كما وعدت إيران وفّت بوعدِها، ولم يطل بحكومات وشعوب العالم الأمد في انتظار الرّد الإيراني، على قصف مقر قنصليتها بالعاصمة دمشق، وهؤلاء في ذلك الترقّب بين الشكّ واليقين، بين أن تنفّذ ايران وعدها الذي وعدته، وبين أن تخيّر أسلوبا آخر هي أدرى به، وإيران اليوم لم تعُد ايران ما بعد ثورتها الإسلامية، بحاجة إلى من يبيعها الأسلحة وحتى الذّخائر، حتى الأسلحة البسيطة منها لم تجد طريقا لتحصيلها غير السوق السوداء، بعدما غُمّ عليها بالحصار والعقوبات والتقت عليها دول الاستكبار وعملاؤهم.
إيران منذ 35 عاما على الأقل، ركّز نظامها على إعطاء أولوية، لخوض غمار صناعة الأسلحة وذخائرها بمختلف أنواعها، بفضل هِمَمِ وعزائم أبنائه الملتزمين، من مهندسين وخبراء عسكريين أكفّاء، لم يبخلوا بجهودهم في هذا المجال المتنوّع والدّقيق، فقدّموا الإضافة التي كانت إيران بأمسّ الحاجة إليها، بعدما تكالب عليها الأعداء من كل حدبٍ وصوب، وحققوا في وقت قصير، ما لم تحققه الدول الكبرى المُصنّعة حاليا، في مجال تطوّرها الذي بلغته، في مجال التسليح العسكري.
لقد كان الامام الخميني يدرك أنّ مشروعه الذي دعا اليه ووضع اسسه في تحرير فلسطين هو بحاجة إلى أربعة عناصر ضرورية لإنجاحه، وهذه العناصر لن تتألّف وتكتمل من دون اشراف ورعاية كاملة له وهي:
أوّلا: الدخول في مجال صناعة الأسلحة العسكرية بمختلف اختصاصاتها بشكل فوري وجدّي وتسخير جميع الإمكانات من أجل إنجاح مصانعها وتطوير أنواعها بما يتناسب مع تطوّر أسلحة الأعداء وهؤلاء الأعداء ليس الكيان الصهيوني وحده بل أغلب دول الغرب خصوصا تلك التي انخرطت في حلف الناتو بقيادة أمريكا، وهنا حقّقت ايران نجاحات كبيرة، أذهلت الأعداء وحيّرت قادتهم السياسيين والعسكريين على حدّ سواء، وقد أثبتت هذه الصناعات وأسلحتها جدارة وفاعلية، لم يكن الغرب بطمّ طميمه، يتوقّع وصول إيران بسرعة إلى هذا المستوى من التقدّم.
ثانيا: تقديم الرعاية والدّعم والعناية بفصائل وحركات المقاومة، بما ينمّي قدرتها على مواجهة العدوّ الصهيوني، ومن شأنه أن يسهم بفعالية ونجاعة، في تحقيق الإنتصارات عليه عند كل مواجهة، وهذا ما تحقق منذ سنة 2000 و2006 في جنوب لبنان، فضلا عن البطولات الكبيرة، التي حققتها فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وتمكنت خلالها من دحر الآلة العسكرية الصهيونية في مواجهات مباشرة، ومنعها من الدخول إلى القطاع بكامل عدّتها البرّية، بينما المقاومون الفلسطينيون لا يملكون من أسلحة، سوى ما قدّمته إيران لهم من أسلحة فردية متوسّطة، لكنها كانت فعالة في وقف الهجمات الصهيونية وردّها على أعقابها.
ثالثا: لقد كان لإعلان الإمام الخميني آخر جمعة من شهر رمضان، يوما للقدس العالمي، أثر في إظهار مظلومية الشعب الفلسطيني والترويج لعدالة قضيّه في ظلّ تغوّل الغرب الذي لا يزال مصرّا على انهائها بما يل ائمه من هيمنة جديدة على المنطقة بأسرها، وقد استجابت دول وشعوب من مختلف أنحاء العالم لندائه، انضمت الى الداعين لإحقاق الحقّ الفسلطيني، وقد شاهدنا كيف استطاعت جهود الفصائل الفلسطينية، أن تقلب قناعات الشعوب الغربية من مناصرة للكيان الصهيوني الظالم المغتصب لحقوق الشعب الفلسطيني، إلى تأييد أصحاب الأرض الحقيقيين الفلسطينيين، أمام قطعان الاستيطان القادمة من دول الغرب، منادية بوقف العدوان الهمجي للقوات الصهيونية على قطاع غزّة.
