الإثنين , 18 نوفمبر 2024
Breaking News

المحاسبة .. “الممرّ الإجباري” لإغلاق قوس العشريّة السّوداء !!..بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

تعيش تونس اليوم حالة فريدة من كوكتيل عجيب من التناقضات ما بين أطراف سياسية فاسدة متآمرة مع أعداء شعبها سرقت أموال الشّعب واستعملتها لأغراض سياسية، وبين فئة أخرى مقاومة مجاهدة سطرت أعظم انتصارات في تاريخ تونس بإنهاء حكم الإخوان و دستورهم و برلمانهم و حكومتهم العاجزة، و لا يخفى على عاقل أنّ اليوم هناك صراع بين مشروعين، الأول مشروع الدولة الإجتماعية الوطنية، و بين مشروع الدولة العميقة ( مافيات المال و السياسة، و المتمعشين من العشريّة السّوداء و المتورطين في الفساد و يخشون المحاسبة، و الباحثين عن الغنائم و السلطة و غيرهم ..) اليوم تعيد الدولة العميقة بناء نفسها والبعض يمنحها الأكسيجين لإنقاذها وإخراجها من الغيبوبة وإعادة بعث مشروعها من جديد وهذا الأمر يقوم به أشخاص موجودين في أماكن عدة.. أطراف خارجية و الإعلام، و الفايسبوك و غيرهم ..، هؤلاء يحملون مشروع الدولة العميقة ويريدون أن تعود من جديد.. و لو حتى على حساب تونس الجريحة المنهوبة و على حساب الشّعب الزوّالي.. إنّ هذه البطولات الزائفة و النضالات المشبوهة و الأزمات المفتعلة القائمة على الساحة الآن ليست صراعاً ولا تفاوضاً أو نوايا صادقة ، وليس هدفه الخوف على الديمقراطيّة و الحريات و حقوق الإنسان ولا حتى على الوطن و لا على هذا الشعب، بل جاءوا بشروط ونية مسبقة لإستمرار الكارثة، بمؤامرات الغرف المغلقة..

هؤلاء المتمعّشون من منظومة الخراب و أتباعهم الذين بكوا بحرقة على الديمقراطيّة المزيّفة التي صنعتها الأنظمة الفاسدة لتستخدمها في التسويف والتدليس على الناس و السرقة المقننة ، عليهم أولاً أن يبدؤوا بالاعتراف بوجود الدولة التي يريدون لها أن تكون ديمقراطية، وأول أبجديات الاعتراف بالدولة هو الاعتراف بقانونها وقبول تنفيذه على أنفسهم أولاً قبل غيرهم، ثم من بعد ذلك يسعون لدمقرطتها.. إذ لا ديمقراطية إلا بإحترام القانون وإنفاذه، قد تحدد الديمقراطية أطر الاعتراض على القانون، قد تحدد أدوات تغييره، لكنها لا يمكن أبداً أن تسمح بالاستهانة به أو بالاستهانة بجهات إنفاذه؛ سواء كانت تلك الجهات القضاء أو الأجهزة الأمنية.. و تونس اليوم أمام مفترق طرق؛ إما أن تكون دولة أو لا لدولة، ومفصلها وامتحان كينونتها كدولة اليوم هو إنفاذ القانون على الجميع .. من يريد بتونس شراً اليوم سيضغط عليها لعدم إنفاذ القانون وكي تتغاضى عن مخالفيه، سيضغط عليها لتفادي تطبيق القانون، من يخطط لنخر عظام الدولة من الداخل سيمنعها من تطبيق القانون، من يريد للفوضى أن تعم أرجاء تونس سيمنع أو سيعيق أو (سيقلق) من تطبيق القانون.. لم أجد مثل هذه القوى قد شكّلت جبهة معارضة، هي تتشدق بالديمقراطية والشفافية، ولكن أغلبها إن لم نقل كلها، لا تؤمن بالديمقراطية أبدًا، وهي تتشدق بالدين، ولكنها ليست دينية أبدًا، إنها قوى اجتماعية فارغة تبحث عناصرها كلها عن سلطة و تموقع و إقتسام الكعكة فقط مهما كانت الوسائل والآليات الموصلة إليها، هذه القوى هي طفيلية ومخادعة لا تتمتع بأية إمكانات سياسية، ولا براغماتية وأنها تلبس لها في كل مرحلة أقنعة متغيرة، وحتى أن اكتسبت جماهير شعبية، فالجماهير لا تفقه شيئًا عندما تتبعها، ولكن بدا واضحًا اليوم وبعد تجارب لتاريخ عقود مرت على تونس أن السياسيين يعشقون السلطة والجاه عشقًا لا حدود له، ليحقق الفرد من خلالها ذاته أو مصالحه باسم السياسة وتوظيف الشعارات الوطنية أو القومية أو الإسلام..

