة “دغمان” بمدينة قالمة بالحي الأهلي  “بن بوالعيد” اليوم مقابل معلوم من القمح والشعير ، ليكلل مشوار”محمد” الدراسي بحصوله على شهادة التعليم الابتدائي سنة 1946 بتفوق كبير بين أقرانه ، عاد على إثرها إلى بيت أسرته بدوار بني عدي ليواصل حفظ القران وتدريس أطفال قريته ،حتى حل خريف 1948 ليشد الرحال إلى مدينة قسنطينة .

كل من عرف “محمد” وهو تلميذ بمدرسة “لامبير” يشهد له باستقامة الأخلاق وسمو وعزة النفس وعلو الهمة ، كان مجتهدا صبورا خجولا ،لايفشي سرا من أسراره ،ولا يبوح بألم من ألامه، دأبه العكوف على نفسه يسير أغوارها، ويستلهم أسرارها،جعل لحياته برنامجا كله زهد وورع وتقوى وعقيدة وجهاد وايمان ،زاهد في كل شيء من متع الحياة ،ونظرا لحرمانه كغيره من أبناء الجزائريين من متابعة دراسته الثانوية في المؤسسات الاستدمارية اتجه “محمد بوخروبة” نحو معهد الكتانية بمدينة قسنطينة لينتهل من مناهلها ما طاب له من المعارف ، وأقام بدار الطلبة الملحقة بالمعهد داخل سوق العصر.

استدعي الشاب محمد عام  1950لاداء الفحص الطبي الذي أهله للالتحاق بالخدمة الإجبارية عام 1951 ، فجند العقل والروح والجسد للتخلص من أداء الخدمة العسكرية ،لانه رأى فيها ما ينافي ويخالف همته وطبيعته ، فأخذ يفكر جديا في تطوير تعليمه بالرحيل إلى الأزهر بالقاهرة ، ليضرب عصفورين بحجر:  التخلي عن أعين فرنسا التي أخذت تضايقه بمسألة الخدمة العسكرية، وثانيها الاستفادة من مناهج التعليم العصري وتمكينه من مواصلة تعليمه العالي

في شهر جانفي 1951غادر رفقة ثلاثة من زملائه دون أن تسمح له الأوضاع بتوديع الأهل والخلان ، لم يثنه عن بلوغ أهدافه الأعاصير، ولم ترده التيارات المختلفة ، ولا الأهواء المتباينة ، كانت رحلة طويلة تخللتها الكثير من المصاعب الشاقة ومحفوفة بالمخاطر، ولم يكن يملك شيئا من أساليب العدة لمواجهة أهوالها، استوقفتهم المحطات التالية : تبسة ،فابس ،بن قردان ،طرابلس ،بن غازي ،مرسى مطروح الاسكندرية فالقاهرة التي بلغها بعد ان قطع 4500كلم ،وكان ذلك اواخر شهر فيفري 1951.

أقام “محمد بوخروبة” بالقاهرة متخذا من احد محلات مكاتب تحرير المغرب العربي مسكنا جماعيا رفقة خمسة من الطلبة الجزائريين ،أربع سنوات في مصر عاشها “محمد بوخروبة ” في فقر مدقع اللهم ما يجود به مكتب رابطة المغرب العربي من مساعدات ضئيلة ، كما انه حرم نفسه من منحة الفنصلية الفرنسية وكرس مدة إقامته في توسيع معارفه وتعميقها وتعزيز رصيده المعرفي بالتكوين السياسي من خلال المشاركة في حلقات نقاش المواضيع السياسية مع الطلبة العرب ، تهيكل الشاب محمد في مكتب رابطة المغرب العربي للاستفادة من التكوين السياسي كما انه استفاد من التدريبات العسكرية التي تقدم للشبان العرب .

ظل “محمد” وهو طالب بالقاهرة مرتبطا بوطنه الجزائر وبمحنه اليومية من جراء الظلم الاستدماري وقهره لأبناء الشعب الجزائري ، ولما اندلعت ثورة أول نوفمبر تفاعل معها وترجم ذلك بانضمامه إلى تجمع وطني للطلبة الجزائريين تحت إشراف القائد “احمد بن بلة” واستفاد من خلاله من عدة حصص تدريبية عسكرية وهذا يدخل في إطار اعد ادهم عسكريا للالتحاق بصفوف الثورة .

اختير “محمد بوخروبة” لمرافقة الفريق الذي سينقل إلى الجزائر شحنة من الأسلحة الخفيفة والمتنوعة على متن اليخت “دينا” الذي انطلق يوم 28 فيفري 1955 من ميناء “الإسكندرية” ليرسو بميناء “مليلة” بالمغرب ليلة 28 مارس 1955، وهنا تم تفريغ الأسلحة وتحويلها نحو منطقة الغرب الجزائري، وهنا تبرز شخصية المجاهد “هواري بومدين” – وهو اسم اختاره “بوخروبة” لنفسه حتى لا يتمكن الاستعمار من التعرف عليه – الثوري المثقف ، العملي المنظم ،ذا الحد الأدنى من التكوين العسكري ، هذه السمات جعلته موضع اهتمام من طرف قائد منطقة وهران آنذاك الشهيد” العربي بن مهيدي” الذي ألحقه مباشرة بقيادته وأوكل أمره إلى نائبه “عبد الحفيظ بوالصوف “الذي كلفه بقطاع الاتصال والاستعلامات .

