بقلم: محمد الرصافي المقداد
ما كان خافيا على الشعب بدأ يتجلّى من خلال التناقضات الحاصلة بين فرقاء الحكم وتحالف النظافة من الفساد والشبهة، وتلوّن برلمانيين من ثوب الى آخر هي بداية الافتضاح.
من كان يظنّ أنه تحرر من عقدة النظامين السابقين، فهو واهم، فنحن لم نخرج من حجر الدكتاتوريتين البائدتين، الا لنقع في شبه فراغ سياسي وفوضى، وزادنا الطين بلّة حجر الوباء.
لأنّ ما حصل أواخر سنة 2010 حتى 14/1/2011، لم يكن ثورة بالمعنى الحقيقي للمبادئ الثورية، المبنيّة على التضحيات، والإيثار من أجل الوطن، والعمل من أجل اصلاح النقائص فيه – فما حصل إثناءها وبعدها والى اليوم مجرّد فوضى وأنانية، واستغلال الفلتان الأمني، لا تزال ماثلة من خلال تصرفات الناس تؤكد ذلك – ولأن من رَكِبَهَا لم يحسن جني ثمارها، بعدما غلب عليه الحمق والبلاهة، بعنوان النضال والحقوقية، فكان دمية بين أيدي الغرب وصبيان السياسة، ثم استمر العبث عمدا بمصالح الشعب، الى أن عاد طابور الحزب القديم، الذي كان سبب مصائبنا، ليعيد القاء دلوه من جديد على الساحة السياسية، باستحقاق التدخّلات الخارجية في شأننا الداخلي، وبذلك بدأنا نشق طريق العودة الى حيث كنّا.
ومنذ ان أمضى عميل الاستعمار، وصاحب الاستقلال الوهمي، اتفاقية الاستقلال عن فرنسا إلى اليوم، والشعب التونسي يعيش بسياسة الوصاية عليه، مستداما عليها، الى أن أصبحت عقلية السياسي التونسي، مسكونة بالوصاية على الشعب وليس خدمته، كما كان شأنه منذ 1956 الى اليوم، سياسيون في أبراجهم الوهمية وشعب اعتقد أنه أحسن اختيار نوابه وسياسييه، فوقع في فخ تصديق من سيمثله، والنتيجة بقاء الفساد على حاله، والمراد انهاءه، والبقاء في حلبة الجري وراء القروض والهبات الغربية، مقابل التخلي عن مبادئ نادى بها الشعب، كالعزة والكرامة الوطنية، والخروج من تحت سقف التبعية للغرب وكذلك تحرير فلسطين.
لكنه بمرور عشر سنوات، على ما اصطلح عليه بثورة الربيع العربي، وقفنا أمام حقيقة لا تقبل الشكّ، بأن الوطن والمواطن ملعوب بهما، لفائدة لوبيات فساد مالي وسياسي، لا تريد لتونس أن تخرج من عهدة التّبعية لعالم غربي، أثبت أنه لا يريد لنا الخير لا في دين ولا في دنيا.
تنفس الشعب الصعداء، عندما انتخب شبابه الغيارى الرئيس قيس سعيد، وكان شعاره الأول التطبيع خيانة عظمى، وأعتقد أنه سيفي به، وسيضطلع بدور محمود، في محاربة الارهاب والفساد، لكنه وبسرعة طالته ألسن السوء والتآمر، من قوى محلية مدعومة من الخارج، من أجل اسقاطه أو حتى اغتياله، فبقاءه على رأس السلطة يعيق استمرار حبل الفساد، في العبث والتلاعب بسياسة البلاد على غاربه.