معركتنا اليوم ليست فقط معركة إنتخابات أو تغيير نظام أو دستور أو محاربة الفساد ، بل معركتنا هي معركة تونس ومعركة السيادة التونسية ، معركة شعب، معركة وطن أو ما تبقى من الوطن ومؤسساته، و على الشعب التونسي أن لا يقبل الوصاية وأنّ النزعة لمحاولة تطويع إرادة التونسيين بما يتوافق مع رؤية أي طرف خارجي هي ضرب من الوهم، و كل من يتحجج بالموضوعية والحيادية والمهنية في المعارك الأخلاقية الكبرى و المعارك الوطنية ، هو في الجانب الخطأ بقصد أو بغير قصد، أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يقفون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة، وأن المصيبة ليست في ظلم الأشرار وإنما في صمت وحياد الأخيار، ونقول أيضاً إن الوقوف على الحياد في معارك الشعب الكبرى ليس حياداً، بل هو موقف سياسي بإمتياز.. و من الخطأ الشديد أن يتشدق هؤلاء بالموضوعية والحيادية في مثل هذه الأمور، لا حياد في هذه المعارك، وعلى كل من يمتلك ذرة إنسانية أن يختار الجانب الصحيح فوراً دون أدنى تردد، حتى لو كان إعلامياً، فالإعلام ككل المواقف الإنسانية الأخرى يجب أن يصطف مع الخير ضد الشر دون أدنى تلكؤ أو تعلل بالحياد والنزاهة..

إذن نحن اليوم أمام معادلة في غاية الصعوبة، إذ أن هناك مشروعين، ، الأول من قَدِمَ تحت حراب الأجنبي من أجل السلطة والمال على حساب التونسيين دون أن يمتلك مشروع سياسي لتونس ، والآخر أبناء الوطن الذين قَدموا الغالي والنفيس من أجل خلاص البلاد والعباد من ظلم الأحزاب الفاسدة وميليشياتها الفوضوية.. وما نراه اليوم من التشدق المزيف لبعض السياسيين بالديمقراطية و بدستور 2014 الذي وُضع على أساس الترضيات و على المقاس ، يفضحه الكم الأكبر من سياسيي العملية السياسية ذاتها سواء في لقاءاتهم عبر الفضائيات التي يتحدثون فيها علنا، من الفشل الذريع الذي يكتنف العملية السياسية ووصولها إلى طريق مسدود طيلة السنوات العشر الماضية ، وهم يتحدثون فيها بلا خجل عن استماتتهم على العودة إلى السلطة، ولو كلّف ذلك حرق البلاد والعباد وممارسة أقصى درجات الفوضى و الفتنة و التنكيل بالشّعب.. بات من الضروري العودة للإمساك بزمام الأمور مرة أخرى قبل فوات الأوان و الحذر من مؤامراتهم الخبيثة والمسمومة من خلال الصف الخلفي لأذرع اللاعبين في المشهد السياسي التونسي بمسميات براقة وثورية وليبرالية يزج بها هنا وهناك، والحذر كل الحذر من الفوضى والتحريض المتواصل،. حيث يتم خلف الستار الإخراج والإنتاج لسيناريو ماكر وخبيث من سيناريست طالما نجح بتقديم أبطال جدد بمهارة عالية في إتقان الأدوار، بالتالي يتم صناعة أرضية وقبول من المجتمع، وهنا تعود تونس لدوامة الفساد والتيه الذي لازمها منذ سنوات ، لأن إنتفاضة الخامس و العشرين من جويلية خرجت رافضة للكل ولن ترضى إلا بإسقاط الكل.. و الديمقراطية التي يتشدق بها البعض لا معنى لها إذا كانت الوطن بصدد الضياع والتفكك، وما تعيشه تونس دليل على خروق جسيمة في استيعاب المصطلحات وبناء الأنظمة، وبعد التجارب المريرة مع النخب السياسية الفاسدة، لم يعد هناك أي مجال لمزيد من التلاعب بمصائر الأجيال المقبلة.. و المحاسبة هي الممرّ الإجباري لكل الإصلاحات المطلوبة إقتصاديا و سياسيا، و لتعبيد الطريق نحو إغلاق قوس العشريّة السّوداء نهائياً..و اليوم و أكثر من أي وقت مضى تونس في حاجة إلى حوار إقتصادي وإجتماعي و لابدّ أن تكون الأطراف المعنية بالحوار هي الأطراف غير المعنية بالشأن السياسي وليست لهم نية للتموقع ولا البروز بل هدفهم إنقاذ البلاد و العباد فقط وفق برنامج وطني ديمقراطي يشكل أرضية مشتركة لجميع القوى الوطنية الحقيقية المؤمنة بالتغيير الإيجابي، الذي يُخرج تونس و شعبها من مخاطر التحديات الداخلية والخارجية، خصوصا أمام شبح الأزمة الإقتصادية العالمية و في ظل المتغيرات المتوقعة والمحتملة للمشهد الجيوسياسي الدولي الذي رسمت خطوطه العامة العملية العسكرية الروسية النوعية في مواجهة تغول الرأسمالية المتوحشة والليبرالية المتغولة..

عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم

Check Also

القضية الفلسطينية.. بين الصمت والتآمر والتضليل!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

يرى كثيرون ان أصل الشرور في الشرق الاوسط في المائة سنة الاخيرة هو (اغتصاب فلسطين) …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024