أن يعترف قائد قوات الدعم السريع السودانية، ونائب رئيس المجلس الإنقلابي العسكري بالسودان محمد حمدان دلقو، بأن بلاده تشارك بأكبر قوة في تحالف الأعراب على اليمن، بتعداد مقداره اكثر من ثلاثين ألف فرد، بدعوى أن الاموال التي رصدتها السعودية والامارات من أجل ذلك، دخلت حساب البنك المركزي السوداني وليس في حسابه، فذلك منتهى الوقاحة من جانبه ومنتهى اللا مسؤولية من جانب شعب سوداني، أصبح يشار اليه بالبنان على أنه يكاد يفقد قيمه ومبادئه، بحيث لم يعد لديه اعتبار لأرواح مواطنيه – من جنود مشاركين في عدوان، ليس لهم مصلحة واحدة فيه- وهي تزهق من أجل الإستقواء على شعب شقيق ولا لارواح أبرياء الشعب اليمني، وهي تموت على أيدي ابناء السودان، الذين يفترض ان يكونوا في مهمة الدفاع عن بلادهم أوّلا، ومؤامرات الغرب تفتتها الى اقليم انفصالية، او الدفاع عن قضايا أمتهم العالقة كقضية فلسطين، لا ان يكونوا طرفا ثقيلا في مؤامرة دبرها ال سعود وآل نهيان، بتحريض أمريكي بريطاني صهيوني، من أجل السيطرة على اليمن، وعلى مضيقه الاستراتيجي باب المندب، ومنع شعبه من استكمال مرحلته الانتقالية، بعد ثورة شعبية حقيقية، اطاحت بنظام على عبد الله صالح، عميل تلك الدول جميعها، ومن كان في خدمتهم، عندما كان قابضا على زمام الحكم في اليمن. قوات الدعم السريع التي تأسست سنة 2010، وشاركت في حرب دارفور، ووجهت لقياداتها تهم بارتكاب جرائم حرب هناك، وعمر ابشير لا يزال مطوبا من المحكمة الدولية بلاهاي، ثم فض تلك القوات لاعتصام الخرطوم في سبتمبر سنة 2013، ما تسبب في مقتل حوالي 250 مدينا، تنصّلت من تبعاته ملقية المسؤولية عل القوات الأمنية، هذه القوات نفسها، أرسلت الى اليمن للمشاركة في العدوان، تحت قيادة سعودية وإماراتية، قتل منها المئات – ولا أعتقد أن قادة العسكر يجرئون على إعادة جثثهم الى السودان -وأخيرا وليس آخرا فضّ الإعتصام من جديد في الخرطوم بالقوة المفرطة، فجر اليوم الثالث من هذا الشهر، وما أسفر عنه من قتل عدد كبير من المعتصمين، ألقيت جثث أغلبهم في النيل، لطمس معالم الجريمة الغادرة والمروّعة، بالتقليل من أعداد الضحايا، يؤكد على الطبيعة الاجرامية لتلك القوات، الخارجة عن اطار الدين والانسانية والقانون. نظام ال سعود وال نهيان يدركان جيدا، أن انسحاب القوات السودانية من تحالف العدوان على اليمن، يعني استحالة استمراره، بخروج اكثر من 25 الف جندي مقاتل منه، يعسر تعويضهم، فكان تدخّلهم أولا، لما رأوا أن زمام الأمور بدأت تفلت من يد الرئيس عمر البشير، بفرض انقلاب شكلي عليه من رفاق دربه، لضمان استمرارهم على رأس هرم السلطة، وبقاء زمام الأمور بأيديهم، ثم دعمتهم بعد ذلك بمليارات الدولارات، من أجل تمكينهم من شراء ذمم ضعفاء الرأي والتدبير من رؤساء القبائل، والمجلس العسكري نفسه، لم يخفي علاقاته بكل من الامارات والسعودية، وهذا ما أثار حفيظة الوطنيين الحقيقيين في السودان، ويرون في تدخل النظامين في الشأن الداخلي السوداني، عملا غير ودّي. إن الأصوات التي ارتفعت في السودان، مطالبة باستعادة جنودها من اليمن، لم يكن لها وزن وتأثير على القاعدة الشعبية السودانية، فلم تلق أي اهتمام بحكم قلة أعدادها، وجاء الردّ عليها بإصرار قادة الانقلاب، على بقاء تلك القوات المعتدية، تحت مبرر واه، لا يزال يرفعه المتمسكون باستمرار العدوان هدفا وهميّا، يعمل على اعادة الشرعية الى الحكم في اليمن – حسب ادّعائهم – وقد عرف العالم أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المنتهية صلاحيته، هرب من صنعاء أولا – قبل أن يبدأ العدوان – الى عدن، ثم لم يلبث أن هرب من عدن الى الرياض، بعد أن كان يلقى حتفه هناك، ما دلّ أنه فاقد تماما للقاعدة الشعبية شمالا وجنوبا، وما هو في حقيقته سوى لعبة قذرة رخيصة، بين أيدي النظامين السعودي والاماراتي، ولو كان (عبد الدّرهم والرّيال والدّولار) هذا رئيسا شرعيا، لكانت القاعدة الشعبية التي انتخبته لقيادة المرحلة الانتقالية كفيلة بحميته ومناصرته. يبدو ان الشعب السوداني لا يزال بعيدا عن الامساك بزمام سلطته المدنية، وما درج عليه من حكم العسكر، جعله يرضى بأي حل يأتيه من هذا المجلس، وها أنه اليوم قد وافق على المقترح الذي تسلمه من الوسيط الاثيوبي، والذي يعبّر حقيقة عن خراب في التصور السياسي، للسلطة الانتقالية المرتقبة في السودان، ببقاء رموز النظام السابق على راس هرم السلطة، فلا ثورة قامت إذا، ولا شعب حقق ما كان يرجوه من حراكه، رغم الثمن الباهظ الذي قدّمه، في ظل وجود احزاب وشخصيات معارضة، تقدم مصالحها الشخصية على مصالح وطنها. من هذا المحصّل أقول: إن ضريبة الاخطاء التي ارتكبها الشعب السوداني ستكون ثقيلة، ولعل أكبرها على الاطلاق، استعباده لقبائل الجنوب زمنا طويلا، سمح للمبشرين الغربيين باستغلال ذلك الخطأ الفادح، وتحويل أهلها الى المسيحية، ومن ثم تحريكهم الى الانفصال عن الوطن الأم وهو ما حصل، في 9/7/2011، لقد كان بالإمكان أن يكون هؤلاء الجنوبيون مسلمين، لو أحسن الشماليون معاملتهم بالإسلام، بقيمه السمحة التي تجمع ولا تفرق. وبالنظر الى هشاشة الحركة المدنية السودانية، المطالبة بحكم مدني، يكون العسكر خارج اطاره السلطوي، في مقابل دهاء قادة المجلس العسكري ومن يقف وراءهم تبدو الساحة السودانية اكثر تعقيدا وتوجّها نحو عدم الاستقرار والمجهول، وقد سارع حميدتي الى حشد قبائل شرق النيل، ليحصل – ولو رمزيا – على تفويض منها له وللمجلس العسكري، وبالتالي فرض الأمر الواقع، على قوى التغيير المدنية في السودان، وقبول ما يكون شكلا، شبيها بحكم المدني يتحكم فيه العسكر، ليستمر تدحرج السودان الى منحدر خطير، يسيء له كشعب عربي مسلم.
الوسومالعدوان السعودي المجلس العسكري الانتقالي السوداني دارفور محمد الرصافي المقداد
شاهد أيضاً
الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد
لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …