أن عقلية اللجوء إلى الشعوذة ومتابعتها والاهتمام بها ليست حكرا فقط على الأميين أو الفقراء بل إن نسبا عالية من المتعلمين وخريجي الجامعات وأصحاب الأعمال هم أيضا من رواد المشعوذين والدجالين ومتابعيهم. فمن تربى على فكر الخرافة من الصعب عليه أن يتخلص منه مهما بلغ من مستوى دراسي ومادي، والايمان بالتنبؤات مؤشر على الفقر النفسي والثقافي والحضاري أكثر منه مؤشرا على التهميش الاجتماعي والاقتصادي، والدليل على ذلك أن شخصيات عامة ومشاهير وأثرياء يقصدون باستمرار العرافين والدجالين ويتابعونهم على مختلف الوسائل الاعلامية المحلية والعالمية.
إن اللجوء إلى المشعوذين والدجالين وتصديقهم هو سلوك يمثل تعبيرا واضحا على سيكولوجية الإنسان المقهور والمهزوم الذي يحاول البحث عن حلول ووصفات غيبية لمشاكله الواقعية. فحين لا نجرؤ على تحمل مسؤولياتنا في الحياة أو نعجز عن تحملها أو حلها نلتجئ إلى السحرة والمنجمين والعرافين ليجدوا لنا الحلول بالنيابة عنا نظرا لسيادة ثقافة التواكل أو لاستبداد حالة اليأس بنا ونظرا لخوفنا من المستقبل.
فحين يلاحقنا الماضي بخيباته وآلامه وحين يحاصرنا الإحساس بالعجز في الحاضر وحين يفقد الأمل في المستقبل نندفع بقوة نحو الخرافة بحثا عن الحل والراحة والمعجزات فمن هان يسهل الهوان عليه ومن عجز عن الفعل في الواقع ينغمس في الأسطورة طوعا.
عندما يترافق غياب الفكر العلمي والنقدي وسيادة الجهل المعمم، مع تعقد ظروف الحياة وحيثياتها ومع فقدان الأمل في المستقبل وسيادة الفكر الخرافي وعقلية التواكل والغيبية، يصبح السحر والشعوذة بضاعة رائجة ومربحة ويتحول المشعوذون إلى نجوم ومشاهير ويتحول السحر والشعوذة إلى ظاهرة رائجة تثابر كل طبقات المجتمع على ممارستها بانتظام. هذه الظاهرة وعمقها وتفشيها مؤشر عن الفقر والتخلف الحضاري والعلمي والثقافي وتمثل عرضا جانبيا من أعراض أمراض اجتماعية ونفسية أخرى أكثر خطورة.