أخبار عاجلة

اليمن… لماذا هذا التسارع نحو ميناء الحديدة؟

الدكتور بهيج سكاكيني |
اليمن على موعد مع كارثة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ المعاصر مع اشتداد المعارك التي يشنها التحالف العربي الاسلامي الغير مقدس بقيادة السعودية على ميناء الحديدة وهو الميناء الوحيد المتبقي الذي ما زالت بعض السفن المحملة بالقليل من الاغذية والمواد التموينية الاخرى تصل الى المحتاجين في اليمن وخاصة في المناطق الشمالية. ما يجب ان يدركه القارىء ان هذا الميناء يخضع الى عملية محاصرة تامة من قبل هذا التحالف ولا تصل اية سفينة الى الميناء دون عملية تفتيش مشددة من قبل قواته للتأكد من خلوها من اية اسلحة قد تصل الى الجيش اليمني واللجان الشعبية والحوثيين الذين يقاتلون الغزاة البرابرة من العربان وغيرهم. وفي كثير من الاحيان تم حجز السفن لفترات طويلة بحيث أتلفت المواد الغذائية قبل السما لهذه السفن بتفريغ حمولتها. هذا الى جانب التفتيش من قبل فريق من الامم المتحدة والتي تشارك بالحصار المطبق على اليمن وخاصة على هذا الميناء المتبقي. ولقد تعرض هذا الميناء الى عدة ضربات جوية متواصلة من قبل هذا التحالف كما حاولت قواته من المرتزقة الذين جمعوا من أكثر من دولة للسيطرة على الميناء دون جدوى.
وفي الاونة الاخيرة زادت الهجمات على هذا الميناء الذي دمر العديد من أرصفته. والسبب يعود الى فشل كل من الامارات والسعودية على تحقيق اية تقدم يذكر للسيطرة على المناطق الشمالية لليمن والقضاء على مقاومة اللجان الشعبية والجيش اليمني والحوثيين. فبعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب المجنونة والهمجية الذي شنها التحالف العربي التي تقوده السعودية منذ مارس 2015 لم يتمكن هذا التحالف من السيطرة على اليمن وإخضاع شعبه وإرجاعه الى بيت الطاعة السعودي كما كان سابقا. نعم استطاعت الامارات ومرتزقتها بإحتلال الشواطىء الجنوبية من اليمن والسعودية السيطرة على القسم الشرقي ولكنهم لم يتمكنوا من السيطرة على المناطق الشمالية بما فيها صنعاء العاصمة على الرغم من حجم الدمار الشامل للبنى التحتية من طرقات وجسور ومحطات توليد الكهرباء وشبكات توزيع المياه والطاقة والمزارع ومصانع الادوية والمستشفيات …الخ. لقد إرتكبت قوات التحالف المجزرة تلو المجزرة وما زال يرتكبها يوميا ضد السكان المدنيين مما حدى تصنفيها جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ووضعت السعودية على وجه الخصوص للمساءلة القانونية من عدة مؤسسات دولية ومن ضمنها الامم المتحدة وتحميلها مسؤولية إرتكاب هذه المجازر.
والان وبعد أكثر من ثلاث سنوات من هذا العدوان الغاشم على اليمن المدعو على وجه التحديد من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وكلا الدولتين رأت في هذا العدوان فرصة كبيرة لتوريد الاسلحة ومن ضمنها الاسلحة المحرمة دوليا مثل القنابل العنقودية والفسفورية الحارقة وعقد صفقات لبيع المتطورة بعشرات المليارات من الدولارات غير آبهة بما تحدثها من دمار وقتل الابرياء من السكان المدنيين. ولقد اشتدت الحملات وخاصة في الدول الغربية لمنع حكوماتها من توريد مثل هذه الاسلحة دون نتيجة تذكر.
وقد يتساءل البعض لماذا هذا الاصرار على السيطرة على ميناء الحديدة بالرغم من انه فعليا خاضع لهذا النظام الصارم من الحصار من قبل السعودية والامم المتحدة ومدعوما لوجيستيا من قبل الولايات المتحدة ولا تستطيع اية سفينة للدخول الى الميناء وتفريغ حمولتها الا بعد ان يتم إخضاعها لعملية تفتيش صارمة؟
