السبت , 23 نوفمبر 2024
أخبار عاجلة

المالتوسية اللبنانية…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

مالتوس الذي عاش في القرن الثامن عشر يعرف على انه إقتصادي وعالم ديمغرافي إنجليزي بدأ حياته المهنية قسيسا في كنيسة أنجليكانية ولكنه تحول الى دراسة الاقتصاد والتاريخ والبحث في علم السكان أو الديمغرافيا. وقد يتساءل البعض ما علاقة هذا بلبنان كما يقترح المقال؟ نشرح بسطور قليلة.

كتب مالتوس نظريته في كتابه الذي صدر دون ان يضع اسمه عليه صدوره ربما تجنبا لاثارة نقمة إجتماعية عليه. وهذه النظرية بإختصار حاولت تفسير ظاهرة تنامي الفقر في العالم وتداعياته على مستوى المشاكل الاجتماعية. وقال ان الفقر يعود الى تزايد أعداد السكان بشكل لا يتناسب على الاطلاق مع نمو المحاصيل الزراعية. ومن هنا كان يرى في الحروب وإنتشار الاوبئة والأمراض عاملا ضرويا لإحداث التوازن المطلوب, وذهب الى حد تشجيع النزاعات والحروب لانها تقتل أعداد كبيرة من البشر وهذا شيء جيد.

وتحدث عن مسؤولية الدولة ان تلجم نفسها عن تقديم المساعدات الاجتماعية للفقراء لان ذلك لا يعينهم وإنما يحول بينهم وبين إدراك كونهم السبب الاول في مأساتهم.

واليوم نرى هنالك في لبنان من يدعو الى وقف الدعم الحكومي عن المحروقات والمواد الاساسية والادوية وتقديم المساعدات الاجتماعية للفقراء الا بالقطارة كما يقول المثل. اليس هذه الدعوات مشابهة لما ذكره مالتوس في نظريته ولو لاسباب مختلفة؟ هؤلاء المالتوسيين اللبنانين والذيين ينتمون الى حيتان المال والمافياويات لا يهمهم الفقراء والطبقة المسحوقة في المجتمع وهمهم الرئيس هو تكديس الاموال فهم كتجار الحروب يرون في الغلاء ورفع الدعم الحكومي وسيلة لتحقيق مزيد من الاموال لجيوبهم.

عدم التوازن الذي تحدث عنه مالتوس بالمقاربة اللبنانية هو عدم توازن بين مداخيل الفقراء والمسحوقين وختى الطبقة البرجوازية المتوسطة المتآكلة وبين مداخيل حيتان المال والمافياويات المنتشرة بطول لبنان وعرضه, هذا هو سبب الفقر والمجاعة التي اصبح ما يقرب من 80% من الشعب اللبناني يعيشها يوميا. عدم التوازن نابع من سرقة أموال صغار المودعين في البنوك اللبنانية من قبل البنك المركزي ومن يديره والذي يرفض التراجع عن قراره بوقف الدعم للمحروقات وينصب نفسه الامر والناهي في لبنان متحديا الشعب بأكمله وليس الحكومة والرئاسة فقط.

عندما أصدر مالتوس نظريته كانت بمثابة اصطفافا طبقيا واضحا مع طبقة الاثرياء الانكليز والاستعمار البريطاني ورفع مسؤوليتهم الاخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية عن إفقار الشعوب المستعمرة وحتى في الداخل البريطاني وان الفقر والاوضاع المعيشية لهؤلاء لم يكن سببه الرئيسي النهب والاستغلال البشع للدول المستعمرة. وبالمقاربة اللبنانية تصبح دعوات رفع الدعم ومن وراءها ومؤيديها يعلنون بفم ملئان إصطفافهم الطبقي الى جانب من ينهشون إجساد الفقراء والمهمشين وينهبون البلد ويهربون مليارات الدولارات الى الخارج ودعما للمافياويات.

بعد هذا نسأل هل يحق لنا ان نكتب عن المالتوسية اللبنانية أم لا؟ هذا يترك لقارىء هذه السطور.

كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

bahij.sakakini@gmail.com

شاهد أيضاً

هل سيتكرر سيناريو1982…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

عندما اجتاح جيش الكيان الصهيوني في عمليته “المحدودة” تحت إمرة السفاح شارون آنذاك ووصلت الى …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024