أخبار عاجلة

العمليات السوداء للموساد: “مأسسة سياسة الاغتيال في الدولة العبرية

بقلم: د.اسامه اسماعيل |
بعد مرور 70 عامًا على تأسيس “دولة إسرائيل”، ظهر أول كتاب يرصد العمليات السوداء للموساد الإسرائيلي للكاتب “رونين بيرجمان”، والكاتب عمل مراسلًا للشؤون العسكرية والاستخباراتية في صحيفة  يديعوت احرونوت الإسرائيلية.

تأتي أهمية هذا الكتاب من حجم الوثائق السرية، والشهادات الرسمية التي توصل إليها الكاتب؛ حيث أجرى أكثر من 1000 مقابلة مع رجالات الدولة من سياسيين، وعسكريين، وأمنيين.

ورغم هذه المقابلات المتعددة التي أجراها الصحفي الإسرائيلي “بيرجمان” مع رؤساء وزراء سابقين مثل إيهود باراك وإيهود أولمرت إلا أنه واجه العديد من المضايقات الرسمية؛ حيث سعت أجهزة الاستخبارات لتعطيل أبحاثه فضلًا عن قيامها بتحذير موظفي الموساد وعملائه من الإدلاء بشهاداتهم معه.

واستغرق الكتاب ثماني سنوات من البحث والتدقيق، وأشار الكاتب في أحد مقابلاته الصحفية أن الكتاب يكشف تاريخًا حافلًا من الاغتيالات الإسرائيلية على من أسماهم أعداء دولة إسرائيل، كما أنه يعكس وقائع سلسلة طويلة من النجاحات التكتيكية، وكذلك حلقات متعددة من الفشل الاستراتيجي. وسنحاول فيما يلي رصد عدد من الأفكار التي تطرق لها الكتاب:

الاغتيالات حرب مشروعة!

استوحى “بيرجمان” عنوان الكتاب من “تلمود اليهودية القديمة” : ’إذا جاء شخص ما ليقتلك، انهض واقتله أولًا’، ويقول الكاتب: ’إن نسبة كبيرة ممن قابلتهم ذكروا هذه العبارة كمبرر لعملهم’، وهو ما يتسق مع ما صرح به محامي وزارة الدفاع الإسرائيلية؛ حيث أكد أن هذه العمليات ‘حرب مشروعة للحفاظ على أمن إسرائيل’. تتسق هذه الرؤية مع الرواية التي تحاول إسرائيل تسويقها عالميًا كونها دولة صغيرة وسط بيئة معادية، وذلك لتبرير ما تقوم به من تعزيزات في قدراتها الاستخباراتية والأمنية لضمان التنبيه قبل الحرب.

الاغتيالات… حرب غير مباشرة

اعتبر الكاتب أن تنفيذ المخابرات الإسرائيلية لأكثر من 2700 عملية اغتيال وتصفية على مدار 70 سنة، جعل القادة الإسرائيليين يؤمنون أكثر بالاستخبارات والعمليات الخاصة لتحقيق أهدافهم بدلًا من الاعتماد على الدبلوماسية والحنكة السياسية. واستطاع “بيرجمان” اقناع عملاء الموساد، وأفراد من الأجهزة الأمنية والعسكرية للإدلاء بشهاداتهم.

وتعد هذه الشهادات أول اعتراف رسمي برعاية الدولة لعمليات الاغتيال؛ حيث كانت مقتصرة في الماضي على مجرد تحليلات سياسية، وتقارير إعلامية. ورغم تأكيد الكاتب على أن الاغتيالات تبرز فشل لغة السياسة، لكنه اعتبرها وسيلة هامة في بعض الأحيان لتجنيب إسرائيل الدخول في حروب شاملة، وأشار في ذلك إلى تصفية عشرات العلماء النوويين الإيرانيين بدلًا من الدخول في حرب طويلة مع إيران.