هنالك عدة اسباب لذلك قد يكون أبرزها أولا: مع إطالة أمد الحرب الحرب إفتضحت النوايا الحقيقية للعدوان السعودي الاماراتي والتي تبين أنها لا تمت بصلة الى الاهداف السياسية التي طرحت في البداية وهي عودة “الشرعية” لليمن من قبل الرئيس التي إنتهت ولايته والهارب والذي يدير شؤؤون البلاد من الرياض والغير مسموح له بالعودة حتى الى عدن التي هي تحت سيطرة الامارات. وتبين ان الهدف الحقيقي هو تقسيم اليمن وتقاسم النفوذ في المناطق بين الامارات والسعودية والسيطرة على الموانىء لاستخدامها مستقبلا كطريق بديلة لتوريد النفط هذا الى جانب السيطرة على الحقول النفطية لليمن. وفي الفترة الاخيرة قامت القوات الاماراتية بالسيطرة على جزيرة سقطرى التي تبعد عن السواحل اليمنية مسافة ما يقرب من 350 كيلومتر وهي منطقة لم تدخل في النزاع ولا يتواجد فيها الجيش اليمني او اللجان الشعبية أو الحوثيين وعلى مدى اسابيع قامت بسرقة الكثير من مقدراتها وهي التي تعتبر محمية طبيعية. وقامت بتشغيل خط جوي اليها حتى دون ان تخبر “الحكومة الشرعية للرئيس هادي”. وتدخلت السعودية وتم استبدال الاحتلال الاماراتي بإحتلال سعودي فأين هي “الشرعية” اليمنية من كل هذا؟؟؟؟ مع كل هذه السيناريوهات التي اصبحت واضحة للعيان حتى للذين أيدوا العدوان على اليمن واللذين شاركوا فيه فعليا أصبح من الضروري العمل على إنهاء العدوان بأي شكل من الاشكال. فهذا التحالف وما جمعه من مرتزقة أصبح في وضع متآكل وسرعان ما يتفكك. فالقوات السودانية على سبيل المثال بعد ان أصبحت في وضع لا تحسد عليه وخاصة مع حجم الخسائر البشرية التي تعرضت لها في قتالها في اليمن من أجل حفنة من الدولارات على وشك ان تترك الساحة اليمنية بعدما أثيرت القضية والتساؤلات داخل السودان على المستوى الشعبي والأطر السياسية. واصبح الشعب السوداني يتساءل لماذا ارسل جنودنا للقتال في اليمن؟ نحن لسنا على استعداد للتضحية بأبنائنا من أجل مصالح السعودية أو الامارات.
أم ثاني الاسباب فيعود للفشل الذي منيت به قوات التحالف العربي بقيادة السعودية والمرتزقة اللذين جمعوا من عدة بلدان ومن ضمنها دول امريكا الاتينية عن طريق بلاك ووتر سيئة الصيت والتي تقيم لها مكاتب الان في الامارات. الفشل بالرغم من استخدام كافة الوسائل العسكرية والاقتصادية ونشر الامراض مثل وباء الكوليرا وتسميم مصادر المياه والتدمير الكامل للبنى التحتية. التحالف بمحاولته للسيطرة على ميناء الحديدة على المعبر الوحيد الذي من خلاله تصل الامدادات الشحيحة لليمن من أغذية ومواد تموينية وطاقة وبالتالي يستطيع ان يقوم بعملية إبادة جماعية لملايين السكان اليمنيين وذلك كوسيلة أخيرة للضغط على الشعب اليمني للاستسلام. سياسة التجويع لحد الموت او الاستسلام كما فعل النازيون بمدينة ستالينغراد اثناء الحرب العالمية الثانية. إن استيلاء السعودية والامارات على هذا الميناء يعني أيضا إبعاد الامم المتحدة ومراقبيها عن تلك المنطقة ومن ثم إذا ما كان هنالك بعض الرقابة للامم المتحدة او الضغط الاخلاقي الخجول على التحالف بإدخال المواد الغذائية والتموينية فإن هذا سينتهي وعندها تستطيع السعودية الادعاء بانها تدخل هذه المواد حيث لا رقيب عليها على الاطلاق.
وللتدليل على اهمية هذا الميناء نقتبس ما قاله أحد منسقي الامم المتحدة في مجال ترتيب المعونات الانسانية الطارئة ” أنا قلق جدا خاصة فيما يتعلق بإنخفاض واردات الاغذية عب موانىىء البحر الاحمر” وأضاف ” إذا لم تتحسن الظروف فإن 10 ملايين آخرين من السكان سيدخلون ضمن هذا التصنيف (المجاعة) في نهاية العام ” وكان نا صرح نفس المسؤول مارك لوكوك ان اليمن يتعرض الى أسوأ كارثة إنسانية فهنالك ما يقرب من 8.4 مليون يمني على حافة المجاعة. ومن ثم فإن تدمير ميناء الحديدة بالكامل أو السيطرة عليه سيؤدى موت 18 مليون يمني نتيجة الجوع. هذا ما تريده السعودية والامارات فإين هو “المجتمع الدولي” من هذا لا بل اين هي الامم المتحدة وامينها العام من كل هذه الابادة التي تشارك فيه الامم المتحدة لانها مشاركة في عملية الحصار.
