بقلم: د. عادل بن خليفة بالكحلة وأ. عبد القادر النقبي |
كان أداء حكومة تصريف الأعمال، ثم أداء الحكومة المنصَّبة، تجاه الكورونا، أداءَيْن لا ينمَّان عن حكومة تفكّر في شعبها، ولا حكومة تفكر في سيادتها، بل كان العكس.
والأدّلة كانت كثيرة،
1. لم تفكّر الحكومة بنفسها، بل كانت تفكر بـ«عقل» الدّولة الفرنسيّة والدّولة «الإيطالية». فلا تفعل شيئا إلا إذا فعلته الدّولتان- فعقل حكومتنا «عقل» استنساخي وتبعيّ. ولا يحمل سيادة قرار.
ومن المفارقة أن أسعار النفط بصدد التراجع تراجعا مذهلا على المستوى العالمي، بينما هي في حالة ارتفاع مذهل داخليا، وربما ستزيد حكومتنا أسعاره أثناء هذه الأزمة!
2. لم تبادر الحكومة إلى تكوين مجلس أعلى للأمن من الكُورُونا، متكّون من مسؤولين وأطّباء جرثوميّات ووبائيّات، ومن علماء اقتصاد (هناك علم اسمه: علم اقتصاد الأزمات والكوارث) وعلماء نفس وعلماء اجتماع وعلماء إعلام. فتكون بذلك تفكر بطريقة علمية- ناجعة، وتفكر بنفسها ولنفسها، وبعقل استباقي.
3. أوّل خطإ جسيم قامت به حكومة تصريف الأعمال ثم الحكومة المنصّبة، هو عدم إغلاق الحدود الجويّة والبحرية مع إيطاليا، بتعلّة أن «الفيروس لم يصبح وباءً»، وأنّ «الاتحاد الأوروبي لم يفعل ذلك بعد» (كما أعلن وزير السياحة السابق). ولم يُعَاقب وزير النقل ووزير السياحة ورئيس الحكومة على ذلك. هذا في حين أنّ الكيان الصهيونى ، كان «أذكى» منهم في هذا السياق. فكلّ ما في الأمر أنّ تفكير الحكومة في مصالح أصحاب رؤوس الأموال التونسيين والإيطاليين والفرنسيين أهم من تفكيرها في المصلحة العامة. وهذا طبيعي لأنها ليست حكومة اقتصاد اجتماعي، وإنما حكومة توجه ليبرالي- تبعيّ.
والأدهى أن المواطنين الذين جاءوا من مطارات إيطاليا وفرنسا خرجوا من مطاراتنا دون أي رقابة صحية أو مباشرة في المستشفيات بعد وصولهم!!! فأين وطنية المسؤولين هنا؟!
4. ثاني خطإ، هو عدم استعداد الحكومة، واستخفافها بالأمر على المستوى التنظيمي (لوجستيًّا، فضائيّا، دوائيّا…) وعلى المستوى الإعلامي (عدم وجود برامج توعويّة وتعبئة بالمؤسسات الإعلامية الرسميّة)، وعلى المستوى المالي (تخصيص ميزانية خاصة).
وهنا نلاحظ أنّ المجتمع المدني كان خارج الاستعداد منذ ظهور الوباء.
5. هناك احتمال لا ندري مدى واقعيته، أن تكون العمليّة المفبركة، والمصطنعة، ضدّ السفارة الأمريكية، من أجل تشتيت الأذهان عن الاستعداد، خاصّة أنّ احتمال أن يكون الوباء نتيجة تخطيط استراتيجي مُسْبَق.
6. نلاحظ ضعف الدّولة على مستوى المراقبة الاقتصادية فلوبيّات الاحتكار تستغل مثل هذه الفرص من أجل رفع الأسعار وخدمة مصالحها الخاصة.