رابعا: الدخول المبدئي لفصائل المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني ومع أمريكا برّا وبحرا، من الفصائل اللبنانية والعراقية والسورية واليمنية، مساندة شركاءها في المحور الذي تشرّفت إيران برعايته منذ أن تأسّست عناصره وتكونت حركاته المسلّحة، مما أعطى موقفا لم يكن ليتحقّق لولا جهود ايران في دعم ونصرة القضية الفلسطينية التي تعبرها القيادة الإيرانية قضيتها المركزية وبل وقضية كل مسلم على وجه الأرض، وهذا مؤشرّ إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على نجاح إيران في مشروعها التحريري، وتوفيقها في جمع هذه القوى تحت راية الإسلام المحمدي الأصيل بعيدا عن النعرات الطائفية، التي لعبت عليها أمريكا وبريطانيا ودول الغرب، من أجل تفكيك أواصل الصلة بين المسلمين، بحيث لا يجتمعون أبدا على أمر، من شأنه أن يضرّ المشاريع التوسّعية الغربية في المنطقة،
هذا من حيث إنجازات ايران في مساندة ومساعدة حركات المقاومة، أمّا من حيث نتائج الوعد الصادق، فقد صرّح ( قائد مقر خاتم الأنبياء (ص) المركزي اللواء غلام علي رشيد: ( إن أمريكا والناتو وسنتكوم والكيان الصهيوني ساعدوا إسرائيل بـ 240 طائرة مقاتلة والعديد من الأنظمة المضادة للصواريخ لمواجهة الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية. وأكد أن محور المقاومة له اليد الطولى، وأفق العشر سنوات المقبلة هو لمحور المقاومة. سيتم إعادة قراءة التاريخ من جديد. وأضاف: لم يجرؤ الكيان الصهيوني على أن يعرض للعالم صور القاعدتين العسكريتين؛ لو لم يهب الأمريكيون والبريطانيون والفرنسيون والقيادة المركزية لمساعدة الكيان الصهيوني، لكانت 80٪ من صواريخ ومسيرات إيران قد سحقت القواعد العسكرية الصهيونية. وتابع: إيران نفذت هذه العملية الهجومية ردا على جريمة الكيان الصهيوني بحقّ قادتها في القنصلية والسفارة الإيرانية في دمشق.
وأضاف اللواء: إن عملية الوعد الصادق تولاها جزء من قوات الجو فضاء التابعة للحرس الثوري، استخدمت فيه 20٪ فقط من قوتها الهجومية، بالمقابل، وقفت أمريكا والناتو والقيادة المركزية الأمريكية، والكيان الصهيوني بـ 240 طائرة مقاتلة، والعديد من الأنظمة المضادة للصواريخ، المتمركزة على السفن الأمريكية في البحر المتوسط والبحر الأحمر، والأنظمة المضادة للصواريخ، التابعة للكيان الصهيوني لمواجهة هذه الصواريخ(1)
لم تستعمل ايران في ردّها على العدوّ الصهيوني اللدود بغير أسلحتها الأقلّ تطورا، وهذا من تكتيكات إيران في عدم الرّد بأسلحتها الإستراتيجية المتطوّرة، ايمانا منها بأنّ الرّد كان بحجم العدوان على سفارتها، ولا يستوجب ردّا أقوى، وهي على قناعة تامة بأنّ ساعة مواجهة اعدائها بدأت تقترب شيئا فشيئا، وأنّ عليها الاستعداد لذلك بقوة وعزم كبيرين، لا يتركان الفرصة لهم – ولو توحّدوا مع بعضهم استكبارا وعملاء – في إمكانية تهديدها مجدّدا.
المصادر
1 – 240 مقاتلة أمريكية وأوروبية ساعدت الكيان لصد (الوعد الصادق)
https://nournews.ir/ar/news/172206/240-