أما السبب الثالث هو ان هنالك أصوات إرتفعت في الفترة الاخيرة داخل السعودية وبعض دول مجلس التعاون الخليجي بضرورة إنهاء هذه الحرب المدمرة التي بدأت تنعكس سلبا على الاوضاع الداخلية داخل السعودية الى جانب الدول الخليجية. فالاوضاع في السعودية مؤخرا من إعتقالات واسعة في صفوف الامراء والاشتباك المسلح داخل القصر الملكي التي حاولت السلطات السعودية التقليل من شأنها والادعاء بأنها كانت “التصدي” لطائرة صغيرة مسيرة وكأنها لعبة أطفال لم تنطلي على أحد. ولم يعد سرا ان هنالك تذمر واضح داخل العائلة المالكة في السعودية من الحرب الجنونية والمغامرة في اليمن والتي أحدثت نزيفا ماليا كبيرا في الخزانة السعودية وجعلت السعودية أكثر عرضة لمشاكل امنية داخلية الى جانب مزيدا من الابتزاز الامريكي الذي نهب مئات المليارات. وهنالك تساؤلات كثيرة تطرح عن سبب غياب ولي العهد محمد بن سلمان عن الساحة العامة وعدم ظهوره لفترة طويلة بعد الاشتباكات التي حدثت في القصر.
أما السبب الرابع على ما يبدو هو قرب الاعلان الرسمي عن ما سمي “بصفقة العصر” من قبل الادارة الامريكية هذا بالرغم من أن معظم بنودها بدأ تطبيقها على ارض الواقع حتى قبل الاعلان عن وجودها. والكثيرون من المتتبعين يدرون ان السعودية والامارات على وجه التحديد من الدول الاقليمية المعول عليها في تنفيذ هذا المخطط الاجرامي في المنطقة التي سيتم فيها محاولة إنهاء القضية الفلسطينية لصالح الكيان الصهيوني والتطبيع معه على المستوى السياسي والاقتصادي والامني مباشرة وعلنا وتكوين حلف استراتيجي في المنطقة على امل ان يضم السعودية والامارات ومصر وإسرائيل برعاية أمريكية على ان يلتحق بالركب دول عربية اخرى لاحقا والهدف من هذا الحلف كما يقال هو “التصدي” للدور والنفوذ الايراني في المنطقة. ولتنفيذ صففقة القرن لا بد من إطفاء بعض النيران المشتعلة في المنطقة أولا وتأتي اليمن ضمن هذه المناطق ولكن السعودية والامارات تريد ان تنهيها بالشكل التي تحقق أطماع كل منها في الاراضي اليمنية ومن هنا هذا التسارع للسيطرة على ميناء الحديدة وخلق واقع على الارض يمهد لها الطريق لفرض إرادتهما في اية حلول سياسية قادمة. فالمبعوث الدولي كان قد أعلن مؤخرا أنه على قاب قوسين من طرح مبادرته لايجاد حل سياسي في اليمن. وللسيطرة على هذا الميناء فإن الامارات والسعودية قد طلبت من كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل بإرسال الخبراء العسكريين وربما توفير قوات إقتحام من هذه الدول لتشكل رأس حربة للقوات الاماراتية ومرتزقتها في محاولة للسيطرة على الميناء.
هنالك صراع مع الزمن من قبل “التحالف العربي” للوصول الى الميناء والسيطرة عليه. والسؤال هنا هل سيتمكن هذا التحالف من تحقيق ذلك؟ لقد اثبت الجيش اليمني واللجان الشعبية وقوات الحوثيين انهم مقاتلين شرسين لانهم يقاتلون عن عقيدة للدفاع عن ارضهم وبالتالي لن تكون المعركة سهلة. طائرات التحالف الهمجي لم تنقطع يوما واحدا منذ ان بدأ العدوان الغاشم على اليمن في مارس 2015 ولكن التجارب تدل على ان الجو لا يحسم المعركة.

شاهد أيضاً

هل سيتكرر سيناريو1982…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

عندما اجتاح جيش الكيان الصهيوني في عمليته “المحدودة” تحت إمرة السفاح شارون آنذاك ووصلت الى …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024