الخميس , 19 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

الغرب وعملاؤه عبثا ومتاجرة بحقوق الانسان

بقلم: محمد الرصافي المقداد |

الغرب الذي تبجح علينا طويلا، متفاخرا بتقدمه في مجال الحقوق الفردية والحريات، بعد ان جعلها شعارا مقدما في دعاياته، مسيطرا بها على عقول اتباعه والمتأثرين بثقافته وفكره الليبرالي، الذي لا يقيم وزنا للعقائد الدينية، وكل فكر يناقض فكره، خرج علينا في هذا الزمن، ليظهر على طرف نقيض من ذلك، فوقعت ضحية جشعه الكبير شعوب مستضعفة كالشعب اليمني، ذنبه الوحيد أنه شعب مبدئي استهدفت أرضه، لأهميتها الاستراتيجية، و ثرواتها الطبيعية، فلم يرضخ لضغوطه، ولم ينحني لعقوباته وتهديداته تحت أي ظرف، فسلّط عليه كلابه المتوحشة، يهاجمونه بأنياب حادة، قد سنّها وأمضاها لهم، بصفقات الاسلحة التي تلقّوها منه، مقابل مئات مليارات الدولارات، دون اهتمام لما سيسفر عنه استعمالاتها العدوانية من ضحايا مدنيين، ما كان لهم ان يسقطوا بسببها، لولا ذلك الطمع الذي رسم سياسة دول الغرب المصنعة للسلاح، وعلى راسها أمريكا، مع كل الاحترام والتقدير للبقية الباقية من شعوبه، التي وقفت وقفة شرف ضد سياسات حكوماتها، معترضة لها وفاضحة لخفاياها.

 ان المدنية الغربية في تهورها الصناعي الحالي، لا يمكنها ان تحجب ما يجب أن يكون عليه الانسان، بحضارته التي تميزها أخلاقه، وتعطيها انسانيته بفطرتها السليمة في حسن المعاملة، طابعها الذي يجب أن تكون عليه، من اعتبار يراعي قيمة الانسان كمخلوق، أيا كان جنسه أو لونه أو مكانته، فالقيم الانسانية هي التي تصنع الحضارة، وليس المدنية الزائفة. 

تأخّر تأسيس مجلس حقوق الانسان  United Nations Human Rights Council، التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة حتى سنة 2006، عن الميثاق العالمي لحقوق الانسانUniversal Declaration of Human Rights سنة 1948، يقدم لنا دليلا قاطعا، على أن ما يجري في المحافل الدّولية، من سنّ قوانين وانشاء مؤسسات، لا يعدو كونه ذر رماد على عيون شعوب العالم، التي طالما عانت من انتهاكات تعرّض لها أفرادها أو أقلّياتها، من حكوماتها المنضوية تحت تلك المنظمات، والممضية على قوانينها ومواثيقها، والملزمة بها قانونيا وأخلاقيا، والمخالفة لها تماما بالجرم المشهود.

الأمثلة على انتهاك دول بعينها لحقوق الانسان، رغم ادّعائها الدفاع عنه، أكثر من أن تعدّ، تأتي في مقدّمتها أمريكا بتاريخها الاسود، الحافل بالتجاوزات والجرائم، في داخل أمريكا وخارجها، ولا شيء يمنعها من التمادي في ذلك السلوك، وهي التي تربعت على عرش استكبارها على بقية العالم، تريد فرض حكمها على دوله، كبيرها وصغيرها على حد سواء، وقد أعلنت في 20 حزيران يوليو من هذه السنة، انسحابها رسميا من مجلس حقوق الإنسان، بسبب ما اعتبرته انحيازا لإسرائيل، وقد صرّحت مندوبتها (نيكي هيلي)، واصفة المجلس بأنه منظمة منافقة وأنانية وتستهزأ بحقوق الإنسان. وأعتقد أنها تقصد حقوق الانسان الامريكي أولا، والصهيوني ثانيا، والغربي ثالثا وأخيرا، أما بقية شعوب العالم، فلا حظ لهم في حقوق الانسان بالمنظور الأمريكي.

إنّ المتابع للتقارير الامريكية السنوية عن حقوق الانسان في العالم، وتدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية، لعدد من الدول المصنّفة عندها عدوّة، كإيران الاسلامية، والصين الشعبية، وروسيا الاتحادية، وفينزويلا البوليفارية، تؤكد فبركة تلك التقارير، واعطائها بعدا دعائيا، ومنحا سياسيا، يتماشى مع مخططاتها العدوانية، التي تعمل من أجل الاضرار بسمعة تلك الدول، واعطاء صورة مغلوطة في تقاريرها عنها،  لا تتفق مع واقع حقوق الانسان فيها.

وعندما تنتقد أمريكا ما تعتبره انتهاكا أو إخلالا لحقوق الانسان، من وجهة نظرها – التي لم يتصب يوما حقيقة- فهي تحاول اضافة الى تمرير سياساتها الإستكبارية، الى إعطاء نفسها الحق في انتقاد غيرها، من أجل مزيد من الهيمنة والسيطرة على العالم.

زعيمة الاستكبار العالمي لم تجد معارضا حقيقيا، ومتصدّيا صلبا لسياساتها، سوى الجمهورية الاسلامية الايرانية، التي قطعت معها جميع العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي كانت على عهد الشاه المقبور، والتي كان لها فيها امتيازات التدخل في الشؤون الداخلية لإيران، مع ما أعطيت لجنودها وموظفيها الجواسيس من حصانة، تمنع عنهم تبعات جرائمهم.

وتعتبر ايران الاسلام الدولة الوحيدة في العالم، التي لا تقيم علاقات مع امريكا، على أساس تاريخها الأسود، ومؤامراتها التي حاكتها ضد الشعب الإيراني، وبقية شعوب المنطقة، فمنذ أن هوجم وكر جاسوسيتها في طهران، ذات يوم يعتز به أبناء الثورة الاسلامية ( 4/11/1979)، قطع النظام الاسلامي، بقيادة الامام الخميني رضوان الله عليه، مؤسس الثورة الاسلامية وصانع مجد وعزة الشعب الايراني، يد أمريكا من داخل بلاده فلم يعد لها دور مباشر فيها، يسمح لها بحرية الحركة والتصرف، وبذلك أمن قاعدته الداخلية من مؤامراتها الخطيرة.

ان من اوضح الادلة على عبثية أمريكا ودول الغرب والساعين في ركابهم والخاضعين لإملاءاتهم سياسة الكيل بمكيالين التي تمارسها الدول الاستكبارية المشار اليها في مختلف القضايا المتعلقة خصوصا بحقوق الانسان والانتهاكات الواقعة عليه، واستحقاقات الشعوب وضياع مطلبها بخصوصها، بسبب ازدواجية المواقف وانحياز تلك الدول الى جانب الباطل وقواه العدوانية المنتهكة لكل تلك الحقوق على مرأى ومسمع من العالم ولا حياة لمن تنادي.

ومن مفارقات هذا الزمن أن تقوم قائمة أمريكا وحلفائها من أجل اختفاء صحفي سعودي داخل قنصلية بلاده ومقتله داخلها بطريقة بشعة ولا ياتي الاعتراف بالجريمة الا بعد مقايضة مع النظام السعودي درجت عليها أمريكا، لطي صفحتها، ولا يتأخر اردوغان (المسلم) عن صفقة المقايضة فينال بدوره مقابل السكوت عما جرى على  أرض بلاده، وهي مهزلة في تاريخ تركيا الحديثة تضاف الى ما تقترفه نظامها بحق سوريا نظاما وشعبا ومقدّرات.

وبالعين الامريكية والغربية تتحول حقوق الانسان الى مصلحة تقاس بمقياس المقابل والمصلحة، وبما سيعود بالنفع الماديّ على، مثل الشعب اليمني الذي لا يُرى بالمنظار الامريكي والغربي، ولا يحسب له حساب لدى دول التبعية والعمالة العربية.

أليس عجيبا أن يهتمّ بسعوديّ مهما كانت وظيفته أومكانته، قتل من طرف أزلام نظامه غدرا- رغم أنه بقي وفيا له الى آخر يوم في حياته، فمسالة معارضته له فيها نظر، ولمقتله سبب خفيّ آخر لا يهمّنا – ولا يهتمّ بشعب يمني يباد بالقصف والحصار، والتجويع والاوبئة، من طرف نفس القاتل وحلفه المعتدي، مفارقة قد لا تبدو عجيبة، عند الغرب المتاجر بحقوق الانسان حينا، والمنتهك لها احيانا أخرى.

هذا هو الغرب كما نراه اليوم، عاريا من كل ادّعاء بحماية حقوق الانسان، ما يؤشر على عدم أهليّته في القيام بذلك، فكيف لمتحيّل على تلك القيم أن يحميها بعد انتهاكها، وهذا هو اردوغان الذي وعد باتخاذ موقف حازم من الجريمة، فبدا متكلّفا في خطابه متلكئا، قد احتفظ بما رآه وسيلة ضغط على النظام السعودي، لإجباره على دفع ما ينعش به ليرته المنهارة أمام العملات الاخرى، وقد عودنا على الحديث عن الاسلام بمفهومه الأردوغاني، ونسي في هذه القضية أن يتذكر حكمه البات فيها ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا) لهؤلاء جميعا أقول كفى ضحكا على ذقون الناس.    

 

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024