تحسين الحلبي |
حين تطلعت قوى الاستعمار القديم- الجديد لتوظيف الحركة الصهيونية في قلب العالم العربي كانت تدرك أن شعار الصهيونية القائل: «إسرائيل من الفرات إلى النيل» سيصبح أكبر مشروع استعماري للهيمنة على العالم العربي والشرق الأوسط كله لأنه يسعى لإخضاع بلاد الشام على البحر الأبيض المتوسط ومعها العراق وبلاد النيل مصر والسودان وبقية دول البحر الأحمر من السعودية إلى اليمن والصومال وجيبوتي.
وكان مركز أبحاث ميتفيم «الإسرائيلي» المتخصص بأبحاث عن دول الشرق الأوسط والمصالح الصهيونية فيها قد أعد بحثاً في أيلول الماضي تحت عنوان :«صراع القوى في البحر الأحمر والمصالح الإسرائيلية في حوضه» سلّط الضوء فيه على تطورات أحداث اليمن والنزاعات التي يحرض عليها بين بعض دوله، مثل مصر والسودان وأثيوبيا حول حوض النيل وحرب السعودية على اليمن، مشيراً إلى «احتمال وجود مشاركة للجيش الإسرائيلي فيها إلى جانب السعودية» بموجب ما تضمنه هذا البحث.
فالقيادة في تل أبيب تنفذ وظيفة أمريكية استراتيجية تتقاسم فيها مصالح كثيرة في هذا الحوض الذي يفصل بين دول عربية في آسيا وأخرى في أفريقيا في حوض البحر الأحمر نفسه وتلعب في ساحته كما يحلو لها إلى حد يقول فيه مركز (ميتفيم): إن«إسرائيل لم تصدق نفسها مما حققته من علاقات سرية وعلنية مع دول البحر الأحمر العربية وغير العربية باستثناء اليمن» .
ويرى البحث أن وجود تنظيمي «القاعدة» و«داعش» في اليمن وكذلك في مصر في منطقة سيناء إضافة إلى «الإخوان المسلمين» داخل مصر والنزاع بين مصر والسودان وأثيوبيا على مياه النيل أو على الحدود جعل معظم دول البحر الأحمر مقبلة على حروب فيما بينها من الصومال إلى بوابة مصر قرب قناة السويس، بينما تقوم «إسرائيل» ببناء قواعد في بعض دول البحر الأحمر مثل إريتيريا وتقيم اتصالات مع الحكومة الاتحادية الصومالية لبناء قاعدة فيها .
وينضم هذا النشاط «الإسرائيلي» إلى النشاط العسكري الموجود في حوض البحر الأحمر من القواعد التابعة في بعض دوله لكل من الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان أيضاً وكأنها «دولة إقليمية كبرى» ولها مصالح إمبريالية على غرار دول كبرى.
وتتطلع تل أبيب إلى توسيع مصالحها الأمنية والعسكرية في حوض البحر الأحمر لتشمل الاقتصاد وإقامة مشاريع البنى التحتية في بعض الدول لتتحول إلى قوة عسكرية واقتصادية مهيمنة على حوض البحر الأحمر الذي يضم 300 مليون نسمة في اثنتي عشرة دولة من دوله .
ويبدو من الواضح، أن الإدارة الأمريكية ستقدم للكيان الصهيوني كل ما يتطلبه تحقيق هذه الهيمنة في البحر الأحمر من مستلزمات عسكرية ونفوذ أمريكي مادام يشكل الجيش الرديف للجيش الأمريكي في عدد من دول البحر الأحمر، وإذا كان الرئيس ترامب يطالب الدول التي يقدم الحماية لها ويحافظ على نظام حكمها بدفع الأموال مقابل هذه الحماية فسوف تتطلع تل أبيب إلى المطالبة بحصتها من أموال هذه الأنظمة كثمن للوظيفة التي تقوم بتنفيذها في حماية هذه الأنظمة إلى جانب واشنطن.
ولذلك من الطبيعي والمحتم ألا تقتصر مقاومة هذا المخطط الأمريكي – الصهيوني على الشعب اليمني وحده وهو الذي يجابه ببطولة وصمود منقطع النظير الحرب السعودية – الأمريكية على أرضه كما لن تقبل مصر التي تعد من أكبر دول حوض البحر الأحمر وأهمها من ناحية استراتيجية بوجود هيمنة «إسرائيلية» تهدد قناة السويس وحوض مياه النيل شريان حياة أكثر من 90 مليوناً من المصريين و40 مليوناً من السودانيين.
فالقيادة الصهيونية تسعى إلى إبقاء مصر منشغلة بالمجموعات الإرهابية في سيناء و بأزمات مع كل من أثيوبيا والسودان في موضوع مياه النيل بهدف فرض نفسها «كأكبر قوة إقليمية» تهيمن على دول البحر الأحمر من جهة، وعلى منطقة الشرق الأوسط كله من الجهة الأخرى، وهنا يكمن أكبر خطر على الأمن القومي الشامل للعالم العربي وللشرق الأوسط كله بعد أن هُزم مخططها في سورية والعراق وتحولت جبهة تل أبيب الشمالية الممتدة من تخوم الجولان السوري إلى حدود جنوب لبنان إلى كابوس رعب بدد حلمها بالسيطرة «من الفرات إلى النيل».