 ظل “بومدين” يتدرج في سلم القيادة فبعد انعقاد مؤتمر الصومام عين بومدين نائب لقائد الولاية الخامسة، وسرعان ما خلف قائده على رأس الولاية الخامسة برتبة عقيد وعمره لم يتجاوز الـ 25 سنة وهذا نظرا لتحكمه في زمام الأمور العسكرية والسياسية ،وعبقريته في التنظيم والتحكم في مقاليد الأمور واستقلاليته في الرأي والمبادرة ، فعل المعارك  في الميدان الحربي وفق مخططات عسكرية عصرية ، وكانت صلته وثيقة خاصة برجال سلاح الإشارة والشفرة والاستعلامات ، واجه الإستراتيجية العسكرية الاستعمارية بحزم وجدية معتمدا على الشباب المثقف فنجح في ظرف وجيز من تنظيم منطقة الغرب الجزائري عسكريا و مد نشاطه الى وسط البلاد وجنوبها على مستوى الولايتين الرابعة والسادسة .. 

في أكتوبر 1958 يعين “بومدين” على رأس لجنة العمليات العسكرية (كوم) بالغرب الجزائري وقاعدتها “بالناظور” بالمغرب ، نجح مرة أخرى في تنظيم قيادة العمليات العسكرية الغربية في جهاز متصاعد الطاعة بفضل حزمه وصرامته .

في 16 ديسمبر1959 قرر المجلس الوطني للثورة الجزائرية إنشاء قيادة أركان عامة لجيش التحرير الوطني وأوكل رئاستها إليه وقام هو بدوره باختيار القادة المقريين إليه أمثال : “علي منجلي” و”قايد احمد” ولم يتأخر “بومدين” في بناء جيش قوي عسكريا وحتى سياسيا، وإعادة هيكلة جيش التحرير الوطني بتوحيد وحداته في شكل فيالق وكتائب وفصائل منظمة، مهتها الأساسية هي تفعيل العمليات على خطي شال وموريس بقوة حتى أواخر شهر مارس 1962 تاريخ وقف إطلاق النار، كما جسد أفكاره في تنظيم حياة اللاجئين الجزائريين بعد نقلهم من محتشدات الاحتلال .

بتوليه رئاسة هيئة الأركان العامة وهو أعلى منصب عسكري في الثورة ،بدأ بومدين يفكر فيما بعد الثورة أي مرحلة الاستقلال، هذا ما دفعه لبناء جيش حديث قوي ومنضبط يواجه المخططات العسكرية الفرنسية ويساهم في بناء دولة الجزائرية بعد استرجاع السيادة الوطنية .

دخل “هواري بومدين” على رأس الجيش إلى الجزائر العاصمة يوم 03 أوت 1962 ، وعند تكوين حكومة الاستقلال بقيادة “بن بلة ” عين بومدين وزيرا للدفاع  سنة 1962 ثم نائبا لرئيس مجلس الوزراء سنة 1963 …

حكم بومدين في 19 جوان 1965 الى غاية ديسمبر1978، تميزت فترة حكمه بالازدهار في جميع المجالات خاصة المجال الزراعي كما قام بتأميم المحروقات ، عمل على تقوية الدولة من خلال الزراعة والصناعة والثقافة ، أما عن السياسة الخارجية فقد جعل الجزائر ركنا للصمود والمواجهة كما كانت الثورة الجزائرية درسا يحتذي به من الشعوب المستضعفة ،دعم صادقا  القضية الفلسطينية إلى حد كبير  حتى قال مقولته التي لا تزال تردد لليوم “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة ” 

توفي “هواري بومدين” صاحب مقولة ” دولة لا تزول بزوال الرجال ” صباح الأربعاء 27 ديسمبر 1978 على الساعة الثالثة وثلاثون دقيقة فجرا بسن مبكرا جدا ستة واربعون سنة ، وافتقدت الجزائر أعظم رجالها.  

الرئيس الراحل ” هواري بومدين “

ينتصب تمثال من البرونز للرئيس بومدين بوسط مدينة قالمة شرق الجزائر.

 

            

 

شاهد أيضاً

على مشارف الذكرى السبعون للثورة الجزائرية: وزارة المجاهدين تنظم ملتقى الذاكرة واشكالية كتابة التاريخ الوطني…بقلم ياسين شعبان

يُكتب (بضم الياء) التاريخ في جانب منه من الذاكرة وكلما نشطت الذاكرة وأبدت القدرة على …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024