العدوان الذي شنه الكيان الصهيوني على غزة وعودته الى سياسة التصفية الجسدية للمقاومين وقياداتها في غزة ارادها المجرم نتنياهو ان تكون ورقة رابحة تجير سياسيا له في داخل هذا الكيان وهو المأزوم نتيجة الانتخابات الاخيرة الى جانب الملاحقة القضائية له بتهم الفساد والذي يرى الكثير من المراقبين أن حظه سيكون الالحاق بما آل اليه الوضع مع أولمرت الذي وضع في السجن بعد أن ثبت تورطه بالفساد المالي.
ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن لهذا المجرم العتيد الذي بنى كل حياته السياسية على أنه “سيد الامن” فإذا به يصل الى الدرك الذي وصفته به صحيفة هآرتس بأنه “سيد الفشل” عندما يأتي الحال الى تأمين الامن لهذا الكيان الغاصب. ومن يتتبع الصحافة داخل الكيان الاسرائيلي يجد ويستخلص الفشل الذريع الذي مني به نتنياهو والعدوان على غزة والذي اريد منه تغيير قواعد الاشتباك مع المقاومة الفلسطينية في داخل قطاع غزة. ففي أقل من ساعة على عملية الاغتيال أمطرت المستوطنات اليهودية القريبة من غزة بالقذائف والصواريخ وسقطت صواريخ أخرى داخل عاصمة الكيان الصهيوني. وما زال إطلاق الصواريخ قائم لهذه اللحظة وهذا اليوم بالرغم من إتفاقية “وقف إطلاق النار” الافتراضية التي توصل اليها الجانب المصري ضمن الشروط التي وضعتها حركة الجهاد الاسلامي.
ويكفي أن نذكر بأنه وبحسب المصادر الاسرائيلية ان 50% من سكان المستوطنات اليهودية المحيطة بقطاع غزة قد أخلوا أماكنهم وتوجهوا الى شمال فلسطين المحتلة. وبحسب هذه المصادر ايضا فإن الحياة داخل عاصمة الكيان الاسرائيلي قد شلت كلية وأن ما يقارب مليون طالب و 80 الف مدرس لم يتوجهوا الى مدارسهم. وتصريحات قيادات في الجيش تقوق ” ان الحرب الكبيرة القادمة ستكون مع إيران و حلفاؤها في المنطقة ولا يمكن لجيشنا ان يحقق الانتصار ويجب ان نعمل كل ما أمكن من أجل منعها” و ” إن اسرائيل هي المردوعة وليس الجهاد الاسلامي” و ” اسرائيل لم تظهر أكثر ضعفا في أي وقت مضى أكثر من هذا الاسبوع”. هذا بعض من تعليقات الصحف وقيادات سياسية وعسكرية التي تدلل بوضوح فشل العدوان لانه لم يحقق الاهداف السياسية أو العسكرية التي سعى من أجل تحقيقها, فأي إعتداء عسكري او شن الحروب يقاس نجاحها أو فشلها ليس بمقدار التدمير الذي من الممكن أن تحدثه الالة العسكرية بل بمقدار ما يحققه هذا العدوان من مكاسب سياسية او عسكرية. الى جانب هذا فإن سياسة محاولة نشر الرعب لسكان القطاع أيضا قد فشل وأن اللذين اصيبوا بالرعب وتدافعوا الى الملاجىء واللذين اصيبوا نتيجة هذا التدافع والهلع هم من الجانب الاسرائيلي وليس الجانب الفلسطيني.
أن تصل الصواريخ بشكل متعمد ومدروس وبقرار شجاع وبدون أي تردد الى عاصمة الكيان الغاصب سيطرح العديد من التساؤلات في الاوساط العسكرية والسياسية والامنية لانه يبين هشاشة الجبهة الداخلية وعلى أنه من المستحيل التصدي لكل الصواريخ التي تطلق من داخل القطاع المحاصر والمراقب جوا وبحرا وبرا على مدار الساعة يوميا دون إنقطاع. واليوم ربما أكثر من اي وقت مضى تولدت القناعة لدى قيادات هذا الكيان أن المقاومة اصبحت تمتلك الصورايخ التي يمكن ان تزلزل “الامن الاسرائيلي” وأن تنقل المعركة الى داخل هذا الكيان وأن زمن بقاء الجبهة الداخلية الاسرائيلية بعيدة كل البعد عن تبعات الاعتداءات الاسرائيلية قد ولى الى غير رجعة, وكذلك سياسة السكوت والاستكانة وعدم الرد الذي يؤذي هذه الجبهة الداخلية تحت ذرائع مختلفة قد تم شطبه من قاموس قواعد الاشتباك. وهذا كله مصحوبا بإصرار وعناد من جانب المقاومة الفسطينية.
ولنأخذ هذه النقطة أبعد من ذلك بما يخص الجانب المصري فإن الجانب المصري كان دائما وأبدا يشكل قوة ضاغطة على الجانب الفلسطيني ومقاومته في داخل القطاع وكانت المقاومة وبشكل عام تستجيب لهذه الضغوطات وتقبل ربما على مضض هذه الضغوط المصرية. ولكن في تقديري المتواضع أن الانجازات والانتصارات التي حققها محور المقاومة وخاصة في سوريا واليمن قد اعطى المقاومة الفلسطينية دعما معنويا وسياسيا الذي من خلاله تستطيع ان ترفض الاملاءات من جانب المخابرات المصرية كما كانت في السابق. وهذا ربما ما استدعى الجانب الاسرائيلي الى التوجه الى روسيا أيضا ولاول مرة والطلب من قيادتها التوسط في عملية وقف إطلاق النار هذا بالرغم من ان هذا الكيان لم يبدي يوما من الايام الالتزام بأية إتفاقية من هذا النوع كما اثبتت كل التجارب السابقة. فالجيش الاسرائيلي والقيادة السياسية للكيان تريد ان تبقي على أحقيتها وحريتها في كسر اية إتفاقية في الوقت الذي تجبر الطرف الاخر على الالتزام بها. وهذا لم يتحقق لها ولا يبدو انه سيتحقق لها مستقبلا والرد الفعلي والعملي والمؤذي من جانب المقاومة الفلسطينية للجانب الاسرائيلي في العدوان الاخير وإنتهاج سياسة الاغتيالات دليل واضح على هذا. وهذا الرد قد تم وسيتم دون تردد أو وجل أو تأخير كما اوضح الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي السيد زياد النخالة.
الكيان الصهيوني فشل فشلا ذريعا في تحقيق اي انتصار على الساحة السورية فالدولة السورية لم تسقط وجيشها سطر ملاحم من التضحيات والانتصارات بمحاربة الارهاب ومشغليه جنبا الى جنب مع محور المقاومة الممتد من إيران الى العراق الى سوريا الى حزب الله اللبناني وبدعم روسي متقدم. وفشل هذا لكيان في زرع “اسرائيل” ثانية في الشمال السوري من قبل بعض القوى الكردية التي ربطت مصيرها بالمعتدي الامريكي الذي إنسحب ولو جزئيا وتركهم لقمة صائغة للمعتدي التركي. كما ان هذا الكيان فشل هو والسعودية والامارات والولايات المتحدة وبريطانيا في لي ايادي الشعب اليمني الذي افشل العدوان ومخططاته والتي اعتبر انه محاربة لإيران ونفوذها في المنطقة. ومن المؤكد ان الكيان اصبح ينظر بكل من الجدية للتهديد الذي اطلقه مؤخرا رئيس حركة أنصار الله في اليمن عبد الملك الحوثي والذي مفاده انه في حالة ارتكاب هذا الكيان الصهيوني أية حماقة في اليمن فإن الرد سيكون في داخل هذا الكيان دون تردد. كما وفشل نتنياهو في جر الولايات المتحدة الى توجيه ضربة عسكرية الى إيران وهو الذي رهن مستقبله السياسي منذ تسعينات القرن الماضي بتوجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الايرانية ولو بشكل منفرد. ولم تنجح كل العقوبات الجائرة والاحادية الجانب من إحداث اي تراجع في المواقفف الايرانية فيما يخص برنامجها النووي أو برنامج تطوير صواريخها الباليستية أو تقليص دورها ونفوذها في المنطقة بل على العكس تماما ادت هذه العقوبات والسياسة العدوانية الامريكية الى مزيد من صلابة إيران وتحدي الولايات المتحدة عمليا على الارض وخاصة فيما يخص حرية الملاحة في منطقة الخليج. ولم تخفف من دعمها المتواصل للمقاومة الفلسطينية أو سوريا أو حزب الله اللبناني أو أنصار الله في اليمن
الكيان الصهيوني يعيش اليوم بحالة ذعر شديد وقد اصبح محاصرا من جميع الجهات بصواريخ محور المقاومة التي تهدد فعليا وعمليا كل النقاط والاماكن الاستراتيجية بداخله. وسياسة العنتريات والتهديدات لنتنياهو وزمرته من اليمين المتطرف ودق طبول الحرب ما هي الا للاستهلاك المحلي الداخلي ومحاولة تجيرها لصالح هذا الحزب الصهيوني او ذاك, واصبح الشعور العام بالخطر الوجودي لهذا الكيان يتنامى ويكبر وخاصة في هذه المرحلة ولا شك ان تزايد معدلات الهجرة من داخل الكيان مؤشر جيد على هذا. ومع كل صاروخ يطلق من قبل الممقاومة الفلسطينية يتزايد هذا الشعور فصواريخ المقاومة لم تعد “عبثية” كما كان يردد البعض ولم تكن عبثية في يوم من الايام الا للمستسلمين والمنبطحين والمهزومين والمأزومين واللذين كانوا يراهنون على الادارات الامريكية المتعاقبة إما نتيجة قصر نظر سياسي وعدم فهم لطبيعة العدو الصهيوني والعلاقة العضوية بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة, او ضلوعا في التآمر على شعبنا لمصالح شخصية وفئوية ضيقة.