ومن غير المعقول أن شركات الهواتف الخلوية لم تراع هذا الضرف الاستثنائي للتخفيظ من اسعار الشحن المهولة، خاصة أن المواطنين سيجبرون على التقليص من الخروج منازلهم
7. لم تكوّن كلّيات الطبّ والعلوم الطبيعية في بلادنا لجنة طوارئ علميّة، تضمّ إليها المختصين التونسيين الموجودين في كلّ أنحاء العالم الأكاديمي، ولهم جوائز في مجال الجرثوميّات والوبائيّات. لم تتصل أي واحدة من تلك الكلّيات بالدكتور منذر البوغانْمي مثلا. (راجع حواره مع وِلْبة تي في).
8. كشف الاستنفار المتأخر لوزارة الصحة والبلديات عن ضعف مناعتنا النظافية والصحيّة والسّلطة البلدية على المقاهي والمطاعم، فضْلا عن النَّصْبات على الشوارع وأمام المعامل والمؤسسات التعليمية (هل مأكولات تلك النّصبات صحيّة؟ هل قدَّمت لأصحابها وزارة الصحة ووزارة الاقتصاد بدائل بسيطة كُلفةً وإعدادًا وأكثر صحيّة؟!!)
9. نحن متخوفون من أن يستغل العقل «الليبيرالي» للحكومة هذا الوضع النفسي لتمرير قوانين غير اجتماعية وغير شعبيّة، وغير سياديّة، ولمزيد إحكام التبعيّة الاقتصادية والثقافية، ولرفع الأسعار والضرائب.
10. من غير المعقول أنْ تطالب الحكومة الشعب بغسل الأيدي بالماء والصابون كل يوم، وفي الآن نفسه مازال مستمرًّا قطْع الماء في كثير من الأماكن، بل في الوقت التي تشتغل فيه المطاعم والمقاهي في كثير من الحالات (كما حدث في عيد الإضحى الفارط في بعض الجهات)!!
11 .لقد فرط رئيسنا في فرصة اقتراح مرشح لرئاسة الحكومة منحاز إلى الإقتصاد الإجتماعي التضامني (الأستاذ حكيم بن حمودة). وقد فرط في خطاب حظر الطوارئ من أجل الكورونا في تكريس ما دعى إليه في حملته الانتخابية من ضرورة أن تكون السلطة والقرارات من القاعدة اي من البنية المحلية لمواجهة هذه الأزمة،جاعلا القرار فيها محتكرا من فوق، من الحكومة.
خاتمـــة: ما نطالب به ليس خليّة أزمة طبيّة فحسب، بل نريد أيضا خليّة أزمة اقتصادية، يشتغلان ضمن فريق واحد هو «المجلس الأعلى للأمن من الكورونا». وتلك الخليّة الاقتصادية- العلمية، نريدها أن تخفف العبء بابتكاريّة، عن المواطنين، عِوض أن تُثقِل كاهلهم أكثر وأكثر ويمكن هنا إستشارة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية .
ومرّة أخرى، نطالب بالمناسبة، باقتناع الحكومة وأحزابها بالاقتصاد الاجتماعي- العدالي، وأن تتخلى عن عَقْل الاقتصاد اللّيبرالي التبعيّ؛ وأن تمدّ يديها لدّول الممانعة عن الإمبريالية، التي هي دول العدالة الاجتماعية والتضامن الدّولي، كالصين وروسيا وإيران وأمريكا الجنوبية وإسكندينافيا وجنوب إفريقيا والسّنغال وسوريا، لأنّ لا حَرْب (حتى هذه الحرب ضدّ الكورونا) من الممكن الانتصار فيها دون تكتّل عالمي. وهل يمكن التكتّل- واقعيا- مع مَنْ نَشر الكُورُونا، ومَعَ مَنْ يريد التمعّش مِن الكوارث (حتى بالدواء) فلا يتعامل معها إنسانيّا بل يتعامل معها ابتزازيًّا؟
(راجعوا عنا في سلسلة عالَم المعرفة: الطبّ الإمبريالي، وكذلك: رأسمالية الكوارث).
ألم يقل محمود درويش: «امريكا هي الطاعون والطاعون هو امريكا»؟!