الاستراتيجية الإسرائيلية في عمليات الاغتيال

انتهج الموساد الإسرائيلي العديد من الأساليب والأدوات لتنفيذ عمليات الاغتيال؛ حيث أشار “بيرجمان” إلى بعض هذه الأدوات مثل استخدام معجون الأسنان المسمم، والطائرات بدون طيار، والهواتف المحمولة الملغومة، والإطارات الاحتياطية المفخخة لقتل الشخصيات الهامة في دول الأعداء. إضافة إلى ذلك، تَبرَع المخابرات الإسرائيلية في الإيقاع بالهدف فريسة للمغامرات الجنسية واستخدامها كورقة تهديد فيما بعد.

أسطورة الانتقام وتفاعلات الرأي العام

تطرق “بيرجمان” إلى أن حكومات الكيان الصهيوني استخدمت شعارات الانتقام لكسب ثقة الرأي العام في إطار الانتخابات والعملية السياسية داخليًا. وأشار إلى أن هناك العديد من العمليات الانتقامية التي تم الترويج لنجاحها، لم يتم تنفيذها فعليًا، وذكر على سبيل المثال أسطورة ملاحقة النازيين التي يروج لها الإسرائيليون، وكذلك كذب ما أعلنت عنه “جولدا مائير” من نجاح أجهزتها الأمنية بتصفية أعضاء منظمة “أيلول الأسود” الفلسطينية التي تبنت تصفية عدد من الرياضيين الإسرائيليين المشاركين في أوليمبياد ميونيخ1972، وأكد “بيرجمان” في هذا الكتاب فشل هذه العملية ؛ إذ لم يستطع الموساد تتبع أيٍ ممن شاركوا في هذه الأحداث؛ حيث لم تكن تسمح أوروبا لإسرائيل بالقيام بتنفيذ عمليات تصفية على أراضيها قبل أحداث ميونيخ، وهو ما تغير بعدها.

اغتيال الرموز السياسية للهيمنة…(تصفية ياسر عرفات)

رغم الخسائر الفادحة التي قد تنجم عن عمليات الاغتيال إلا أن “إسرائيل” لا تعبأ بذلك على الإطلاق بدعوى أمنها القومي. وفي هذا السياق، أشار “بيرجمان” إلى محاولات اغتيال ياسر عرفات المتعددة؛ حيث أمر شارون بتفخيخ مقاعد الشخصيات المهمة في ستاد بيروت 1982؛ حيث كان مقررًا أن تجتمع قيادات منظمة التحرير الفلسطينية. وبالفعل تم تفخيخ الاستاد، والشوارع المحيطة به، ولكن تم إلغاء العملية فيما بعد خوفًا من سخط الرأي العام العالمي.

وأشار الكتاب أيضًا إلى أسلوب المخابرات الإسرائيلية في تفجير الطائرات المدنية لاصطياد أهدافها؛ حيث قام وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك -أرئيل شارون- بتشكيل مجموعة خاصة داخل الموساد الإسرائيلي للتجهيز لتصفية ياسر عرفات، وفي الفترة من 1982-1983، أبقى شارون عددًا من المقاتلات رهن الإشارة لإسقاط أي طائرة يستقلها عرفات بغض النظر عن عدد الضحايا، معتبرًا أن ذلك أمرًا قانونيًا. يُذكر أنه توافر لدى أجهزة الامن الإسرائيلية معلومات تؤكد أن عرفات يستخدم طائرات نقل الركاب العادية ويؤكد الكاتب نجاح محاولات الموساد الإسرائيلي في الأخير لتصفية عرفات؛ حيث تمت العملية عبر استخدام تقنية التسميم الإشعاعي.

ختامًا، أشار الكتاب إلى العديد من عمليات الاغتيال والتصفية التي قامت بها الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية؛ حيث افتقدت هذه العمليات جميعها للأخلاق والمبادئ. وتعد “إسرائيل” الدولة الوحيدة في العالم التي قامت بمأسسة سياسات الاغتيال داخل أجهزتها الأمنية والاستخباراتية باعتبارها أحد أهم مبادئ الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي.

 

شاهد أيضاً

فتح…حتف فلسطين… بقلم ميلاد عمر المزوغي

جرت العادة ان تتخذ الاحرف الاولى من كل كلمة للتعريف بالمسمّى “الوليد” الجديد ليسهل نطقه …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024