في صيف 1982 , قال آرييل شارون لأوريانا فالاتشي (النوفيل أوبسرفاتور) : “جنرالاتنا يدركون أننا لو تراجعنا خطوة واحدة لعدنا ثانية , وللمرة الأخيرة , الى الشتات” .
ماذا حدث في الأيام الأخيرة ؟ تكريس للمعادلة التي تم ارساؤها , بأداء أسطوري , في عام 2006 . لم يعد باستطاعة الميركافا أن تختال في صيدا , أو في النبطية , أو في جزين , أو في صور وبنت جبيل . شارون قال , بعد عملية الدفرسوارعام 1973 , وبالغطرسة الاسبارطية اياها, “لو شئنا لوصلت دباباتنا الى القاهرة” .
قيل له , قبل أن يسقط في الغيبوبة , ان الدبابات التي تستطيع الوصول الى القاهرة , وقد دفع بها انور السادات الى تلك المتاهة الديبلوماسية , بل الى تلك المتاهة الاستراتيجية , لا تستطيع الوصول الى بيروت , ولا الى
أي مكان آخر في لبنان .
نعلم أن ما قام به “حزب الله” تجاوز بكثير المفهوم الكلاسيكي الذي قامت عليه الدولة اللبنانية “قوة لبنان في ضعفه” . مفهوم ساذج , وفولكلوري , وسريالي , اذا ما أخذنا بالاعتبار أن هذا البلد يقع عند نقطة التماس بين لعبة الأمم ولعبة القبائل . الآن … لعبة الايديولوجيات !
كيف يمكن للحالة اللبنانية , بكل هشاشتها , وبكل تصدعاتها , وبكل زبائنيتها , وهي أشبه ما تكون بالبطة العرجاء (البطة السوداء) , أن تستوعب تلك الحالة الأخرى التي لم تهبط من كوكب آخر . هي نتاج عبقري لعبقرية الأرض , وقد احترفت الطبقة السياسية تحويلها , منهجياً , الى أرض يباب . قبل العودة الى نص النشيد الوطني , رجاء العودة الى نظرية … عبقرية المكان .
بنيامين نتنياهو الذي كان يراهن على التداعيات الدراماتيكية لعملية الضاحية , وكان يمكن أن تواجه بردة فعل هائلة , سقط في الاختبار , بانتظار أن يسقط في الصناديق . هذا يزعج جاريد كوشنير , بعدما وضعت السيناريوات الخاصة بصفقة القرن , بالتنسيق اليومي , مع زعيم الليكود.
هذا لا يعني أن بالامكان التفريق بين بنيامين نتنياهو وكل من بيني غانتس ويائير لبيد . كيف لنا التفريق بين الذئب والذئب ؟
ما يتسرب من مصادر ديبلوماسية أن الصيغة الخاصة بالصفقة قد خضعت , تباعاً , لعمليات تجميل تتعلق بالوضع الأردني , كما بطبيعة الادارة الفلسطينية . قد نكون , في غضون أسابيع , أمام الزلزال الذي يعقب الاعلان عن الصفقة . ثمة دول عربية باتت جاهزة كلياً للانفتاح الاحتفالي على الدولة العبرية . في نظرها , انها “اللحظة الالهية” التي يتوقف فيها ذلك الصراع السيزيفي الذي دام لنحو قرن , ولم ينتج سوى القهر والتقهقر …
أي لبنان في تلك الحالة ؟ مصادر خليجية تقول “ان الولايات المتحدة التي فرضت عليكم عقوبات مرئية
ولامرئية , تمنعنا من أن نمد اليكم يد العون” . حينذاك , اذ تصل الدولة اللبنانية الى نقطة النهاية , لا بد أن توقع , بالأصابع العشرة , على التوطين الفلسطيني (والسوري) . ما يمكن تأكيده أن حجب المساعدات قرار عربي بالدرجة الأولى .
هكذا تبدو الدولة اللبنانية عارية , تائهة , ومحطمة . كفى الطبقة السياسية , على الأقل أصحاب الاتجاه المعروف والولاءات المعروفة , تحميل المسؤولية الى من يتصدون للبربرية الاسرائيلية . الطبقة اياها هي من تقدم الدولة , على طبق من الفضة , الى بنيامين نتنياهو . في هذه الحال , أين سالومي لتؤدي رقصة المناديل السبعة ؟
حتى ولو قيل ان قرار الحرب في يد دولتين , أميركا وايران , والاثنتان لا تريدان الحرب . ما يعنينا أن لبنان لن يكون مستوطنة اسرائيلية , ولن يكون مستوطنة لأي كان . ماذا نمتلك لاحتواء أي محاولة لالغاء الدولة اللبنانية , أو لالغاء الصيغة اللبنانية , سوى … الصواريخ ؟!