تلميحات وتصريحات الرئيس قيس سعيد، تضعنا في مواجهة احتمالات أحداث خطيرة تتهدده وتتهدد أمن البلاد مستقبلها، فهو عندما قال: (من لا غيرة له على بلاده يعتبر عضوا سلبيا مضرّا لا يختلف كثيرا عن العدوّ المتربص بها، وهو عنصر لا مكان له وطنيا، وأقرب ما يكون الى صف الأعداء.. وأنّ هناك مؤشرات حول تدخّلات خارجية تحاول إعادة تونس إلى الوراء وهناك من أراد أن يتواطأ معها من الداخل) (1)
وتابع: (من يريد أن يتآمر مع الخارج ضد الدولة التونسية فإن قواتنا جاهزة.
وأشار الى أن الفترة الأخيرة شهدت تونس الكثير من الحسابات السياسية الضيقة، مؤكدا على وجوب العمل على ضمان كرامة التونسيين، وتحقيق مطالبهم المشروعة.
ولفت إلى أنه ليس من حق أي كان، أن يتاجر بفقر المواطنين، وأوضاعهم الاجتماعية، من خلال تأجيج الاحتجاجات. ) ((2
وفي خطابه عندما استقبل رئيس الحكومة المشيشي وأعضاء حكومته قال:
( أنا على يقين انه سيأتي يوم سيكون فيه القانون مطابقا لإرادة الأغلبية التي تم سحقها و حاول الكثيرون تزوير ارادتها و من يعتقد انه فوق القانون فهو واهم. بعض كانت تحت جناح الظلام، انا على علم بما قيل و على علم بالصفقات. سيأتي اليوم الذي اتحدث عنه بكل صراحة عن الخيانات وعن الغدر وعلى الوعود الكاذبة وعلى الارتماء في أحضان الصهيونية والاستعمار ).(3)
ما يعاب على الرئيس قيس سعيد خطاباته المشفّرة التي عليه أن يحلّها في أقرب وقت، لأن الشعب من حقه أن يطّلع على ما يجري على ساحته السياسية، وتأخير فك شفرته ليست في صالحه، ولا في صالح الشعب والبلاد، وحتى لا يبقى المواطن آخر من يعلم.
واستباقا لما قد ينجر عن مواقف رئيس الجمهورية المقلقة لمن في جعبهم مصالح حزبية أو خاصة، أعلن عن انشاء كتلة مؤلفة من حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة والمستقبل) بلغت لحد الآن 120 برلمانيا، ادّعى مؤسسوها بأن هدفهم استكمال انشاء المحكمة الدستورية، بينما لم يستبعد آخرون بأنها جبهة لشل حركة رئيس الجمهورية وتحسبا لما قد يترتب عليه الوضع، من حلّ لبرلمان المليء بالصراعات، وخدمة الاجندات الضيقة والخاصة.
توجّه الرئيس قيس سعيد الى تفعيل الفضل 93 من الدستور الذي جاء فيه:
(يرأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء وجوبا في مجالات الدفاع، والعلاقات الخارجية، والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية، وله أن يحضر ما عداها من مجالس وزراء. وعند حضوره يرأس المجلس.) (4)
اخيرا أقول من كان يعتقد أن له وصاية على الشعب، فليثبت له ذلك، ومن يرى نفسه في خدمته بإخلاص ووفاء، فذلك الذي يبغيه التونسيون، كواليس السياسة في تونس وبقية البلدان العربية، قد تخفي أشياء على شعوبها، ولكنها غير محكومة بالبقاء دون ظهور مستقبلا، سلوك يعتبر من مساوئ السياسيين، وأثر من عهود الوصاية المقيتة، ما خفي اليوم سيظهر غدا ولكن بأي ثمن يا ترى؟.
المراجع
1 – حوار الرئيس التونسي قيس سعيّد: هناك مؤشرات حول تدخّلات خارجية تحاول إعادة تونس إلى الوراء وهناك من أراد أن يتواطأ معها من الداخل
2 – قيس سعيد: تونس لن تكون مرتعا للإرهابيين ولا لعملاء الخارج
3 – خطاب قيس سعيد- رسائل مشفرة واعلان حرب ضد الأحزاب
4 – بوابة-التشريع .تونس. الفصل 93